نظم مركز الأبحاث ليومية الشعب، أمس، بمقر الجريدة لقاء جمع عددا من ممثلي الجالية الإسلامية المنحدرة من أصول عربية مع مختلف وسائل الإعلام الوطنية للنقاش حول واقع الإسلام في بريطانيا·اللقاء الذي جرى في حضور ممثلي عن السفارة البريطانية، كان بمثابة الفرصة للتعرف بيوميات مسلمي بريطانيا وطرق اندماجهم في المملكة، فقد أكد الحضور على أن الزيارة، وإن كان بطلب وتنسيق من طرف وزارة الخارجية البريطانية، إلا أنها لا تكتسي الطابع الرسمي، وهو ما ذهبت إليه عضوة حزب العمال، السيدة منى حميطوش، المنتخبة ببلدية إزليغتون شمال لندن، حيث عادت المتحدثة لتجربتها الخاصة التي انطلقت عام 1991 تاريخ هجرتها من الجزائر، والتي قالت عنها إنها انطلقت بدافع الاندماج في المجتمع البريطاني وإيجاد مكانة للجالية المسلمة البعيدة عن التطرف· هذا الحديث الذي شاركها فيه البريطاني من أصل جزائري قادة بن دحة، رجل أعمال الذي أكد من جهته أن تواجد الجالية المسلمة في بريطانيا لم يعد يثير تلك التساؤلات التي تحدث في عدد من الدول الأوروبية، على اعتبار أن الجالية المسلمة نجحت في إيجاد مكانة لها في ظل احترم القوانين البريطانية· مثل هذا الحديث المصور لواقع الجالية المسلمة في بريطانيا سرعان ما بدأ يتهاوى بمجرد الخوض في مشكلة التطرف الديني وتحول الأراضي البريطانية إلى قبلة كل الطوائف المتعصبة حتى الإرهابية منها، وهو ما أكده ضيوف الندوة الذين عادوا للسياسة البريطانية المتساهلة في منح حق اللجوء السياسي لأي كان بحجة الدفاع عن الحرية الفردية للأشخاص، وإن كانوا محرضين على الإرهاب· لم تكن هذه القضية الوحيدة التي أثارت حفيظة الحضور البريطانيين الذين بدوا غير مرتاحين في أجوبتهم على أسئلة الصحافيين، فقد عاد الحديث عن التجربة البريطانية التي ينظر لها الكثيرون على أنها استثناء في الإتحاد الأوروبي من منطلق منحها للعديد من الحريات الدينية للمسلمين في الوقت الذي ترى بقية الدول الأوروبية أن مثل هذه الحريات تهدد تماسك المجتمع الواحد وتهدد مبادئ اللائكية، مثلما هو الحال مع فرنسا· فقد ركز الحضور على قابيلة القوانين البريطانية للتعامل واستيعاب الجالية المسلمة على اختلافها واحترام خصوصيتها، على غرار تعاملاتها الاقتصادية، من خلال منحها فضاءات قانونية مرخص لها للتعامل وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية· في هذا السياق، أشار ممثل عن اللجنة الاستشارية للشباب المسلم، اليمني الأصل عبد الله سيف، أن النظام القضائي البريطاني يسمح بإنشاء محاكم تابعة للمساجد يمكن للمسلمين من خلالها فض نزاعاتهم عبرها بما يقتضيه الدين الإسلامي، سيما حين يتعلق الأمر بالعلاقات الأسرية بين الأزواج· مثل هذه المرونة في التعامل مع المسلمين جعلت الحضور يؤكدون على أن التجربة الأوروبية بإمكانها أن تكون نموذجا بالنسبة لباقي الدول الأوروبية، في إشارة إلى أن تهديد تفاقم موجة الإسلاموفوبيا مثلما هو الحال مع سويسرا وهولندا وعدد من الدول الأوروبية، أمر غير قابل للحدوث· وبالرغم من هذه النظرة التفاؤلية، إلا أن حديث مسلمي بريطانيا كشف عن حقيقة إشكال تواجد الإسلام والمسلمين في الإتحاد الأوروبي بما فيه المملكة