لا يكاد فصل الصيف يخلو من الحديث عن آخر صيحات الموضة التي يتزايد تهافت الشباب عليها، ولعل موضة هذه السنة التي لم تجد لها منافسا سواء بالشواطئ أو الحفلات، تتعلق بتلك الرسوم التي تغطي جزءا من أجساد الشباب المهووس بالموضة، والحال أنه لا فرق بين فتاة أو صبي، الكل ركب موجة ''التاتواج'' بعد أن روج لها عدد كبير من نجوم السينما والغناء العالميين· في محاولة للوقوف على هذه الظاهرة الجديدة القديمة، كانت لنا زيارة لواحد من مراكز التجميل المعروف عنه التخصص في ''التاتو'' بالعاصمة· قد لا يدرك الشباب الراكض وراء الموضة بوضعه مجموعة من الرسوم على جسده أنه يعيد إحياء تقليد قديم عرفه الجزائريون منذ القدم، حيث أن عادة الرسم على الجسد انتشرت في الجزائر تماما مثلما انتشرت عبر مناطق عديدة من العالم، حيث عرف الانسان الوشم على الجسد في محاولة للفصل في الانتماء· فقد كان الوشم يوضع على أنه بطاقة تعريف، مثلما كان ولا زال يحدث في بعض المناطق بالجزائر، على غرار منطقة بني دوالة، التي يتم فيها رسم نقطتين بساق كل رجل منتمٍ لذات العرش· والواقع أن الرسوم التي كانت توضع على الجسد، سواء من طرف الرجال أو النساء لها دلالات محددة، كأن تضع المرأة المتزوجة رسوما مختلفة عن العازبة، مع ضرورة الإشارة إلى أن الوشم في التقليد الجزائري بمثابة الزينة، التي لا غنى عنها لا للمرأة ولا الرجل· والمثير أن مفهوم الرسم على الجسد لم يختلف كثيرا، حيث تعتبر الكثير من الفتيات أنه اكسسوار للزينة لا يختلف عن الماكياج في شيء، بل قد يفوقه أهمية، إذ يمكن أن يستعمل كوسيلة للتعبير، على الأقل هذا ما أكدته ''سارة''، شابة في العشرينيات من العمر كانت تضع على طول ذراعها كتابة بالصينية، تقول أنها حكمة نسخت معناها من الأنترنيت وطلبت من واضعة الحرقوس بإعادة ذات الرسم على ذراعها وصولا إلى الكتف· تؤكد لك أنه لا علاقة بالرسم الذي اختارته بذاك الذي تضعه النجمة الأمريكية أنجلينا جولي، فالمعنى ليس ذاته والفرق حسبها كبير، فهي تتقاسم معنى العبارة المرسومة على كتفها مع صديقها أو حبيبها، لا يكتمل معنى الحكمة الصينية إلا إذا تمت قراءتها على ذراعها وذراع حبيبها، هكذا أصبح الرسم على الجسد يجمع بين الأشخاص ويوثق للعلاقات· لم أمنع نفسي من سؤال ''سارة'' عن رد فعل عائلتها لوضعها مثل هذا الرسم، سيما وأنه ليس من النوع الذي يمكنك التغاضي عنه أو عدم ملاحظته، وقد كان في ردها الكثير من التحدي الذي يطبع هذا السن ''هذا جسدي وأنا حرة في وضع ما أرغب فيه، ثم إنه ذكرى من السفر إلى تونس سرعان ما يزول بمجرد انتهاء فصل الصيف''· لم يكن الوشم على ذراعها من النوع المستدام غير المرغوب فيه لدى الأوساط العائلية· يجدر الذكر أن الوشم غير مرغوب فيه في الأوساط العائلية في المدن الجزائرية الكبرى، على عكس العديد من الولايات الداخلية، وقد ساهم تراجع الوشم في العقود الأخيرة في تشكيل نظرة عامة لدى الرأي العام الجزائري، حيث ينظر إليه في المخيال الجماعي في الوقت الراهن بكثير من التناقض، على اعتبار أنه جزء من التراث القديم الذي ما يزال كثير من كبار السن يحملونه على أجسادهم، وفي الجهة المقابلة في حال وضعه من طرف الشباب فينظر له على أنه تقليد أعمى للغرب· في هذا السياق كان لا بد من معرفة الفروق بين الوشم التقليدي والعصري الذي يصبو