يستمر الجدل بخصوص عمليات ترحيل الغجر الرومانيين والبلغاريين نحو بلدانهم، على اعتبار أن الكثيرين عبر العالم باتوا يعتبرونها وصمة عار في تاريخ بلد ''الحرية، العدالة والمساواة''· مع كل يوم يمر يكتشف الفرنسيون ومعهم العالم معلومات جديدة حول هذا الموضوع، على اعتبار أن المواقف المنددة والمستنكرة لقرار الرئيس نيكولا ساركوزي بوضع حد لهجرة الغجر نحو فرنسا· المثير أنه في سياق التنديد العارم، يذهب الملاحظ العادي للاعتقاد أنها سابقة لم تعرفها فرنسا من قبل وأن ساركوزي وحاشيته الوزارية، أول حكومة تتجرأ على ضرب مبادئ حقوق الانسان عرض الحائط· يبدو أن الكثيرين تناسوا ما تعرض له المهاجرون القادمون من القارة السمراء منذ مطلع عشرية التسعينيات، إذ تعرضوا لأسوأ أنواع المعاملات قبل أن يضطروا للعودة لمسقط رأسهم، ثم هناك الجاليات القادمة من دول فقيرة والتي تعرف هي الأخرى معاملة لا ترقى لمعاملة من يفترض فيه حمل صفة المواطنة· هذه الأحداث تكاد تؤكد الطبيعة الاقصائية للفرنسيين، سيما وأن الصحافة المكتوبة مؤسسات سبر الآراء تكشف كل يوم عن نسب مساندة الفرنسيين لقرار الترحيل، مثلما جاء في جريدة ''لوفيغارو''، التي أشارت في إحصاءها أن % 65 من الفرنسيين يساندون قرار ترحيل الغجر· في حين أن جريدة '' لوباريزيان'' أوردت في إحصائها أن % 48 من الفرنسيين يساندون الترحيل، الواضح أن الفرق كبير، لدرجة من شأنها أن تحدد طبيعة المجتمع الفرنسي إن كان عنصريا أم منفتحا يقبل الاختلاف والفروقات· وقد يكون من المفيد الحديث عن اختلاف النسب بين اثنين من أكبر الجرائد اليومية في فرنسا من خلال معرفة مضمون الأسئلة المطروحة في كلا الإحصاءين· جاء سؤال جريدة ''لوفيغارو'' بشكل مختصر كالآتي: هل توافقون قرار الحكومة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين؟، في حين أن سؤال جريدة ''لوباريزيان'': هل توافقون على ترحيل الغجر الرومانيين والبلغاريين؟ ويتضح من كلا السؤالين أن الفرق في استعمال كلمة ''مهاجرين غير شرعيين''، وهي مغالطة كبيرة وتضليل من طرف الجريدة، على اعتبار أن الغجر الرومانيين والبلغاريين أو ما يعرف بالروم، ليسوا مهاجرين غير شرعيين وإنما مواطنين أوروبيين، الأمر الذي يخول لهم حرية التنقل والإقامة في أي دولة أوروبية، الأمر الذي تتغاضى عنه فرنسا لا لشيء إلا لكونهم مختلفين ثقافيا عنها· ولا مانع بالنسبة لساركوزي ومن يسير في فلكه أن ينعت شعبا كاملا باللصوصية وعدم القدرة على الالتزام بالقانون وكأن الأمر يتعلق بجينات التحضر والتخلف، أمر يذكرنا بالأنظمة الاستبدادية التي تختصر الشعوب في مجموعة من الصفات بغية تصفيتها وعزلها· فهل ينجح ساركوزي في تحويل فرنسا والفرنسيين لبلد يناهض مبادئ كانت أساس دخوله العالم المتحضر·