كنت ذاهبا إلى طرطوس حيث دعتني صديقتي الشاعرة راشا عمران، بينما كان الروائي أمين الزاوي متوجها نحو السويداء ليحضر فعاليات مهرجان الإبداع باعتباره كان عضوا في لجنة تحكيم مسابقة الرواية·· وفي الطائرة تجاذبنا أطراف الحديث عن الأيام التي كنت بصدد إعدادها الخاصة بسهرات ليالي نيوز، ولست أدري كيف انجذبنا نحو الكاتب والباحث الراحل عمار بلحسن·· فكلانا عرفه وقرأ له، وتألم لغيابه المبكر·· وكان أمين الزاوي رفيق دربه بالجامعة وفي مغامرة الكتابة أثناء فترة السبعينيات·· كان يعرفه أكثر مني، وقال لي، إنها لفكرة أن يكرّم هذا الرجل الذي منح الكثير من حياته وعمره للكتابة، ثم رحل ولم يعد يتذكره أحد·· وتبلورت الفكرة شيئا فشيئا، وتحولت إلى سلوك وفعل، بحيث رحب الروائي أمين الزاوي أن يكون المنشط لأمسية رمضانية حول حياة عمار بلحسن··· والبارحة شعرت أن روحه كانت سعيدة ومبتهجة عندما أتى ذلك الحضور الجميل من مثقفين وأدباء وجامعيين وإعلاميين·· حدثنا أمين الزاوي بحب ودفء عن عمار بلحسن الذي عرفه أديبا، ومفكرا وإعلاميا وإنسانا·· قادنا إلى محطات حميمة لم نكن نعرفها، فحدثنا عن شعريته في الكتابة القصصية وتميزه واعتبره زكريا شاعر الجزائر، ثم كشف عن جانبه الفكري وهوسه بالتأصيل لسوسيولوجيا الرواية بالجزائر·· ثم حدثنا عن عصاميته التي كنت أجهلها ورغبته العنيدة في امتلاك اللغة الفرنسية·· وهنا عقد أمين الزاوي مقارنة جميلة ورائعة بين مثقفين من طراز رفيع، وكلاهما غادرانا إلى العالم الآخر، وهما عمار بلحسن أصيل مسيردة الذي كان يريد أن يتمكن من الثقافة واللغة الفرنسية متنقلا من العربية والشاعر يوسف سبتي الذي فقدناه في ظروف تراجيدية في التسعينيات، هذا المثقف الفرنكفوني الذي سعى إلى تعريب نفسه وكان يرى أنه لا يكون مثقفا حقيقيا إلا إذا امتلك أسرار اللغة العربية·· أثارت مداخلة أمين الزاوي نقاشا غنيا وسخيا، ولم ننته من النقاش إلا عندما أشارت الساعة إلى منتصف الليل والنصف·· 2 جلست مع أمين الزاوي والشاعرة ربيعة جلطي والباحث في علم الإجتماع ناصر جابي والباحث الجزائري المقيم في قطر عبد القادر لطرش في مكتبي إلى غاية الساعة الواحدة والنصف، تحدثنا أثناء ذلك عن البحث السوسيولوجي في العالم العربي وقضايا الشبكات ومستقبلها في تطوير الحوار بين المثقفين والباحثين العرب·· ثم انتقلت رفقة ضيفي عبد القادر لطرش إلى مطعم خيمتنا حيث تناولنا المزيد من الشاي وقلب اللوز·· عندما دخلنا المنزل كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا، تناولنا السحور ثم استغرقنا في الحديث عن التوجهات الجديدة للنشاط الإرهابي المنتظم تحت لابل القاعدة··· وبعد الإمساك بقليل توجهت نحو غرفة النوم واستسلمت لنوم قصير لكنه كان عميقا··