غداة انهيار الاتحاد السوفييتي، قال خوان سامارانش، الرئيس السابق للاتحادية الدولية لكرة القدم (الفيفا): ''لم يبق الآن إلا قوتان عظمتان، في العالم هما: الولاياتالمتحدةالأمريكية والفيفا''· وكان الرجل محقا بحساب معطيات ذلك الوقت· بل ولا يزال محقا إلى حد ما بحساب المعطيات الحالية· ولكن ما كان لسامارنش، ولا لأحد غيره حتى من خبراء الاستشراف، أن يقدر التطورات الهائلة التي أقدمت عليها البشرية، التي هي مقدمة عليها، وفي ظرف قصير جدا، وبخاصة في مجال تكنولوجيا الاتصال· ولا يختلف عن تصريح سمارانش ما قاله مدير أسبوعية التايم الأمريكية، ريشار ستنغل، يوم الأربعاء الماضي وهو يعلن عن اختيار مارك زيكربيري، مؤسس شبكة الفايس بوك، شخصية سنة .2010 قال: ''إن الشبكة التي اخترعها مارك زيكربيري استطاعت أن تمد التواصل بين نصف مليار نسمة عبر العالم·· لقد أصبح الفايس بوك، ثالث أكبر دولة في العالم، ما يمثل ثلاثة أعشار البشرية''· ويعبّر هذا التصريح عن واقع هذه الشبكة الاجتماعية بقدر ما يتنبأ بما ستكون عليه هذه الشبكة أو غيرها في المستقبل: يعني أن تتحوّل من نوع من الدولة الافتراضية إلى دولة حقيقية، بمقاييس من نوع آخر لا علاقة لها بالجغرافيا والحدود والسيادة· باختصار كل ما هو مضاد لما يعرف اليوم عن الدولة الوطنية· ومن الصور التي يمكن تبينها، منذ الآن، تعاظم حركات التضامن بين أعضاء الشبكات الاجتماعية على الأنترنت، والعلاقة التي غدت واضحة الآن بين رواد هذه الشبكات وبين مختلف التنظيمات المناهضة للعولمة الاقتصادية، وبخاصة منها تلك التي تتصدى لمشكلات التلوث والتغيرات المناخية· ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن تسريبات ويكيليكس جزء من هذه الدولة التي تنبأ بها مدير التايم· فالكثيرون ممن تضامن مع أسنج لا يعرفونه إلا بطريقة افتراضية، ولكن استعدادهم لمساعدته، حتى ماديا، نابع من إحساسهم بالانتماء إلى هذا العالم الجديد الذي هو قيد التشكل· ثم إن اختيار مارك زيكربيري إلى جانب أكبر شخصيات القرن العشرين، من بيل غايتس إلى شارل دوغول، مرورا بفرونكلين روزفلت وتشرتشل، وشخصيات أخرى طبعت القرن الماضي، وإن سلبيا، مثل هتلر وأسامة بن لادن، إن هذا الاختيار يفسر التأثير الحقيقي لمجتمع الاتصال، كما يفسر نوعا من القلق الذي يسبق عادة الانقلابات الاجتماعية الكبرى· يبقى أن مؤسس الفايس بوك شاب أمريكي واختياره نوع من الاعتراف بالعبقرية والإبداع للشباب الأمريكي، وتعبيد للطريق أمام كل الذين يطمحون إلى المجد والثروة، وتحقيق فعلي للحلم الأمريكي: إنه طريق الإبداع·