لم أستطع الكتابة أمس.. كنت حزينا ومستاء ومشوش الذهن·· كان وقع رحيل محمد أركون قويا في نفسي، خاصة وأنه غادر هذا العالم ولم يتلفت له وطنه، وهو ما هو عليه من تأثير رمزي في العالم ككل·· ومما زاد في استيائي حادثة اغتصاب واغتيال الطفلة الجزائرية سارة الخطيب، وهي في ربيعها الرابع عشر·· سارة البريئة تم اغتيالها بذلك الشكل البشع في مكة أقدس مكان إسلامي·· إنتقل محمد أركون وسارة الخطيب إلى العالم الآخر في اليوم ذاته إن لم يكن في الساعة ذاتها·· هاتان الفاجعتان لهما رمزيا دلالات عدة·· عاش أركون طيلة حياته يحارب الجهل المقدس ويعمل على تفكيك البنيات التقليدية للعقل الإسلامي لتكسير السياج الدوغمائي الذي أعاق هذا العقل لدخول عالم الأنوار·· كان ديدن محمد أركون هو نزع صفة المقدس من هذا الفكر·· وتم اغتيال الطفلة سارة الخطيب مواطنة أركون في مكة التي نزل بها القرآن والتي تعتبر في نظر المسلمين أقدس مكان في الأرض·· تم تدنيس جسد سارة العفيفة الطاهرة وهي معتمرة في البقاع المقدسة·· لقد ماتت سارة بالجهل والحيوانية والإرهاب والحقارة التي يتسم بها هؤلاء الجناة·· الجريمة في حد ذاتها كبيرة من الكبائر بالمفهوم الفقهي·· بل إنها جريمة ضد الإنسانية·· وما حز في نفسي أنه بدلا من أن يأتي التصريح التنديدي، أو لست أدري كيف يسمى في العرف الدبلوماسي من وزارة الخارجية، جاء من وزارة غلام الله. مات محمد أركون وسارة الخطيب في يوم واحد بعيدا عن وطنهما·· الأول مات بالحسرة وبجرح لم يندمل بسبب نبذه من وطنه·· لقد اغتصب حقه في أن يكون فاعلا في وطنه، والثانية ماتت معتمرة في أطهر أرض الإسلام.· ماتت غيلة ومغتصبة في شبابها وحياتها·· وما عسانا أن نقول·· هنا تصبح الكلمات غير ذي جدوى.