··· ويواجه كل امرئ بحصيلة عمله ''فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ'' الزلزلة: ,8 ,7 ويلاحظ في هذه الرسالة الإلهية أمران· أولهما حساب الزمن: فقد وهبنا الله سبحانه عمرًا وجعل له خاتمة ونهاية، ولا ريب أن المؤمن الواعي يحس في أعماقه بأنه في سباق مع هذه النهاية، يحاول أن يسجل قبلها أكبر قدر من العمل النافع ''يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا'' آل عمران: .30 فموقف الإنسان يوم الحساب مرتبط بالزمن، فهو يحب أن يقرب الله منه ما عمل من خير، وأن يجعل بينه وبين السوء أمدًا بعيدًا· وثانيهما: إن الرسالة الإلهية تجعل من أعمال الخير التي طلبها الله من عباده، كالصلاة والإنفاق رصيدًا مدخرًا، ينفع صاحبه يوم الحساب، وهو يوم لا بيع فيه ولا خلال، وإنما تدور حركته على الجزاء المؤدي لكل من قدم عملاً صالحًا، أو اقترف عملاً سيئًا استوجب غضب الله عليه· إن الدقائق والثواني أعمار الأمم، وفي حياة الأفراد لها حساب، فالساعات الطوال ليست في حقيقتها سوى دقائق وثوان، وضياع الثواني هو في حقيقته ضياع لتلك الساعات التي ينقضي بمرورها عمر الإنسان، وينتهي بها كفاحه من أجل الحياة· والواقع أن الثروة التي يجمعها أي إنسان مكافح ليست سوى كمية من الزمن تحولت إلى مال، وكان من الممكن أن تضيع في النوم والكسل، أو إلى شخير ينطلق من صدر نائم خامل، أو شهوة خاطفة تمضي وتخلف لصاحبها حسرة العمر على الضياع والغفلة، والوقت الضائع، والطاقة المبددة كم من الأيام والسنين تضيع في حياة هذه الأمة؟ على حين يسهر أعداؤنا ويكدحون في كل دقيقة، بل في كل ثانية من أجل تحصيل أسباب القوة، ومن أجل فرض سيطرتهم على مصائر العرب والمسلمين· فنحن نضيع السنين ولا نحس بمرورها، وهم يحاسبون أنفسهم على الثواني مخافة أن تمضي دون إنتاج، لأن الزمن جزء من تفوقهم ونجاحهم، كما هو جزء من ضياعنا وفشلنا، ونحن المسلمون مأمورون أن نحافظ على الوقت وأن نعمل حساب المستقبل، لقد أمرنا بالصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، في أوقات معلومة، وشرع الله الآذان إعلانًا بحلول الوقت، وإيذانا ببدء تكليف جديد متجدد· كما جعل الإسلام من آدابه ألا يضيع وقت المؤمن في لغو الحديث، فلا وقت لدى المؤمن للغو، بل كل وقته للعمل الجاد المثمر ''وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ'' القصص: 55 . كذلك حدد الضوء وخط الظلام، وهو أمر بالغ الدقة في القياس فقال عز من قائل: ''وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ'' البقرة: .187 ونحن المسلمون مطالبون بأن نحول أوقاتنا إلى عمل صالح، وإلى إنتاج مثمر، يعود علينا وعلى أمتنا بالخير والتوفيق، ونحن على أبواب كفاح طويل، نحاول أن نؤكد به وجودنا في مواجهة قوى الشر والعدوان، ولا سلاح لنا إلا الوقت، الذي هو أمضى سلاح، نستطيع أن نحوله إلى مصانع، وإلى معامل، وإلى مصادر للقوة والثروة، ومخترعات نساير بها ركب الحضارة والمدنية وإلى سلاح نحارب به عدو الله وعدونا· مما سبق يتضح لنا قيمة الزمن، وأهمية الانتفاع بالوقت، وبهذا الحساب الدقيق ساد المسلمون الأوائل وشادوا، وأقاموا أحكام شريعتهم وأسسوا للدنيا حضارة شامخة دونها كل حضارة وبذلك يمكن أن ينطبق علينا قوله عز من قائل: ''كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ'' آل عمران: .110 ''والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر''·