لا ينبغي أن تصيبنا الدهشة في يوم ما إذا ما فرّ وزير من وزراء الحكومة دون رجعة إلى الجزائر، وهو في مهمة رسمية ضمن وفد رسمي في الخارج، فقد سبق للصحافة الوطنية وأن أثارت قضية شراء وزير التجارة الأسبق، ورئيس حزب التجديد الجزائري نورالدين بوكروح لمصنع وفيلا بلبنان، وهو الذي لم يستوزر طويلا في الجزائر التي غادرها دون رجعة، وبالتالي أخذ شكل رحيله شكل ''الحرفة''، كما أنه سبق لعبد النور كيرمان، وزير المالية الأسبق، وأن ''حرف'' إلى الخارج بسبب تورطه في فضيحة ''الخليفة''، وسبق أيضا لشقيقه عبد الوهاب محافظ بنك الجزائر السابق الذي لا يزال توقيعه محفورا في بعض أوراقنا النقدية من فئة الألف دينار، سبق له أن فرّ إلى الخارج في إطار الفضيحة نفسها، كما يوجد عبد الحميد براهيمي وزير الحكومة الأسبق في وضع ''حراف سياسي''، لهذا لا يبدو غريبا أن ''يحرف'' الطبيب والمهندس والميكانيكي والمدير والأطفال والشيوخ والنساء والنساء الحوامل والعجائز أيضا، بل لا ينبغي أن تصيبنا الدهشة حتى إذا رأينا أو سمعنا عن صحفيين ''حرافة''· فحرفة أعضاء البالي إلى كندا تأتي بهذا الوقع الكبير لأنها جاءت أولا بعد مدة طويلة من غياب الملف في الصحافة الوطنية وهدوء نسبي لمحاولات ''الحرفة'' عبر القوافل البحرية، كما أن الذي أعطى قيمة إخبارية للموضوع هي المهمة الفنية الرسمية التي كان يؤديها هؤلاء، تماما مثلما فعل في أواخر التسعينيات أعضاء من منتخب الجيدو الجزائري الذي كان في مهمة رياضية لتشريف الجزائر في الخارج· فالحرفة عند الجزائريين، تحوّلت إلى ظاهرة بفعل عاملين، الأول هو مستوى استفحالها والثاني هو نوعية ''الحرافة''، ولو أن المسؤولين السامين للدولة يعدّون من الفئة الأقل ''حرفة'' بين كل هؤلاء، حسب الإحصائيات حاليا، رغم أن ''حرفتهم'' عادة تأتي في سرية تامة بعد انتهاء مهامهم الحكومية أو الإدارية، حيث يلتحق البعض بأملاكهم وعقاراتهم لإدارتها هناك، وهي ''حرفة'' راقية ليس فيها أي مخاطر على الحياة، ثم هي ''حرفة'' مشرفة وتعطي للوزير مكانة مرموقة خلال مرحلة التقاعد حتى لا يبقى في البلاد التي لم يساهم خلال مزاولته عمله بها، أن يجد حلا لباقي فئات شعبه الذين ''يحرفون'' بشكل غير مشرف·· ورغم هذا، فإنه لا ينبغي أن نندهش من رؤية وزير في المستقبل القريب أو البعيد أو المتوسط وهو يمارس ''الحرفة''، فالظاهرة كثيرا ما تتحوّل إلى عادة -كما يقول علماء الاجتماع- بسبب زوال تفكير جدي في القضاء على مسبباتها، وهذه هي المرحلة التي وصلت إليها ظاهرة ''الحرفة'' في الجزائر·· تكاد تكون عادة والعادة·· عادي وبلغة الشارع الشائعة .''normale''