هل كان الخروف الذي فدى به الله إسماعيل بن إبراهيم جد العرب الأول (عليهما السلام) هل كان نقمة على كل خرفان التاريخ؟ الخروف الأسطوري العظيم الذي كنت أتخيله في طفولتي عملاقا يصل ارتفاعه إلى حدود ارتفاع حائط دارنا القديمة· وله قرنان كبيرتان ومعقوفتان ونظرة حادة وثابتة فيهما عدوانية تجاه كل ما يتحرك أمامه·· وله استعداد أن يحرك رجله إلى الخلف عدة مرات مثلما يفعل متسابقو الدراجات النارية عند انطلاق السباق·· ويهجم على فريسته ناطحا بقوة برأسه الكبير وقرناه الصلبتان··. مازالت صورتي الطفولية عنه تعود كلما اقترب العيد الكبير، وكثر هوس الناس ولهفتهم على الخرفان·· هذه الأيام لا تلاقي أحدا إلا ويكلمك عنهم·· حتى علولة ابني ما إن أدخل إلى البيت حتى يكون سؤاله الأول هل اشتريت لنا الخروف؟ وأنا دائما اشتريه يوما قبل موعد ذبحه·· وعادة لا أفعل ذلك إذ أكلف أحد الخبيرين بهذه الأمور.. أعطيه الدراهم ويتكفل هو بالمساومة وبشرائه وبجره إلى البيت·· فيبيت المسكين مربوطا في البالكون وهو يبعبع مع الخرفان الأخرى في الحي وفي المدينة وفي كل أرجاء الكون·· سيمفونية حزينة لهذه الحيوانات الوديعة تستمر لأيام عديدة قبل ذبحها.. الليل كله وهي تتصايح وأحيانا أسمعها تبكي في نشيج يقطع نياط القلب·· وفي صباح العيد وبعد أن أسمع تلك الجملة المعادة والمستعادة كل سنة (عيدك مبروك، عقبال العام الجاي اتعيدوا وتعاودوا غفر الله لنا ولكم) يأتي عادة (خليل) وهو صديق يحبني وخدوم وله قامة طويلة جدا وبراعة في الذبح والسلخ·· يأخذ الحيوان المسكين فيعمل له حركة مثل تلك التي يعملها ممارسو رياضة الجيدو ثم يربط قوائمه بحبل ويجهز عليه·· أنا وقتها أكون قد اختفيت خلف العمارة أدخن سيجارة· وبعد أن يصبح الحيوان المسكين جثة هامدة آتي لمساعدته، كأن أمسك رجل الحيوان وهو ينفخه ثم يعلقه ويسلخه بمهارة فيقوم بعدها ببقر بطنه وإخراج الأمعاء والأحشاء بمهارة·· بعد دقائق يتحوّل الخروف المسكين إلى جثة من اللحم حمراء معلقة بلا روح ولا حركة·· في المساء لما ينشف اللحم تأتي مشقة تقطيعه، فأستنجد مرة أخرى بصديقي خليل الذي يحوّله إلى كتل من اللحم مفصلة ومقطعة بطريقة عجيبة· أما القطط فتختفي يومها من العالم·· ولا قط يدور في الأنحاء. عقدة اللحم لدينا مستحكمة· لا خروف العيد يخفف منها ولا لحم الهند ولا لحم البرازيل والبراغواي ولا أي لحم آخر في الدنيا بإمكانه أن يطفئ لهيبها· ونحن جنس آكل للحوم بشكل مفرط ومرضي·· وملايين الخرفان التي تذبح يوم العيد الكبير لم تعد تذبح كقربان ديني وإنما فقط لأن الناس جائعة للحم·· يعملون المستحيل لشراء هذه الحيوانات الرائعة، وبعد أن يعقد الأطفال معها صداقة وألفة يذبحها الكبار في صباح العيد دون شفقة ولا رحمة·· فالمجد للخرفان · المجد·· المجد.·