لقد شكلت الحرب النفسية دورا هاما وبارزا في حياة الأمم والشعوب منذ فجر التاريخ وعاملا رئيسيا من عوامل التأثير النفسي، ومن أبرز آثارها الضغوط النفسية المزمنة التي تستمر لفترات طويلة وتعوق الأداء السيكولوجي للفرد، وتنبه علماء النفس إلى خطورة هذه الحرب السيكولوجية على الإنسان من الناحية الجسمية والنفسية·· في هذه المساهمة الجامعية للدكتور رمضان عزازي بركة نقدم لكم تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع، الذي كان إشكالية بحثه للحصول على شهادة الدكتواره التي ناقشها بجامعة ''الجزائر "2 مؤخرا·· يشار إلى أن إسرائيل برعت في استغلال أساليب الحرب النفسية المتعددة، بهدف التأثير على العقل الفاعل لدى الفرد الفلسطيني واستهداف روحه المعنوية، وجعله أسيرا للضغوط النفسية ومهاوي الاضطراب السيكولوجي· وخلصت كثير من الدراسات إلى أن استمرار الشعب الفلسطيني لفترة طويلة تحت التهديد والتعرض للضغوط الفردية والجماعية في صورة القهر والظلم الذي يفرضه الاحتلال، إضافة إلى حالة الإحباط العامة وفقدان الأمل مع الوقت في الخروج من الأزمة التي يمثلها الوضع الحالي، حيث مشاهد القتل والإصابات الجسدية وتدمير المنازل والممتلكات والبيئة المحيطة يمثل صدمة نفسية عميقة خارج نطاق الخبرة الإنسانية العادية، ومن ثم يؤدي ذلك إلى أعراض الاضطراب النفسي في صورة ضغط وقلق وتوتر دائم وشعور بالإجهاد والألم النفسي والعصاب وغيرها من الأمراض النفس جسمية· ولعل الدراسة التي أجريتها تهدف إلى محاولة الكشف عن استراتيجيات مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية من قبل النخبة الإعلامية الفلسطينية وعلاقة ذلك بمستوى إدراك الحرب النفسية وكذلك علاقة ذلك بالسمات الشخصية لديهم، إضافة إلى بعض المتغيرات، كالنوع الاجتماعي، ونوع المؤسسة الإعلامية وطبيعة العمل وأيضا المؤهل العلمي· إشكالية الدراسة ترتبط مشكلة الدراسة الحالية ارتباطا وثيقا بالواقع النفسي الذي يعيشه الفرد الفلسطيني منذ عقود طويلة تحت الاحتلال، وجاءت فكرة هذه الدراسة كمحاولة لتسليط الضوء على طبيعة الحرب النفسية الإسرائيلية وأخطارها وأهدافها وأساليبها وأدواتها الرئيسية التي تعتمد عليها إسرائيل في استهداف عقل وشخصية الإنسان الفلسطيني، إضافة إلى التعرف على كيفية صياغة إستراتيجية مواجهة لهذه الحرب والضغوط النفسية الناتجة عنها وسبل علاجها، وذلك من خلال عينة الدراسة المتمثلة في النخبة الإعلامية الفلسطينية وفحص هل لذلك علاقة ببعض السمات الشخصية لديهم· وفي هذا السياق يلاحظ الأطباء النفسيين أن الكوارث والأزمات التي هي من صنع الإنسان مثل الحروب وعمليات القهر والتعذيب الجماعي والقمع والحصار وإثارة التهديد والقلق والخوف أكثر شدة في تأثيرها المدمر على النفس الإنسانية من تلك الكوارث والأزمات التي تنشأ في ظروف طبيعة لا يتدخل الناس فيها· وفي إطار عمليات العلاج والسبل التي يمكن استخدامها لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية، حيث يتم ذلك من خلال علوم الطب النفسي للوقوف على ما خلفته الحرب النفسية من اضطرابات نفسية وصدمات ضاغطة وحالات الفوبيا والقلق وما يصاحب ذلك من أعراض نفس جسمية، ويتطلب ذلك أيضا استراتيجيات مواجهة تقوم بدور وقائي أكثر منه علاجي، حيث تتضمن عمليات المواجهة أساليب ومهارات تسهم في خلق حالة من الصحة النفسية والبدنية على المستوى الفردي والجماعي· وللشخصية دور مركزي كما أشارت (ليلى الشريف، 2003) من التأثير على أسلوب المواجهة، حيث أنها حقيقة لا جدال فيها، فلا يمكن للفرد أن يواجه بشكل منفصل عن سمات الشخصية التي تشكل دافع أساسي واستراتيجي للمواجهة، إذن فأسلوب المواجهة الذي يختاره الفرد يحدد في جزء منه بالشخصية· واختيار عينة الدراسة من النخبة الإعلامية الفلسطينية، فيرجع إلى الارتباط الوثيق بين الإعلام والحرب النفسية، وكثير من الباحثين أشاروا إلى أن الإعلام هو الوسيلة الأكثر استخداما لتحقيق نتائج الحرب النفسية من خلال الترويع والإرهاب والخوف وبث الرعب في قلوب المتلقين واستهداف العقل الفاعل من خلال التضليل وقلب الحقائق· وفي ضوء ما سبق تحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤلات المتفرعة من السؤال الرئيسي التالي الذي تحدد فيه مشكلة الدراسة الحالية: -- ما هي أنواع استراتيجيات المواجهة التي تستخدمها النخبة الإعلامية الفلسطينية تجاه الحرب النفسية الإسرائيلية؟ حدود الدراسة: التزمت الدراسة الحالية بالحدود التالية: -- الحدود البشرية: أجريت الدراسة على النخبة الإعلامية الفلسطينية العاملة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية· -- الحدود المكانية: محافظات قطاع غزة، وذلك نظرا للمعوقات التي وضعها الاحتلال وفصله جنوبفلسطين عن شمالها جغرافيا وبالحواجز· -- الحدود الزمنية: تم تنفيذ الدراسة بين عام 2007 /,2010 وتم تطبيق أدواتها تحديدا في عام 2009 / .2010 أهمية الدراسة: تنقسم أهمية الدراسة الحالية إلى قسمين: أولا: أهمية نظرية: أ - أهمية الموضوع الذي تتناوله الدراسة، ويعتبر من الموضوعات الحساسة التي تخص الساحة الفلسطينية، وتتناول بالتحديد الحرب النفسية الإسرائيلية الموجهة ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة، التي لها تأثيرات سلبية على أكثر من مستوى وترتبط واقعيا بالحياة اليومية· ب- مواءمة توقيت الدراسة الحالية وطبيعة المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني منذ انتفاضة الأقصى وما تلاها من متغيرات على الأرض، وأيضا ما خلفته الحرب الأخيرة على غزة عامي 2008- 2009 من مأسى واضطرابات نفسية وصدمات تفوق قدرة الإنسان على التحمّل، واستمرار الحصار الاقتصادي بأبشع صورة، حيث يتم مساومة الشعب الفلسطيني بحاجاته الأساسية وأمنه النفسي، لتقديم تنازلات تتعلق بالثوابت والقضايا المصيرية للفلسطينيين والمسلمين عامة· ج- تسعى الدراسة الحالية لإلقاء الضوء على مجموعة من استراتيجيات المواجهة، التي من المفترض أن تستخدمها النخبة الإعلامية الفلسطينية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية والضغوط الناتجة عنها، لتساهم في تعزيز آليات الصمود والتحدي أمام الإعلام الدعائي النفسي الإسرائيلي· د- تلقي هذه الدراسة الضوء على فئة النخبة الإعلامية الفلسطينية، التي من المفترض أن تكون ملقى على عاتقها مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية، حيث أن هذه الدراسة تهتم بجانب مهم من جوانب تفكيرهم وإدراكهم، إضافة إلى دور بعض السمات الشخصية لديهم في تدعيم استراتيجيات المواجهة لتكون أكثر فاعلية في مواجهة الضغوط الناتجة عن الحرب النفسية الإسرائيلية· ه- تسهم هذه الدراسة في إضافة أداة جديدة للمكتبة العربية، حيث تتضمن استراتيجيات مواجهة مقترحة وتشير إلى أهميتها في مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية بأبعادها المختلفة· وبالتالي تدفع الباحثين لإجراء المزيد من الدراسات في هذا المجال وتبرز نقاط بحثية جديدة أيضا· ثانيا: أهمية تطبيقية: أ- نتائج هذه الدراسة الحالية تسهم في تقديم تغذية راجعة لكل من الإعلاميين الفلسطينيين وخبراء علم النفس، بهدف التعرّف على طبيعة الحرب النفسية الإسرائيلية، في ضوء تشخيصها وتفنيد أساليبها، للمساهمة في صياغة إستراتيجية مضادة لها تنسجم مع القدرات والإمكانيات الفلسطينية· ب- تتيح هذه الدراسة الفرصة للعاملين في مجال الصحة النفسية والطب النفسي، للإطلاع على حجم الضغوط والاضطرابات الناتجة عن الحرب النفسية، إضافة إلى القائمين على مراكز إدارة الأزمات والطوارئ، بهدف وضع سبل علاج مناسبة للفئات المتضررة· ج- أهمية هذه الدراسة تفتح أفاقا أمام المجتمع الفلسطيني، انطلاقا من الأسرة المكون الأساسي لهذا المجتمع، للعمل على تشكيل حالة الوعي لدى أبنائهم لتعزيز استراتيجيات مواجهة فعالة تنسجم مع السمات الشخصية الإيجابية لديهم من حيث الثقة بالنفس والتفاعل مع الآخرين وحثهم على الوضوح في التفكير ودفعهم للنظر إلى المستقبل بإيجابية وتفاؤل· د- تسهم هذه الدراسة في طرح فكرة تشكيل هيئة وطنية، مختصة في الحرب النفسية الإسرائيلية ومتابعتها، وتتكون هذه الهيئة من مختصين في علم النفس بفروعه المتعددة، وعلم الاجتماع، والإعلام وخبراء في الإعلام الدعائي السيكولوجي، بهدف مقاومة الحرب النفسية التي تروجها إسرائيل، وفي المقابل إقامة مركز خاص للعلاج النفسي والإرشاد للتعامل مع الاضطرابات الناتجة عن الحرب· نتائج الدراسة: أولا: النتائج المتعلقة بالمتغيرات الديموغرافية: -- توجد فروق دالة إحصائيا بين الجنسيين من النخبة الإعلامية الفلسطينية في استخدام استراتيجيات مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية، وخلصت النتيجة لصالح فئة الذكور في أغلب الأبعاد· -- وجود فروق دالة إحصائيا فيما يتعلق بمتغير المؤهل العلمي من قبل النخبة الإعلامية الفلسطينية في استخدام استراتيجيات مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية، والنتيجة في مجملها لصالح مؤهل الدراسات العليا ويليها درجة البكالوريوس· -- وجود فروق دالة إحصائيا على متغير طبيعة العمل