من محاسن الصدف ربما أن يتزامن انهزام الفريق القومي التركي لكرة السلة في بطولة العالم أمام المنتخب الأمريكي مع نتائج استفتاء تعديل الدستور· انتصار جديد حققه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحزبه ''العدالة والتنمية'' الذي لم يخسر أيا من الانتخابات منذ ,2002 عبر الاستفتاء على تعديل الدستور الذي وافق عليه 58 بالمائة من المقترعين· تعديلات من شأنها تقليم شوكة العسكر والمعارضة العلمانية التي حاولت منذ 30 سنة الانقلاب على الإسلاميين· الاستفتاء على تعديل الدستور الذي وافق عليه الأتراك، بمن فيهم الأكراد، تضمن تعديل 26 مادة في الدستور، أهمها تلك التي تحد من صلاحيات القضاء العسكري وإمكانية متابعة العسكر في المحاكم المدنية، كما ينص على تعديل بنية هيئتين قضائيتين هما المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء الذي يعين القضاة والمدعين، وهما معقلا التيار العلماني وخصوم الحكومة منذ أمد طويل· بالإضافة إلى ذلك، تنص التعديلات كذلك على منح الموظفين حقوقا جديدة وحماية المساواة بين المرأة والرجل، وإخضاع حل الأحزاب السياسية لسلطة البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية· وتعتبر المعارضة أن تركيا ستفقد بهذه التعديلات قيمها الجمهورية واتهمت الحكومة باستغلال الذكرى الأليمة لانقلاب 1980 العسكري، في موقف ''متعطش إلى الانتقام'' من الجيش الذي أمسى في قفص الاتهام في تركيا، إذ يلاحق عشرات العسكريين قضائيا بتهمة التآمر على النظام· وسوف تجد هذه المعارضة العلمانية نفسها منعزلة وهي التي كانت تراهن على موقف الغرب الحذر من الحكومة التركية القائمة، خاصة من لدن الاتحاد الأوروبي الذي تعمل أنقرة على الانضمام له، خاصة بعد أن رحبت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بهذه النتائج، حيث أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمشاركة المرتفعة في هذا الاستفتاء وأقر بحيوية الديمقراطية التركية التي تعكسها المشاركة في الاستفتاء· كما اعتبرت المفوضية الأوروبية موافقة الأتراك على تعديل دستوري ''خطوة في الاتجاه الصحيح''، وأن نتيجة الاستفتاء ''تظهر مواصلة المواطنين الأتراك التزامهم بالإصلاحات، في سبيل زيادة حقوقهم وحرياتهم''، مشيرة إلى أن الاستفتاء ''يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، في إطار جهود تركيا للإيفاء بالمعايير اللازمة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي''· وكانت المعارضة العلمانية متيقنة من أن تعديل الدستور سيؤدي إلى دخول مقربين من حزب العدالة والتنمية هذين الهيئتين القضائيتين، مما سيمكنه من توفير سيطرة أكبر على السلطة القضائية قبل الانتخابات النيابية. ولعل هذا الوضع الذي آلت إليه المعارضة هو الذي جعل رئيس الوزراء التركي يقول بكل ثقة بأن ''مؤيدي الانقلابات العسكرية هزموا في هذا الاستحقاق السياسي''· وتعد هذه النتيجة نجاحا كبيرا ومؤشرا هاما لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية قبل الانتخابات النيابية المقررة العام المقبل· ومن المتوقع أن يمضي طيب أردوغان في إصلاحات أخرى، وليس بعيدا أن يعيد الكرّة مرة أخرى مشروع إلغاء منع ارتداء الحجاب في الجامعات الذي رفضته المحاكم من قبل·