له الشباب، وقد ساعدتنا في الإجابة على هذا التساؤل خبيرة التجميل، الإيرانية الأصل، ''هندة زاد'' التي اكتسبت شهرة كبيرة لإتقانها الرسوم وبشكل صحي· تشير الخبيرة إلى أن الفرق الأساسي يكمن في المواد والألوان المستعملة، حيث أن الوشوم التقليدية كانت تعتمد على مواد طبيعية مستخرجة من الطبيعة بشكل يدوي، على غرار الحنة، الكحل وأنواع من الصبغات الحيوانية، مع العلم أن الأدوات الخاصة بشق جلدة الجسم بدائية ومضرة في غالب الأحيان، على عكس ما يستعمل اليوم من مواد كيميائية غير مضرة بالصحة وأدوات معقمة لا تشكل أي خطر على الصحة، ومع أن خبيرة التجميل ''هندة زاد'' متحصلة على تكوين شبه طبي لوضع الوشوم التقليدية وفقا للتقنيات الحديثة، إلا أنها لا تمارس هذا النوع من الوشم في الجزائر، على اعتبار أنه غير مسموح به ولا توجد التراخيص اللازمة وإن كان السبب الرئيس يعود لعدم اقبال الزبائن على هذا النوع من الوشم المستدام، على عكس الوشم الزائل الذي يلقى إقبالا منقطع النظير، سيما من طرف الشباب في موسم الصيف· وبالفعل فقد لمسنا هذا الإقبال في الصالون الذي تديره بالشراقة بالعاصمة، حيث وجدنا عددا لا بأس به من الزبائن في قاعة الانتظار، مع أن الساعة لم تكن تتجاوز العاشرة صباحا، أول ما يلفت النظر في الصالون أنه لا يشبه في شيء صالونات التجميل وقاعات الحلاقة التي تعودنا عليها في العاصمة، فصالون ''هندة زاد'' أقرب لعيادة طبية في ديكورها والهدوء الذي يخيم عليها، أكثر من ذلك أنه بعد لحظات ندرك أنها تنتهج أساليب الأطباء، فهي لا تقبل الزبائن إلا عن طريق المواعيد· الأكثر إثارة أن مواعيدها محجوزة لمدة أسبوعين، بالتالي لم يكن من السهل الحصول على بضعة دقائق لمجرد الدردشة معها، حتى أن الحديث عن الترويج للصالون لم يجد نفعا، على اعتبار أنها تنشط في العاصمة منذ أكثر من أربع سنوات ولها قائمة من الزبونات الدائمات وليست في حاجة للإشهار· كانت وساطة الأصدقاء المشتركين الحل للحصول على تفاصيل هذه المهنة وأسعار الوشم التي تلقى رواجا بين الشباب، في انتظار ذلك كان لنا حديث مع بعض الشابات في قاعة الانتظار· كان واضحا أن كل اللاتي يجلسن في القاعة من الميسورات ماديا، فقد كانت كل واحدة تحمل بكثير من التباهي الهواتف المحمولة ومفاتيح السيارات، كلهن اجتمعوا من أجل الجمال، ''نبيلة'' التي كانت تجلس بمحاذاتي لم تكن تتجاوز الثلاثين، تعمل إطارا في مؤسسة أجنبية بالجزائر، تقول أنها تعرفت على ''هندة زاد'' عبر واحدة من قريباتها اللاتي تعرفت عليها بدورها في باريس وأنها بعد المحاولة الأولى منذ حوالي سنتين لم تعد قادرة على الإستغناء عن ''التاتو'' في فصل الصيف: ''في وقت سابق كنت أذهب لتونس لوضع الحرقوس على الطريقة التونسية التي كانت تعجبني، غير أنه بعد تجريب الوشم في هذا الصالون لم أعد أرغب في غيره، فهو يدوم فترات أطول وبذات الجودة في الألوان والدقة في الرسومات''· هي التفاصيل الدقيقة التي باتت تجلب الشابات لهذا المحل، حيث تؤكد مساعدة خبيرة التجميل أن معظم العرائس يأتين من أجل التمشيط والأهم الماكياج المستدام، على اعتبار أنها تضع نوعا من الماكياج الذي يدوم قرابة ثلاثة أشهر، وهو ما تحتاجه العروس لتستفيق وهي في أبهى حلتها· وقد حدثتنا ''ناريمان''، المساعدة عن بعض أسعار الأوشام الأكثر رواجا، مشيرة