تحوّل مسار النقاش في بلاتوهات التلفزيونات الفرنسية من الكلام عن الإسلاميين المتطرفين إلى الطبيعة المتطرفة للإسلام. يفهم ذلك من وراء الشفاه تارة، وتصريحات تارة أخرى، حسب لباقة المتحدثين. ويعمد منظمو ندوات النقاش إلى إقحام باحث أو صحافي مسلم من أصل عربي يختار بدقة حسب الهدف المنشود. هنا صحفي من الدرجة الثالثة، لا يعرف شيئا عن الإسلام، يقول عن نفسه إنه لائكي، يرفض تسييس الدين وتديين السياسة، وهناك مسلم عربي مختص في الدراسات الإسلامية، ولكنه مواطن فرنسي يؤمن بلائكية الدولة. أما الموضوع فهو المأساة التي يتعرّض لها المسيحيون في مصر والعراق. المشكلة الأولى أن الوجود المسيحي في خطر، ليس فقط لأن المسيحيين يتعرضون لمجازر، ولكن لأن الأغلبية الإسلامية تدفع بالمسيحية خارج الحدود. ولا يتعلق الأمر بالتأثير الذي يحدثه الإسلام ولا بالجاذبية التي يمارسها، ولكن لأنه دين يرفض أي تعايش مع أصحاب الديانات الأخرى. والمشكلة الثانية أن التطور الطبيعي الذي وقع في أوروبا، وفي فرنسا بالخصوص، لم يعرف ما يقابله في العالم العربي. وليس هذا التطور سوى لائكية الدولة. فرنسا دولة لائكية، تعترف لكل الأديان بحقها في الوجود ولا تمنع أحدا عن ممارسة الدين الذي يؤمن به، ولكن بصفة فردية ذاتية تنتهي حدودها عند علاقة الفرد المؤمن بالإله الذي يؤمن به. ومشكلة المسيحيين في الدول العربية أن الأنظمة لا تزال تعتمد الإسلام دين رسميا للدولة.. فالمسلمون مواطنون والمسيحيون أقلية خارج حدود المواطنة، ومن الأحسن التخلص منهم. وذهبت إحدى الحصص إلى الإشادة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، على أنه كان مثالا للحكام العرب اللائكيين، ومن ورائه جاءت الإشادة بالبعث ومن وراء الإشادة بمؤسس البعث المسيحي ميشال عفلق. وفي هذه الأثناء، يجد أحد القساوسة، المشاركين في الندوة، الباب مشرعا، والمنطق معبدا ليقول: ما الذي فعلناه بالإسلام ليفعل بنا المسلمون ما يفعلون؟ ولا يجد الحاضرون في هذا الكلام حرجا ولا مثلبة، بل تراهم يحركون رؤوسهم دليلا على موافقتهم، وترى فيهم من تغرورق عيناه بالدموع. وانتفض منهم واحد ليقول: إن الإسلام مسؤول عن طرد المسيحيين من ديارهم، وإن أسلمة الشرق هي السبب في إبادة المسيحيين، وعلينا نحن المسيحيين، (إنه ينقلب مسيحيا بعد أن كان لائكيا) أن نعمل ما في وسعنا لحماية الأقليات المسيحية من الزحف الإسلامي العنيف. وعندما يأتي دور الباحث الإسلامي ليذكرهم بالمعاني المتعددة للائكية والغموض الذي يكتنف المصطلح، واللبس الواقع في تطبيقات المبادئ اللائكية بين دولة ودولة في أوروبا نفسها، لا يجد أحدا يصغي إليه. وعندما تأتي اقتراحات الحلول يقول الباحث الإسلامي للقس المسيحي: إن المشكلة الأولى في الألفاظ التي نستعملها: ما الذي يدفعك إلى اتهام الدين الإسلامي، هكذا على العموم؟ وإني أدعوك إلى التفريق بين متطرف يعتدي عليك ويريد لك الشر وبين دين، هو الإسلام، ليس في مبادئه وأحكامه ما يحرض على قمع أصحاب الديانات الأخرى. يرد القس قائلا: لقد قررنا بناء كنيسة فما كان من المسلمين إلا أن قرروا بناء مسجد لصيق بها. أي عنف هذا؟ وعندما أراد الباحث الإسلامي أن يرد، تدخل المنشط ليقول: انتهت الحصة.