البريطانية، حيث أنها لم تنجح في خلق مواطن بريطاني مسلم بعيدا عن أصوله العرقية، ما صعب الحديث عن جالية مسلمة وإنما بات الحديث عن جاليات مسلمة كل منها تستمر في تغذية الرباط مع البلد الأصلي، هذا الارتباط الذي أضحى السبب المباشر في سخط مختلف الجاليات سيما من الجيل الثاني والثالث على الحكومة البريطانية بالنظر لسياستها الخارجية مع الدول الإسلامية· هذه الأجواء المشحونة بين المسلمين والسلطات الرسمية باتت تهدد بتفاقم ظاهرة التطرف في أوساط الشباب المسلم· من هذا المنطلق، كان تعامل السلطات البريطانية الساعي لخلق فضاءات رسمية تستوعب الشباب المسلم المعتدل والمقتنع بانتمائه للمملكة، ليلعب الدور المنوط به مقابل التيار المتطرف الذي وجد ملاذا له على الأراضي البريطانية لأكثر من عقدين من الزمن· في إشارة لسعي تغيير النظرة لدى الشباب المسلم المتطرف، وكأن لسان حال الحضور من مسلمي بريطانيا ومن ورائهم السلطات البريطانية، يسعى للتأكيد على أن بريطانيا لن ترحب بالمسلمين المتطرفين مثلما كان الحال في الماضي· محمد علي موسوي، بريطاني من أصل عراقي، ناشط في المجتمع المدني: حان الوقت لإسماع صوت الاعتدال ولن نتوانى في التبليغ عن المتطرفين أكد محمد علي موسوي، ممثل اللجنة الاستشارية للشباب المسلم ببريطانيا، أنه لا يمكن الحديث عن جالية مسلمة ببريطانيا بقدر ما يجب أن يصح الحديث عن جاليات: ''هناك أكثر من عشر جاليات مسلمة في بريطانيا وإن كان غالبيتهم من أصول أسياوية، هناك العديد من الطوائف المسلمة إلى جانب الأعراق، للأسف الشيء الوحيد الذي يجمعها بصفتها مسلمة هو التطرف في الخطاب الديني الرافض للآخر، عدا ذلك لم تنجح هذه الجاليات في خلق انسجام أو تناغم فيما بينها· والواقع الأليم أننا نتعامل مع هذه الجاليات من منطلق السعي لاحترام خصوصيات كل الطوائف الإسلامية من خلال العمل على إيجاد فضاءات للحوار، المشكلة الحقيقية التي نواجهها اليوم في بريطانيا تكمن في توحيد الرؤي فيما بيننا للوقوف في وجه التطرف الديني الذي تحوّل إلى شبهة على جبين كل مسلم''· هو إذن التطرف الذي يقول عنه المتحدث أنه الرهان الحقيقي ليس فقط أمام هذه الجاليات المسلمة وإنما حتى بالنسبة للطبقات البريطانية التي طالما اعتقدت أن تفتحها على كل التيارات الإسلامية كفيل بحمايتها من ظاهرة العنف الديني، غير أنه ثبت العكس من خلال ظهور جيل متشبع بالأفكار المتطرفة بالرغم من ولادته وتلقيه العلوم في بريطانيا· في هذا الخصوص يشير موسوي: ''نحن اليوم مضطرين للتعامل مع مخلفات السياسة الرسمية السابقة التي لم تتوان في فتح الباب أمام كل الذين رفعوا شعار اللجوء السياسي والاضطهاد في بلدانهم عن حق أو عن باطل· فقد تحولت بريطانيا خلال فترة التسعينيات لقبلة المتشددين الذين غرسوا لديهم التطرف ورفض الآخر· ولن نقول سرا إن قلنا أن تعامل الحكومة البريطانية خلال تلك الفترة كان غاية في الغباء، وهو غباء ندفع ثمنه اليوم· فقد كان الاعتقاد السائد أن تهديد الإرهاب لا يمكن أن يأتي من الداخل، غير أن أحداث 2005 أكدت الخطر الكبير في التقدير، فقد تحول من تلقى ولده تعليمه في بريطانيا يدعو لأفكار متطرفة بل لا يتوانى للجوء للعنف للدفاع عن هذه