من قبل النخبة الإعلامية الفلسطينية في استخدام استراتيجيات مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية والنتيجة لصالح فئة المراسلين· -- وجود فروق دالة إحصائيا على متغير نوع المؤسسة الإعلامية من قبل النخبة الإعلامية الفلسطينية في استخدام استراتيجيات مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية والنتيجة لصالح المؤسسة الإعلامية المرئية· ثانيا: النتائج المتعلقة بالعلاقة الارتباطية بين استراتيجيات المواجهة وبعض سمات الشخصية وهي كالتالي: 1 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين الانتماء ورفع الروح المعنوية كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وكل من السمات الشخصية في أبعاد الثقة بالنفس وسمة البشاشة· 2 - وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين الصلابة النفسية كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وسمة العلاقة والتفاعل مع الآخرين· 3 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين الصلابة النفسية كاستراتيجية للمواجهة والبشاشة كسمة شخصية· 4 - وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين التخطيط الاستراتيجي كاستراتيجية للمواجهة وسمة التفاؤل وسمة العلاقة والتفاعل مع الآخرين· 5 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين التخطيط كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية والبشاشة كسمة شخصية· 6 - وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين المواجهة الفعالة والتحدي كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية والعلاقة والتفاعل مع الآخرين كسمة من سمات الشخصية· 7 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين المواجهة الفعالة والتحدي كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وكل من الثقة بالنفس والبشاشة كسمات شخصية· 8 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين القدرية كاستراتيجية مواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وكل من الثقة بالنفس والبشاشة كسمات شخصية· 9- وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين مواجهة وإدارة الأزمات كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وبين كل من سمة التفاؤل والفاعلية ووضوح التفكير ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية· 10 - وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين الإفادة من الخبرة والوقاية كاستراتيجية لمواجهة الحرب النفسية الإسرائيلية وسمة الفاعلية ووضوح التفكير· 11 - توجد علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين أبعاد استراتيجيات المواجهة بشكل عام والبشاشة كسمة شخصية· ثالثا: النتائج المتعلقة بإدراك الحرب النفسية الإسرائيلية وعلاقتها ببعض سمات الشخصية لدى النخبة الإعلامية وهي كالآتي: 1 - توجد علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين بعد إثارة الخوف والقلق في أوساط الفلسطينيين كمدرك للحرب النفسية الإسرائيلية ومع كل من سمة الثقة بالنفس والفاعلية ووضوح التفكير وأيضا سمة البشاشة ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية· 2 - وجود علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين بعد التبرير والافتراء والتضليل المتعمد كمدرك من مدركات الحرب النفسية الإسرائيلية وسمة الثقة بالنفس فقط، ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية· 3 - توجد علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين بعد إسقاط الإرهاب الإسرائيلي على المقاومة الفلسطينية المشروعة كمدرك من مدركات الحرب النفسية الإسرائيلية ومع سمات الثقة بالنفس والتفاؤل والبشاشة ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية· 4 - وجود علاقة ارتباطية سالبة دالة إحصائيا بين بعد افتعال الأزمات وإثارة الفتن كمدرك من مدركات الحرب النفسية الإسرائيلية ومع سمة الثقة بالنفس، وسمة التفاؤل والبشاشة· 5 - توجد علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين بعد تشويه الشخصية وإثارة عدم الثقة كمدرك من مدركات الحرب النفسية الإسرائيلية ومع سمات الثقة بالنفس والبشاشة ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية· 6 - توجد علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائيا بين أبعاد الحرب النفسية بشكل عام ومع سمات الثقة بالنفس والبشاشة ومع الدرجة الكلية لمقياس سمات الشخصية·