بعد غياب طويل منذ ألبومه الأخير قال الحكيم: ''خرج الشاعر من صمته بعد تخلصه من عقدة الورقة البيضاء حاملا معه... ''ورقة بيضاء''، تلك التي طالما امتصت هواجسه، حزنه، فرحته وخصوصا حكمته، ها هو سائلها من خلال هذا العمل، يحاكمها، يحاكيها، يساميها ويتسامران معا. يقرئنا لونيس آيت منلات في البياض ما لا تراه العين المجردة، لكن عين أخرى تدرك وتنصت فيه... إنها عين الشاعر. يعد هذا الألبوم الجديد عملا غنائيا يحتفي بالكلمة العميقة والموزونة، ويتوج سلسلة من الأعمال السابقة التي لا تقل عنه أهمية. ومع ذلك فإن أهمية هذا العمل تكمن في الظروف التي جاء فيها، في وقت لا ينتظر الكثير ربما - إلا محبي المطرب والشاعر- إنجازا قويا في مستوى سمعة آيت منلات الفنية، ثم هناك كثير من يعتقد أن شمعة الشاعر انطفأت ولم يبق له سوى عبور مرحلة الهرم على أمجاد إنجازاته السابقة. يفاجئنا الفنان بعكس ذلك، أليس هو الذي زكاه الجمهور ب''الحكيم''؟ والحكيم في مرحلة هرمه هو أولى الناس ممن نحن بأمسّ الحاجة إلى سماعهم في زمن أضحت الكلمة مفرغة من كل معانيها ومغزاها، وأصبح المقال يستعمل في كل مقام ومقام، وراجت ثقافة بالقيل والقال'' في مجتمع كانت الكلمة والثقافة الشفوية من أهم مقوماته الثقافية. إنه الألبوم الذي يبعث على الطمأنينة نظرا لقيمته اللغوية والشعرية وللجوهر المعنوي والفني فيه. وكجميع أعماله السابقة، تبقى البصمة الشعرية في عمل الفنان طاغية على حساب العمل الموسيقي الذي يتسم هنا ببحث منمق وتوزيع موسيقي جديد ومرتب أشرف عليه نجله جعفر آيت منلات، الذي التزم بهذه الصيغة النمطية - أي الكلمة على حساب الموسيقى- مع أن البصمة الشابة أضفت نفسا حداثيا في العمل الجديد الذي يحوي سبع أغاني: ''ثوريقت تشبحانت'' ( ورقة بيضاء)، '' أمنوغ'' (الصراع)، بسرح اومان'' (اترك السيل في مجراه)، ''لبغي ن وول'' (رغبة القلب)، ''غاس ما نروح'' (حتى إذا رحلنا)، ''ثا قارا ن تزورث'' (نهاية البداية) و''لجواب دغ واضو'' (الجواب في الريح)، هذه الأخيرة أنجزها الفنان مقتبسة عن أغنية للمطرب العالمي بوب ديلان ''Blowing in the wind''. من ناحية التوزيع كذلك، راهن جعفر على فريق شاب في إخراج هذا الألبوم أقل ما يمكن القول عنهم، إنهم يتسمون بالاحترافية، بينهم سمير سبات الذي أشرف على إدارة الجوق، يوبا سيد على الآلات الوترية الكهربائية، نجيب قمورة على الباس وعباس آيت رزين على العود... وآخرون.