شاهدت صباح البارحة الندوة الصحفية التي نشطها المشرفون على موقع ويكيليكس في لندن، والتي شارك في تنشيطها صحافيون وحقوقيون وخبراء بالقانون الدولي، كما شاهدت استماتة أصحاب الموقع في الدفاع عن حقهم الطبيعي في إعلام المواطن الإنجليزي وفي كل العالم بحقيقة الحرب في العراق، ومدى تورط الجيش البريطاني في تعذيب وقتل العراقيين·· الجميل في الندوة أنها كانت عبارة عن محكمة تحاكم الجيشين البريطاني والأمريكي وكذلك النظام الحاكم في العراق وعلى رأسه رئيس الحكومة المنتهية ولايته ''نوري المالكي''، كما كانت تشهيرا بكتابات الصحافيين الغربيين وبالأخص الإنجليز، الذين كانوا -حسب أحد المتدخلين المنشطين للندوة- مغيبين عن الحقيقة، بل ولم يبذلوا أي جهد لمعرفة الحقيقة· إن ما كشفه موقع ويكيليكس من حقائق ووقائع لأكثر من 400 ألف وثيقة موثقة بالأرقام والدلائل والأسماء والتواريخ، لشيء يثير الدهشة والإعجاب، مما يدفع لطرح تساؤلات كثيرة وحادة عن كيفية الوصول إليها واستنساخها عن الملفات الأصلية التي هي أحد أهم أسرار للقوات الأمريكية في العراق· المؤكد من هذه الوثائق أنها تنقل لنا جرائم حرب ضد الإنسانية، مثبتة ارتكبت باسم الديموقراطية الغربية، ضد مدنيين عراقيين، وقد وصفها أحد منشطي الندوة، بأنها إهانة للإنسانية، وتعبير عن وحشية أوروبية مورست ضد عراقيين وكأنهم ليسوا من البشر·· فالجيش الإنجليزي -حسب المنشط- عامل العراقيين بقسوة الكولونيالي العنصري· هذه الجرائم التي يجرمها القانون الدولي وجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كفيلة بإحالة كل المسؤولين عليها إلى المحاكم الدولية·· وكان الكشف فقط عن تسريبها ونشرها قد حرك مسؤولي البيت الأبيض الذين اعتبروها مضرة بجنودهم وبأصدقائهم في العراق، ولكنها لم تعترف بأن المسؤول الأول عن هذه الجرائم هي القوات الأمريكية والإدارة الأمريكية·· في حين حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ''أندرس راسموسن'' من تبعات الكشف عن ألوف الوثائق السرية الأمريكية المتعلقة بالحرب على العراق لأنها تضع في خطر مجموعة التحالف الدولية· وثائق سرية عن حرب العراق، وتفاصيل تعلن لأول مرة تتحدث عن تورط رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في إدارة فرق خاصة به للقتل والتعذيب، والتي رد عليها بسرعة وشككئفي أهداف نشرها، فهو يعتبر أن نشر الوثائق الأمريكية بشأن الانتهاكات داخل العراق في عهده ودوره فيها اختارت توقيتها مما يهدف إلى عرقلة عودته ثانية إلى المنصب·· متهما بعض الجهات الإعلامية بأنها تعمل تحت غطاء الوثائق المذكورة ضد جهات وقيادات وطنية وخصوصا ضده، وهي تثير في أسلوبها وتوقيتها أكثر من علامة استفهام· كما توضح الوثائق التي حصل عليها موقع ويكيليكس، حقيقة الدور الإيراني ونشاط القاعدة وممارسة الصحوات، وتميط هذه التقارير اللثام عن مأساة عشرات آلاف الضحايا المدنيين الذين سقطوا بنيران الجيش الأمريكي، الذين تحصيهم الوثائق بأكثر من 285 ألف شخص، 63% من القتلى العراقيين هم مدنيون، أي أن ثلثي مجموع القتلى· كما تظهر حقائق جديدة عن تورط القوات العراقية في تعذيب السجناء وحتى اغتصابهم وقتلهم أحيانا·· مما يعني -حسب التقارير- أن ما قتل في العراق هو أربعة أضعاف ما قتل في أفغانستان·· وهي أرقام غير نهائية لأن الوثائق نفسها غير نهائية·· ناهيك عن القتل والذبح الذي باشرته المخابرات الإيرانية مثلما أشار إلى ذلك الموقع· ومثلما حركت هذه الوثائق ردة فعل المسؤولين عن هذه الإبادة ضد الشعب العراقي، فقد حركت أيضا ردود فعل منظمات المجتمع الدولي، فقد طالب ''عارف عزت'' المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتحريك الدعاوى ضد المسؤولين عنها، وإصدار أوامر بالقبض بحق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورئيس الوزراء السابق توني بلير، وكذا المسؤولين العراقيين بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي، ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك وعدم السكوت عن هذه الجرائم البشعة في حق الشعب العراقي·· لكن المفزع في الأمر كذلك، وحسب موقع ويكيليكس، أن مأساة القتلى المدنيين العراقيين ما زالت هوياتهم مجهولة، فالولايات المتحدةالأمريكية لم تعبأ بالإحصاء المنهجي، ولم تقم به إلا أثناء نشاطها العسكري الذي يستهدف منطقة بعينها أو حين تسهم في إجلاء الجثث·· أما ما يفزعني أنا، هو صمت العرب، وسكوت العراقيين أنفسهم، فهل يمكن أن يؤتى لنا بحقوقنا ونحن مستسلمون، متفرجون، ننتظر الفرج، من غيرنا ولا حول لنا ولا قوة··