أية حماقة تلك التي يدعي أصحابها أن الثورة العربية ستمتد إلى جميع بلدان العالم العربي باستثناء الدول ذات النظام الملكي، وأنها في أسوء الأحوال، ستقتصر على مظاهرات محدودة تطالب بإصلاحات حكومية، كما حدث في الأردن· سمعنا هذا الكلام من مثقفين مغربيين، نسبة إلى المغرب الأقصى· قال واحد منهم: كل أسباب الثورة مهيأة في اليمن وسوريا والجزائر، كما كانت مهيأة في تونس ومصر، ولكنها غير موجودة في المغرب الأقصى· الفرق أن هذا الأخير مملكة دستورية، لا مجال فيها للحديث عن هيمنة الحزب الواحد· وسمعنا هذا الكلام من رجل آخر معروف هو الروائي الفرنكومغربي الطاهر بن جلون الذي انتقد بشدة فساد الأنظمة العربية، ولكنه توقف عند عتبة القصر الملكي·· كلها فاسدة إلا المملكة العلوية· وهو يشجع الشعوب العربية على الثورة مع اطمئنانه إلى الاستثناء المغربي· هذا الكلام ومثله يخفي مجموعة أشياء: منها أن المثقفين العرب إصلاحيون يحبون الحرية والديمقراطية، ويباركون انتفاضة الشعوب بشرط أن تكون بعيدة عن مجالهم الحيوي· ولا فرق في ذلك بين مثقف ينتمي إلى دولة ملكية النظام أو جمهورية· الملكيون يقفون عند عتبات الملك خائفين مرتعدين، والجمهوريون يقفون عند عتبات من نوع آخر كالجيش، وهذا ما يفعله مثقفون كبار في مصر من أمثال الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل والشيخ يوسف القرضاوي والمفكر محمد عمارة، كلهم يباركون الثورة ويرفعون أيديهم لها بالدعاء، دون أن يتجرأ واحد منهم على التعرض للدور الغامض للمؤسسة العسكرية· ومنها أن الأنظمة الجمهورية أقل شرعية من الملكية· الشرعية المغربية والأردنية أبدية ولا يجوز الثورة عليها مهما كانت درجة فساد الملك وحاشيته· وعندهم أنه يجوز للعائلة الملكية المغربية أن تستحوذ استحواذا كاملا على الثروة في البلاد، وأن تصنع قوانين التجارة على مقاس العائلة الملكة وأن تكون المسافة بين القضاء وبين العائلة الحاكمة بعيدة جدا· ولا بأس من تحالف رجال الأعمال مع الملك لنهب أموال الشعب، وأن تقسم الثروة بطريقة غير عادلة· ومنها أن الفكر السياسي العربي لا يزال متأخرا عن التطورات التي عرفها العالم منذ أكثر من ثلاثة قرون· لم يفهم أن الفرق كبير جدا بين النظام الملكي في المغرب الأقصى والأردن وبين النظام الملكي في بريطانيا والسويد· لم يفهموا أن الملكية الدستورية تعني صورة أخرى من صور الجمهورية، ولم يفهموا أن الضرائب في بريطانيا والسويد لا تدفع إلى الملكة وإنما تدفع إلى الدولة، ولم يفهموا أن الملكة في بريطانيا تؤدي وظيفة دستورية تتلقى عنها راتبا محددا يعرفه جميع البريطانيين· ومنها أن الشعوب العربية فهمت، في المغرب والأردن والعربية السعودية، أن المشكلة في النظام الملكي لا في الحكومات، وهي تنتظر من النخب المثقفة والسياسية أن تساعدها على تخطي عقدة الخوف·· إن الأردنيين يقصدون الملك وهم يثورون ضد الحكومة، والسعوديون يقصدون الملك وعشرات الأمراء الذين يشكلون بنيان العرش وهم يتظاهرون بمناسبة الفيضانات التي عرفتها مدينة جدة·