يلهث الشباب في أيامنا هذه خلف الموضة التي صرفت اهتمامه عن أشياء كثيرة تم عبرها اختراق كل الأعراف والتقاليد فتجد الفتاة تلبس لباساً غريبا باسم الموضة، وآخرون يمزقون ثيابهم لأجل أن يصنفوا في خانة أصحاب الذوق الرفيع، شباب هنا وهناك، منهم من وضع تسريحة للشعر تثير اشمئزاز الآخرين واستحسان البعض، مظاهر شتى والدوافع متعددة والخاسر الوحيد هم الشباب الذين انساقوا خلف التقليد. زكريا شاب يبلغ من العمر عشرين سنة قصة شعره وطريقة تسريحه غريبة جدا أما ملابسه فقد كان بها مزيج من الألوان الأنثوية الصارخة، وجدناه داخل أحد المحلات المتخصصة في بيع الملابس بالجزائر العاصمة، سألناه عن رأيه في الموضة فرد قائلا ''أنا أتبع الموضة، وألبس ما يريحني.. في السابق كانت المرأة في المجتمع هي التي تساير الموضة أكثر من الرجل أما اليوم فكثير من الشباب يعبر عن ما يريد وما يرغب فيه بطريقته الخاصة''. الكثير من الناس يرجعون سبب تهافت الشباب والمراهقين على جديد الموضة إلى القنوات الفضائية الغربية والعربية على السواء، حيث نجد خليطاً من تقاليد البلدان تتجسد في لباس وتسريحات شبابنا، أما الرجال، فقليل منهم من يتبع الموضة في اللباس، لكن هناك موضة لا يتحملها الرجل الحقيقي، كاللباس الضيق والشعر الطويل وهذا ما أكدته خديجة، طالبة جامعية حيث ترى أنه من الضروري تتبع الموضة ''فتتبع الموضة في بعض الأحيان يجعلك تشعر أنك تعيش في هذا العصر لكن ينبغي ألا تؤخذ كلها ويجب انتقاء ما يناسب عاداتنا وتقاليدنا''. وتضيف إذا اتبعنا طريق الموضة التي نراها في شاشات التلفزيون سنخرج كثيرا عن المألوف فبالنسبة لي، أنا أختار من اللباس ما يناسبني، ولا يمكن أن ألبس لباساً أقل ما يقال عنه إنه غير محترم أو يظهر أكثر مما يخفي. تقليد نجوم الفن والرياضة يسارع الكثير من الشباب إلى تقليد نجومهم المفضلين الذين لا يتأخرون عن تغيير مظهرهم كل مرة مثل نجوم كرة القدم أو الفنانين، حيث يجد الشباب سعادة فائقة في اقتناء ما يرتديه هؤلاء حتى وإن كان مقلدا المهم أنه يشبه ما يرتديه النجم الفلاني. تعبر فتيحة طالبة جامعية عن رأيها في اتباع الرجل للموضة، حيث تعتبر ذلك خروجاً عن المنطق السليم، لدرجة أنها تنظر إلى الذين يلهثون وراء الموضة من الرجال نظرة دونية وتقول، ''أحتقر الرجال الذين يتشبهون بالنساء، مثلاً تجد شابا بشعر طويل وسروال ضيقً وقميص ضيق، وهؤلاء في نظري فاقدون لمعاني الرجولة التي تتجلى في الخشونة وطبيعة الرجل تقتضي منه لباساً محترماً''. وتضيف قائلة ا''لرجل الذي يطيل الشعر ويلبس اللباس الضيق، أعتبره مثل المرأة ولا قيمة له في المجتمع مادام ينساق نحو تقليد لا تقبله الفطرة السليمة''. سمية من الشابات اللاتي يتبعن طريق الموضة، تستقي ذلك من بعض المجلات والقنوات الفضائية، ولا تهمها أعراف المجتمع، لها عالم خاص بها، تقول سمية ''يعجبني عالم الموضة، أختار ذلك من بعض المجلات التي تزودني بها صديقتي ولا يهمني المجتمع ورأيه''، أما فاتح ذو الشعر الطويل الأسود، الذي يوحي أنه قادم من أدغال إفريقيا، فيلبس سروالاً قصيراً رفض الحديث مكتفياً بقوله ''أنا رجل ومن حقي أن أفعل أي شيء ولا يهمني أي أحد، المرأة هي التي ينبغي ألا تلتزم بالموضة، أما الأستاذ جمال فيجيب عن انتشار موجة الموضة قائلاً، ''ما تذيعه القنوات الفضائية مختلف كلية عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، سواء للفتيات أو الشباب، والتربية هي الحصن الوحيد لدرء انفلات الشباب، الذي أصبح فكره خالياً من القيم السامية التي جاء بها الشرع الحنيف، فينبغي أن ينتبه المدرسون والمسؤولون داخل المؤسسات التعليمية وذلك بتوجيه الشباب التوجيه الصحيح، والقيام بدور التربية الذي أصبح مفقوداً داخل المؤسسات''. الموضة تخلق مجتمعاً استهلاكياً أما الأستاذة غنية عبيب أخصائية نفسانية فترى أن الموضة غزو ثقافي يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي لشعوب العالم، بل إن هذه الشعوب نفسها وأمام إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي الغربي، تعمد إلى اتباع هذه الموضة رغبة منها في التعويض والإشباع وتلعب التنشئة الاجتماعية دوراً أساسياً في هذا الأمر، إذ نجد أن بعض الأسر تتسابق إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق، ليس من الألبسة فقط، وإنما من الفرش والأواني أيضاً، ويكتسب الأبناء هذه السلوكيات، فيتنافسون مع أقرانهم في الحصول على الإعجاب، وفي شراء منتجات تحمل رموز دور وشركات غربية، وانتقل داء الموضة حتى إلى حجاب المرأة، فأصبحنا نجد المحلات التجارية غارقة بألبسة للمحجبات لا تتوفر فيها في كثير من الأحيان شروط الزي الإسلامي. والملاحظ إن اتباع الموضة يخلق مجتمعاً استهلاكياً تستنزف أمواله، وتحطم معنوياته، لأن الزينة والجديد تصبح همه الأساسي والوحيد، فيستغرق فيها وينسى بذلك حاجياته وأهدافه الحقيقية التي كان من المفروض أن تأخذ حيزا كبيرا من اهتماماته.