الأفكار المتطرفة''· هي إذن الاستفاقة البريطانية التي جاءت لتعيد النظر في حساباتها من خلال العمل على منح الكلمة للمسلمين المعتدلين بعدما منحتها طيلة سنوات لأصوات دعت للعنف جهارة دون أي رد فعل من السلطات البريطانية التي تسعى اليوم لتدارك الوضع واستدراك ما فاتها في الترويج لمغالطات دينية تحث على العنف: ''ما يجب التأكيد عليه هو أن الغالبية العظمى لمسلمي بريطانيا من أصول أسياوية لا تفقه في أمور اللغة العربية والمسائل الدينية الشيء الكثير، هذا ما شكل القاعدة للخطابات المتطرفة التي كان ينظر لها من طرف من لا يفقه ولا يملك الولوج لمصادر الدين الصحيح، على أنه كلام الله المنزل الذي لا يمكن التشكيك فيه· فقد كانت الفترة الزمنية الماضية فرصة لكل من يرغب في الترويج لأفكار مسمومة باسم الدين الإسلامي، فمشكلة اللغة كانت العامل المحدد لكثير من الشباب الذي ينظر لكل قادم من الأراضي الإسلامية ومتحدث بالعربية عن الدين، أنه قيمة دينية لا بد الاتخاذ بأقواله، اليوم نسعى لتغيير هذه النظرة من خلال الحفاظ على التعددية الإسلامية ومحاربة النظرة الإقصائية للآخر، والأهم محاربة التطرف من خلال الحوار''· أكثر من ذلك يذهب موسوي لحد التأكيد على أنه لم يعد مسموحا لأي كان من المسلمين بالحديث باسم الجالية أو بث أفكار متطرفة بقوله: ''لن نتوانى عن التبليغ عن كل المتطرفين الذين من شأن خطاباتهم الإساءة لصورة الإسلام والمسلمين في برطانيا''· منى حميطوش، عضو حزب العمال البريطاني ومنتخبة عن بلدية إزلينغتون: قد يخسر حزب العمال الانتخابات بسبب سياسته الخارجية في الدول الإسلامية أكدت السيدة منى حميطوش، الجزائرية الأصل، عضو حزب العمال البريطاني والمنتخبة عن بلدية إزلينغتون شمال لندن، أن الشعب البريطاني لا يمن بمفهوم التطرف والعنصرية في إشارة إلى تقبله الإسلام ضمن يوميته دون أدنى مشكلة، مستدلة على ذلك بحب البريطانيين للسلام، وهو ما أثبتوه من خلال الرفض الدائم للسياسة الرسمية في عدد من الدول الإسلامية، مثلما هو الحال مع العراق، اليمن، أفغانستان وفلسطين وغيرها من بؤر التوتر في العديد من الدول الإسلامية· في ذات السياق، لم تستبعد المتحدثة إمكانية خسارة حزب العمال الانتخابات المقبلة بسبب هذه السياسة التي يرفضها البريطانيون· من جهة أخرى، تؤكد السيدة حميطوش أن أخطاء الحكومات السابقة في طريقة تعاملها مع المتطرفين باتت تشكل مشكلة حقيقية اليوم في مساعي تغيير النظرة للمسلمين: ''لا يمكننا أن ننسى فترة التسعينيات التي كانت خلالها المساجد في بريطانيا تحرس من قبل الأمن لتسمح لها بنشر خطابها الداعي للعنف والتقتيل في الأبرياء في الدول المسلمة بما فيها الجزائر· لكن الأوضاع اليوم تغيرت، فقد تأكد للسلطات الحالية أن الخطر الذي يأتي من الداخل أكبر من ذلك الذي يأتي من الخارج، وعليه ضرورة العمل مع الجاليات للخروج من نفق التطرف، هذا التطرف الذي بات يغذي غضب الشباب المسلم من الجيل الثاني تجاه السياسة الخارجية في كل القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين، لقد كانت حادثة تفجيرات 2005 بمثابة الاستفاقة الفعلية والمنعرج الذي اضطر السلطات لتغيير نظرتها وتعاملها مع مسلميها''·