عند محطات النقل الحضري، كثيرا ما يجد المواطن نفسه تحت رحمة القابض أو ''الروسوفور'' الذي يحاول أن يُركبه ب ''الذراع'' في الحافلة التي يشتغل فيها، دون حتى أن يعرف وجهته، وتمتد سطوة هذا ''القابض'' إلى داخل الحافلة، عندما يتعامل مع أجساد المواطنين مثلما يتعامل مع أي سلعة، ولا يرى في المواطن إلا التذكرة التي يدفعها· كثيرا ما يشتكي المواطنون من تصرفات ''الروسوفور'' في حافلات النقل البري للخواص، فهؤلاء ''القابضون'' وعادة ما يكونون في سن الطفولة، لا يظهرون بمظهر لائق، ولا يعملون بطريقة قانونية تفرض عليهم ارتداء لباس معيّن ووضع ''الشارة'' (الباج) على الصدر، وكثيرا ما يتسببون في مشكلات لا حصر لها، منها التعارك مع الركّاب لأتفه الأسباب إلى درجة أن الكثير أصبح يترحّم على أيام الشركة الوطنية لنقل المسافرين العمومية التي كانت تحتكر النقل البري للمسافرين، وجعل المواطن يؤكد فعلا أنه تحت رحمة ''الروسوفور''· لكن بالمقابل، فإن ''الروسوفور'' له مشاكله الكثيرة التي تجعل أداءه بهذه الطريقة، وهذا ما وقفت عليه ''الجزائر نيوز'' في هذه الجولة الاستطلاعية عبر مختلف محطات الجزائر العاصمة· العمل من الساعة السادسة صباحا إلى السابعة مساء دون توقف كانت وجهتنا أولا محطة عيسات إيدير بساحة أول ماي بالعاصمة، اقتربنا من قابض حافلة وجهتها شوفالي، لا يتعدى سنه 18 سنة، كان ينادي بصوت عالٍ ''الأبيار، شوفالي ماشي''، سألناه عن هذه المهنة، فأجاب قائلا: ''هي مهنة متاعب، مشاكلها، ومتاعبها أكثر من الراتب الذي نتلقاه، لكن ما باليد حيلة، لابد أن نعمل من أجل أن نعيش''.. هي شهادة أحد القابضين، لكن معظمهم أجمعوا على أن هذه المهنة متعبة، خصوصا وأنهم يعملون من الساعة السادسة صباحا إلى غاية السابعة مساء دون توقف، الأمر الذي صعّب من مهمتهم، خاصة عند الساعات التي تعرف فيها كل الطرق الازدحام، لكن أجمع العديد منهم أن هذه المهنة على الرغم من متابعتها إلا أنها جيدة وتعلم كيفية التعامل مع الآخرين، وتحمّل تصرفات الناس والصبر· حتى مهنة القابض ب ''المعريفة'' قابض الحافلة هو شخص عادي أحيانا لا يتعدى سنه 16 أو 18 سنة، مستواه التعليمي في أغلب الأحيان متوسط، فبعد أن يترك الشاب مقاعد الدراسة لا يجد أين يلجأ وكيف يعيش في وسط ارتفعت فيه القدرة الشرائية، ومهنة القابض ليست في متناول الجميع، بل الذي يتحصل على هذه الوظيفة تكون له وساطة أو كما يقال ''معريفة'' لدى صاحب الحافلة أو الشركة الخاصة، وغير ذلك لا يمكنه أن يدخل إلى هذا المجال، حيث أكد القابضون أنه لهم علاقة قرابة مع صاحب المؤسسة التي يعملون فيها الآن، حيث أوضح أحدهم أنه بعد ترك الدراسة في السنة الثانية من التعليم المتوسط لم يجد أي مكان يشتغل فيه بمستواه هذا، وبحكم علاقة القرابة تم قبوله للعمل كقابض في الحافلة منذ سنتين· لا لباسا خاصا بهم ولا بطاقة مهنية معترف بها·· المهم العمل فقط وجلب المال وإذا كانت مؤسسة النقل العمومي قد خصصت لقابضي حافلاتها هنداما خاصا بهم، تعرفهم مباشرة دون أي عناء، فإن الناقلين الخواص لم يقوموا بهذا الأمر، حيث أن معظم القابضين لا يمكن للمواطن أن يفرق بين الراكب العادي والقابض، وهو ما أكده العديد من المواطنين، حيث أوضحوا أنه في العديد من الأحيان يبحثون عن القابض وسط الشباب الراكب في الحافلة، دون أن يتعرفوا عليه، بحكم أنه لا شيء يفرقه عن باقي المواطنين. وحبذ الأشخاص الذين التقيناهم أن يكون للقابض لباس خاص مثلما هو عليه في مؤسسة النقل العمومي، لكن -حسب بعض قابضي الحافلات- هذا غير ممكن، مؤكدين بأن هذا الأمر سيزيد من تكاليف صاحب المؤسسة، وبالتالي فأغلبهم يرفضون القيام بهذا الأمر، إضافة إلى ذلك حاولنا معرفة إن كان للقابض بطاقة مهنية، أكد معظم الذين التقيناهم أنهم يمتلكونها، إلا أنهم يضعونها عند المراقبة فقط وعند حواجز الشرطة. وعند استفسارنا من قدمها لهم، أكدوا أن كل واحد يتكفل بطبع البطاقة المهنية على حسابه