أعاب المصريون الغاضبون، أمس، على قناة الجزيرة تجاهلها للاحتجاج العارم الذي اكتسح شوارع القاهرة وبقية المحافظات المصرية، إذ لم يجد الغضب الشعبي من سبيل للانتشار المباشر لوسائل الإعلام سوى الشبكة العنكبوتية التي قدمت تغطية لحظة بلحظة لكل ما يحدث. في غضون ذلك ظلت الجزيرة، الصرح الإعلامي العربي الأكثر شهرة وتميزا تسلط الضوء على سبقها الصحفي والمتمثل في الوثائق السرية المسربة لها والمتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية . حدث هذا في الوقت الذي كانت تشهد فيه المنطقة العربية تفاقم حدة التوتر والاحتقان، إذ لم تقتصر التغطية الإعلامية على تونس، بل امتدت إلى كل من مصر ولبنان، إلى جانب السودان التي شهدت أكبر تحول سياسي وجغرافي عرفته منذ الاستقلال، بعد انفصال الجنوب .كل هذه التوترات جعلت قناة الجزيرة، المصدر الأول للمتفرج العربي، أو لنقل المفضلة بالنظر لكونها الأكثر انتشارا وبالتالي الأقرب من مصدر الحدث، غير أن المتتبع لاحظ اختلاف مستويات التغطية التي تقدمها ''الجزيرة''، في إشارة إلى أن التغطية الإعلامية التي حظيت بها أحداث تونس لم تكن بذات درجة الأهمية التي تعاملت بها القناة مع تغطية أحداث مصر، السودان أو لبنان. ففي الوقت الذي كان فيه الشارع المصري يشهد احتجاجا لم يسبق له مثيل منذ اعتلاء الرئيس مبارك سدة الحكم، أي منذ ثلاثين سنة، اكتفت الجزيرة بتخصيص برنامج ''حصري واستثنائي'' حول وثائق سرية حصلت عليها، في سعي منها لأن تصنع الحدث، متجاهلة الحدث الدائر في مصر إلى غاية ساعات متأخرة من الليل، حيث عادت للحديث عن الأحداث المصرية .والعارفون بخبايا القناة يؤكدون على أن التوتر هو الميزة الثابتة في تغطية القناة لكل الأحداث المصرية، فقد سبق للنظام المصري الإدانة الرسمية لتغطية القناة القطرية لكل ما يتعلق بمصر، على اعتبار أنها تسعى للتهويل أو على حد قول الرسميين المصريين ''زرع البلبلة والفتنة'' في مصر، فيما تراه مصر تضخيم الأحداث المصرية .في المقابل ترى القناة أن المهنية تدفعها إلى تغطية كل كبيرة وصغيرة بغض النظر عن مكان حدوثها، لنجدها تتجاهل الحدث السياسي الأهم في مصر، ما دفع لإثارة العديد من التساؤلات. المثير أن مثل هذه التساؤلات لم تنتظر أحداث مصر لتلفت النظر بخصوص تناقضات القناة القطرية، ففي الوقت الذي يرى فيها الكثيرون أنها قناة التيار الإسلامي المحافظ، مستشهدين في ذلك بفتحها المجال لكل الإسلاميين بمن فيهم المحظورون للتعبير عن وجهات نظرهم عبر منبرها الإعلامي .في هذا المقام لا بأس بالتذكير بفرض القناة على الصحافيات حدودا معينة فيما يخص الأزياء، إذ يمنع إبراز جسد المرأة ولو تعلق الأمر باليدين، ما تسبب في استقالة عدد من الإعلاميات ممن اعتبرن أن الأمر تدخل وتقييد للحرية الشخصية .تماما كما أنها القناة الأولى التي فتحت المجال للإعلاميات المحتجبات، كلها مؤشرات تؤيد الموقف القائل بأنها قناة محافظة تميل للتيار الاسلامي، لولا بروز الرأي الثاني الذي يرى أنها قناة تهدف لتكريس العلمانية والتقارب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والقائلون بهذا الموقف يستشهدون بفتح المجال أمام القادة الغربيين لإبداء مواقفهم، مع الإشارة أن الأمر لم يقتصر على الرسميين الأمريكيين بل امتد للإسرائيليين. وبالعودة للحديث عن نوعية التغطية التي قدمتها ''الجزيرة'' للأحداث الدائرة في لبنان، نجدها ركزت على متابعة الحدث ثانية بالثانية ليس لأن ما يحدث بين الفصائل اللبنانية المتناحرة بلغ درجة من الخطورة، بل لأنه تم احتجاز طاقمها الصحفي والاعتداء عليه بالضرب، هكذا وجدنا القناة تربط بين الحدث وبين شهرتها، في محاولة ليس لنقل الخبر بل لأن تصبح هي الخبر، تماما مثلما حدث مع الوثائق المسربة لها بخصوص الملفات الفلسطينية، هذه الوثائق التي وضعتها على قائمة الأولويات اللازم نشرها، بغض النظر عن زيادة التوتر والقضايا المحورية التي تعرفها المنطقة العربية .كل هذه التساؤلات دفعت بالكثيرين إلى التشكيك في نزاهة القناة وخضوعها لمبدأ الموضوعية والمهنية دون باقي المعايير البعيدة عن مهنة الإعلام .بهذا الخصوص يرى الكثيرون من خبراء الصورة والصوت أن القناة، التي كانت السباقة في عالم الإعلام الإخباري والتي كان لها الدور الحاسم في تحرير الرأي الآخر والمعارض في المنطقة العربية، بعيدة عن الاستقلالية، في إشارة إلى أنها بالرغم مما تتوفر عليه من مهنية واحترافية، تظل غائبة في كثير من وسائل إعلام عربية، إلا أنها بالرغم من ذلك تظل تستجيب لأجندة سياسية محددة ومعينة، ففي نهاية الأمر يتعلق الأمر بواحدة من أهم وسائل الحروب الحديثة، الإعلام المرئي.