إلى أن الخان في الوجه يقدر بحوالي 300 دينار كأدنى سعر، مع العلم أنه يدوم أكثر من ثلاثة أشهر، في حين أن بقية الرسوم فتختلف على حسب حجم الرسم ونوعية المواد المستعملة والتقنيات· بعد فترة من الانتظار في القاعة والمشاركة في بعض الأحاديث الهامشية مع المتواجدات، أدركت أن غالبيتهن يرغبن في وضع الأوشام تحسبا لحضور الحفلات والأعراس واستعراض جمال هذه الرسومات على الشواطئ· أخيرا كان اللقاء مع المعنية خبيرة التجميل ووضع الأوشام السيدة هندة زاد، التي تتحدث الفرنسية بلهجة باريسية متقنة، أكدت أن صالونها في السنوات الأربع الأخيرة شهد إقبالا كبيرا على الوشم العصري بسبب التلفزيون والنجوم الذين يتنافسون في وضعه· وقد شرحت الفرق بين الوشم المستعمل في الغرب الذي ذكرت أنه محرم في الدين الإسلامي على اعتبار أنه تشويه لخلق الله، في حين أن ما تقوم به لا يعدو يكون رسما فوق الطبقة العليا للجلد· في هذا السياق تقول: ''في الغرب يقومون بالرسم على الجسم من خلال إحداث حفر وشقوق في الجلد، توضع بعدها الألوان والصبغات المرغوب فيها بالطبقات الداخلية للجلد، وهو أمر بمثابة عملية جراحية، يشترط فيها الحرص لأنه قد يصيب الفرد بأعراض صحية خطيرة، في حين أن ما نقوم به في الصالون هو استعمال صبغات تبقى في اطار الطبقات العليا للجلد بمعدات تختلف عن اللايزر العصري، نحن نرسم بمعدات وبتركيبات كيميائية معينة تحدد فترة بقاء الرسم من شهر إلى سنة ونصف''· في هذا المقام لا بد من الإشارة إلى أن هذه التقنية تختلف تماما عما هو معروف عندنا وتقنية ''الحرقوس'' التونسي أو الرسم بالحنة الذي لقي هو الآخر رواجا في الفترة الأخيرة، حيث بات الجميع يتفنن في وضع رسومات غاية في الإبداع· وقد أكدت السيدة ''هندة زاد'' أن الإقبال على صالونها لم يعد يقتصر على الشابات الراغبات في إضافات لمسات جمالية وإنما بات يشمل عددا من الشباب الذي يسعى لوضع رسوم على جسده ''لم يعد الإقبال أنثويا فحسب، عدد من زبائن الصالون شباب يرغب في رسم أشكال خاصة على الجسم''· تؤكد خبيرة التجميل أن ارتفاع الأسعار مرتبط بجودة وصحية المواد المستعملة، وهو ما يفسر اقتصار هذا النوع من الوشم على المرفهين ماديا، أما البقية فيمكنها استعمال الحرقوس· وبالحديث عن الأسعار لا بأس من التذكير أن سعر ماكياج مستدام للفم والعين يدوم قرابة ثلاثة أشهر يفوق سعره مليون سنتيم، وهو سعر بعض الأوشام الصعبة التي يشترط أصحابها وضع أشكال معينة دون غيرها، ومع أن الأسعار ليست في متناول الجميع إلا أن الإقبال الواسع يؤكد أن الجمال لا يقدر بثمن، وهو ما تشير إليه الأعداد المتزايدة من صالونات التجميل التي تقترح خدمة الوشم في العاصمة، فهل هي عودة للتراث أم مجرد تقليد· من وجهة نظر السيدة بركانسعيدة، طبيبة عامة ''الأمر لا يتجاوز موضة عابرة، كل نجوم هوليود وضعوا مثل هذه الأوشام، فتجد الشباب والمراهقين يتهافتون على وضعه، مع العلم أنه قبل سنوات قليلة كانوا يعتبرون كل من يضعه خارجا عن الحضارة وبدائيا، في اعتقادي لا بد من الحرص على عدم الاضرار بالصحة أكثر بدلا من الحديث عن كونها تقليد أو عودة للتراث، لا بد من الإدراك أنها تقنية لا يتحكم فيها إلا من تلقى تكوينا وإلا كانت التأثيرات على الجلد، ففي نهاية الأمر هي مواد كيميائية تدخل الجسم ولا بد من تأثيرات''·