الخاص، ولا تقوم المؤسسة التابع لها إلا بالمصادقة عليها· لا نريد التأمين وإنما الزيادة في أجورنا فقط وحول تأمين قابضي الحافلات، أكد معظمهم أنهم غير مؤمّنين، ولا يريدون أن يؤمّنوا، حيث قال أحد القابضين إنه يعمل منذ أربع سنوات في الشركة خاصة للنقل الحضري، ولحد الآن لم يؤمّن، وأضاف قائلا: ''صاحب الشركة قال لنا إما أن أؤمنكم وأنقص من راتبكم، أو تبقوا على ما هو عليه الحال دون تأمين، وراتبكم مرفوع، ففضّلنا أن لا يتم تأميننا، ويكون أجرنا مرتفع أحسن''. وإضافة إلى المتاعب والمخاطر التي يواجهها يوميا قابضو الحافلات، فإنهم محرومون أيضا من بطاقة الضمان الاجتماعي وغير معترف بهم لدى الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء، وأكدت شهادات الجميع في حديثهم أن الدخل اليومي قبل الالتفات إلى المستقبل. وأوضح أحد مسؤولي مؤسسة النقل الخاص أن رفض غالبية القابضين التصريح بهم لدى صناديق التأمين مقابل خصم جزء من الدخل اليومي مهما كان ''أن مستخدميهم من قابضين وحتى سائقين يصرون على إبقاء مستحقاتهم المالية اليومية دون الإنقاص منها ولا يبالون بعدم التصريح بهم، ناهيك عن المصاريف التي ''تذهب للجيب خلسة''، إضافة إلى اعتماد القابض على تناول وجبات الغداء وارتياد المقاهي وحتى ''الفليكسي'' من حصيلة الحافلة، ولهذا فالناقل يتكبد يوميا أعباء مرهقة لا تمكنه حتى من تأمين نفسه أمام التراجع الفظيع في العائد المادي· 1200 دج للقابض و1800 دج للسائق في اليوم حقيقة، مهنة القابض صعبة، خصوصا وأنه تمتد لأزيد من عشر ساعات في اليوم، إلا أن راتبه يبقى متوسطا، وهو السبب الذي يدفعهم إلى رفض تأمينهم، حيث صرح العديد من القابضين أنهم يتلقون مبلغ 1200 دينار جزائري لليوم مقابل 12 ساعة عمل متواصل، أي بمعدل 36000 دينار شهريا، هذا المبلغ أكد العديد من القابضين أنه لا يغطي نسبة التعب والمشاكل التي يواجهونها، إضافة إلى ذلك فإن سائق الحافلة هو الآخر يتلقى مبلغ 1800 دينار لليوم مقابل 12 ساعة عمل أي من الساعة السادسة صباحا إلى غاية السابعة مساء، وأجمع العديد من القابضين أنهم لا يطالبون بتأمينهم وإنما بالزيادة في الراتب فقط· إرضاء الناس غاية لا تدرك عند قابض الحافلة وعند تساؤلنا عن كيفية تعامل المواطنين مع القابض، أكد أحد القابضين أن هناك نوعا من الركاب من يريد أن يصل إلى المكان الذي يريده أو التوقف في مكان مهما كان الأمر ولا يبالي بالعقوبات التي تنجر عن ذلك، هي من بين التصرفات التي يعاني منها القابضون باعتبارهم أكثر احتكاكا بالركاب أكثر من السائقين، وغيرها من تصرفات الركاب، وعدم احترامهم للقابضين -حسب تصريحات البعض- وقد أكد اأحد القابضين قائلا: ''إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك، فالكل يريد ما يساعده دون النظر للآخرين''· وللمواطن رأي آخر على ''الروسوفور'' من جهته، المواطن أو الراكب لديه هو الآخر رأي آخر في قابض الحافلة أو ما يعرف ب ''الروسوفور''، حيث أوضح أحد المواطنين أن قابضي الحافلة نوعان، فالنوع الأول هو من يحترم ركابه، يساعدهم في الوصول إلى المكان الذي يقصدونه، يتعامل معهم باحترام. أما النوع الثاني -حسب المتحدث ذاته- هم من يظنون أن الحافلة ملكهم يتحكمون في كل كبيرة وصغيرة، حيث أرادوا يتوقف، وأحيانا لا يهتمون بمصالح الركاب، ولا يحترمهم، حيث أكد قائلا أحد القابضين أنه في إحدى المرات حدث شجار داخل الحافلة وعند طلب الركاب من القابض التدخل، قال حسب المتحدث ''لا دخل لي في تلك الأفعال وأنا غير مسؤول ومهمتي تنتهي في بيع التذاكر وفقط، ولست حارسا شخصيا على أحد، ومن لا يحتمل هذه التصرفات فليُقل سيارة أجرة أو يشغّل سائقا شخصيا، لهذا أنا لا أستطيع أن أشغل وظيفتين وآخذ أجرة وظيفة واحدة''، وقال أحد الركاب يجب إنشاء شهادة لمهنة قابض يتعلم أثناء تربصه أخلاقيات المهنة، ليعلم أن الهندام النقي واجب ونظافة البدن واللسان كذلك وترتيب المسافرين... وغيرها·