نظرة على الأحداث الجارية على الخارطة الجغرافية العربية، من الشرق إلى الغرب، أي من اليمن إلى مصر فالسودان فتونس فالجزائر طبعا دون أن ننسى العراق والأردن، لبنان وفلسطين، تحيلنا على وقائع خطيرة تعد برؤيا مستقبلية غامضة·· فهي إن لم تكن حربا على مستعمر فإنما هي انقسام الوطن الواحد، وهي وإن لم تكن إرهاب القاعدة فإنها انتفاضة شعوب ضد القهر والتسلط في الحكم الوطني، وهي وإن لم تكن انتفاضة الجياع كما يرددها الإعلاميون، فهي إفلاس الحكومات القائمة وعدم قدرتها على فرض قوة القانون لأنها لم تستطع أن تفرض قوة الدولة العادلة·· الدولة التي تسير بديموقراطية ونجاعة من خلال ديموقراطيين حقيقيين يتصفون بالشفافية والنجاعة، الأمل الوحيد في بعث الحيوية والاستقرار للشعوب، كي لا تعتبر نفسها شعوبا خارج نطاق الحكم أو خارج حدود التواجد ضمن الدول نفسها···؟ وقراءة لما يجري على الخريطة السياسية العربية، يدعونا أيضا إلى التفكير بجدية في مستقبل هذه الأمة، لأن التفرد في الحكم والعمل على البقاء فيه بطرق بليدة و''بايخة'' يحتقر فيها ذكاء الإنسان العربي، تحط من قيمة الحاكم العربي نفسه وتدعو إلى الاشمئزاز·· فكيف لحاكم في دولة يقال عنها جمهورية، وقد أثبت فشله في التسيير لمدة عشرين أو ثلاثين سنة، تم فيها تقسيم البلد، وتبين فيها عجز الحاكم وفشل رؤيته الاقتصادية والسياسية، أن يجدد لنفسه، وأن يطلب من الشعب أن يزكيه مدى الحياة·· أليس هذا في حد ذاته عقابا لهذه الشعوب·· واستخفافا بإنسانيتها، ودفعا لها للثورة والغليان··؟ وعندما أجد حركة الإصلاح الوطني، المشاركة في الرئاسيات الماضية، تركب أحداث العنف الأخيرة، وتدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مهمتها تعديل الدستور والتحضير لانتخابات تشريعية مسبقة وإعادة الصلاحيات لمؤسسات الدولة التي حسب قولها ''·· تم اختزالها جميعا في الجهاز التنفيذي''، وتطرح أرضية لميثاق الحقوق والحريات الديمقراطية في الجزائر·· وهي الحركة التي لم يكن لها أثر في الساحة الوطنية لا في استشراف الأحداث قبل حدوثها ولا في المساهمة في توجيه الأحداث عند حدوثها، أستغرب كثيرا·· وحتى وإن كنت أعرف واقع الأحداث في أي بلد في العالم، فكل الاتجاهات سواء كانت اقتصادية، سياسية، عسكرية أو حتى مخابراتية تعمل على ركوبها·· لكن أن يركبها حزب موجود في خارطة الأحزاب المشاركة في الحكم بحكم تواجدها على الأقل في المجالس المنتخبة وتتقدم بهذه المطالب وبهذا الطرح··؟ وهو ما أراه يفضي إلى قصر نظر هذه الأحزاب التي لم تفهم أن من قاموا بهذه الأحداث ليسوا بسياسيين، إلا إن كانت النهضة ومن سبقها ممن ركبوا الأحداث هم الذين حركوها، وهو أمر جد خطير لأنه يحيلنا على حركة خربت وحرقت البلد، فهل هذا ما تريده حركة الإصلاح لفرض مطالبها··؟ وهل تعتقد حركة الإصلاح أن وصفتها في حكومة وطنية هو الذي سيسكت الشارع الذي يعيش أصلا خارج الحكومة·· ؟ وماذا تقصد حركة الإصلاح الوطني بتعديل الدستور، وتشكيل ''حكومة جديدة مشكلة من كل الأحزاب السياسية مهمتها تعديل الدستور وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، كون كافة الوصفات العلاجية التي أقرتها السلطات أظهرت فشلها الذريع''، فهل كانت هذه مطالب الشارع··؟ وهل إن طبقنا ما تريده حركة النهضة سيحقق مطالب الشارع الآنية والمستقبلية··؟ قد نتفق مع قول منظري الحركة بضرورة عمل شيء ما، وإضفاء ديناميكية للحراك السياسي وحل إشكالية ضعف الجهاز التنفيذي أمام مجريات الأحداث: ''حاجة البلاد إلى استرجاع التوازن في السلطات، كون ما حدث - مؤخرا- من أعمال عنف جعل كافة مؤسسات الدولة تقف على أصبع واحد، مما أظهر أيضا بأن الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها اُختُزلت في الجهاز التنفيذي، وهو الأمر المنافي لسير نظام سياسي ديمقراطي''، ولكني أريد أن أسأل الحركة، من منعهم كحزب يعتبر نفسه مؤطرا أن ينزل إلى الشارع ويؤثر في مسار الأحداث، أو أنه يجب أن تكون الحركة في الحكومة لتستطيع التأثير في الأحداث، في الوقت نفسه الذي تعترف فيه بفشل الحكومة··؟ وأسألها ما الذي ستأتي به انتخابات برلمانية مسبقة إذا كانت ستقوم بنفس الدور الذي تقوم به اليوم، وماذا سيفيدنا تغيير حكومة بأخرى إن كانت ستكون بنفس التطلعات والممارسات··؟ وهل الانتخابات التشريعية المسبقة هي التي ستعيد الهيبة والمصداقية للدولة، أم مصداقية المنتخبين والحكام ونزاهتهم وتفانيهم في خدمة الوطن··؟ أنا معك يا حركة بأن صوت الشعب الحقيقي في المؤسسة التشريعية مغيب، ولكن ألا يعود ذلك للأحزاب نفسها التي اتفقت على تغييبه في البرلمان وفي الشارع والدليل عدم قدرتكم على توجيه الرأي العام··؟ فكيف لمن لا يستطيع توجيه الأحداث في الشارع أن يوجهها في البرلمان·· باسم من سيرفع صوته في البرلمان أليس باسم الشعب، إن العيوب التي تتحدث عنها الحركة الموجودة في البرلمان أو تلك التي طبعت تفكير السلطات المسيرة للدولة أو حتى تلك التي سيرت الأحداث ''إن ما جرى بالبلاد سببه أيضا القراءة الخاطئة للأحداث من طرف الدولة في بعدها الاجتماعي والسياسي''، فهل قراءتكم كانت مصيبة، وأنتم الذين أظهرتم غياب رؤية استقرائية لنبض الشارع مثل غيركم من الأحزاب السياسية الأخرى، والتي كان من واجبها أن تستمع للشارع وتعايشه وتتحاور معه قبل وأثناء الأحداث، فأين كانت الحركة يا ترى··؟ أما مبادرتكم الأخيرة التي أسميتموها ''أرضية ميثاق الحقوق والحريات الديمقراطية في الجزائر''، التي تنطلق من ديباجة مرتكزة على فشل التعددية التي نتجت عن أحداث أكتوبر ,88 فإنها، ما عدا عنوانها العريض، تدل على رؤية قاصرة ومحدودة لأنها تعتبر العنف الذي عصف بعدها بالبلاد ''كان تارة باسم الحفاظ على الدولة وتارة أخرى بحجة الدفاع عن اختيار الشعب''، ربما·· ولكنكم نسيتم وصفكم باسم الديموقراطية هذه مطالب النساء آنذاك في الكرامة والمساواة بالانحلال والاستغراب، ونسيتم ديكتاتوريتكم عندما طالبتم بحرق النساء اللائي طالبن بتعديل قانون الأسرة، ألم يكن نداء السيد جاب الله الذي كان رئيس حركة النهضة وقتها، ومؤسسا لحركة الإصلاح بعدها من قال ذلك·· فكيف تتبنون رئاسة من يطالب بحرق النساء الديموقراطيات، وتطالبون بالديموقراطية، أين كانت ديموقراطيتكم وقتها، أو تحسبون الديموقراطية فقط الحكم والوصول إلى السلطة··؟