لاحظ الذين تابعوا قناة ''الجزيرة''، يوم السبت، أن نسبة الفائدة الإخبارية قارب الصفر، وأن عدد الأخبار المعادة تجاوز حد المعقول، ذلك أن تطور الأحداث في مصر بدأ يعرف نوعا من التباطؤ، ومع ذلك أعلنت القناة، أمس، أن بث نشرة المغرب العربي سيتأخر إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل·· يعني أنه على من أراد متابعتها أن يصل ليله بنهاره، وعلى الذين يريدون أخبارا عن اليمن وفلسطين والأردن وبقية العالم أن يبحثوا عنها في شريط الأخبار السريع وفي أوقات لا نعلمها· وعندما نقلب الصفة على القنوات الإخبارية الأخرى، نرى تناقصا محسوسا للوقت المخصص للثورة المصرية، وعودة تدريجية، ولكن واضحة إلى شبكة البرامج العادية· والفرق أن القناة القطرية تحسسنا أنها تقوم بمهمة تغذية الثورة وحملها على أكتاف مقدمين ينظرون إلى أنفسهم كجزء من القيادة، إنهم ينظرون إلى أنفسهم من خلال الثورة، والثورة هي سبب وجودهم، والصور التي يبثونها هي صورهم وهي تنعكس على سطح الماء عندما يطلون· هذه الطريقة في التعامل مع هذا الحدث بالذات تدغدغنا وتفرحنا، لأن قلوبنا مع الشباب المصري المرابط في ميدان التحرير، ولأننا نتمنى أن تتواصل الانتفاضة وألا يدخلها الوهن قبل أن تصل إلى غايتها، ولكنها طريقة تساهم، من جهة ثانية، في تغذية نظرية المؤامرة· هذه الطريقة تكشف لعشاق نظرية المؤامرة أن قناة ''الجزيرة'' جزء منها، وتعطي الفرصة لأمثال عمر سليمان أن يتهم من خلالها دولا أجنبية مثل إيران وقطر·· هذه الطريقة تعزز ما يقال من أن الثورة في مصر ليست شيئا سوى مؤامرة أمريكية وإسرائيلية كبرى ضد الأمة العربية· يعني أن الشعوب العربية وهي تثور ضد الحرمان والطغيان والظلم إنما تدخل، كما قال نائب الرئيس المصري، في إطار أجندات دولية معادية للأمة· يذكرنا ذلك كثيرا بالحملة التي قادها الإخوان المسلمون في السبعينيات والثمانيات على كتاب ''بروتوكولات حكماء صهيون''، مع الفارق طبعا في الطرح، ذلك أن الكتاب يتحدث عن مخططات صهيونية ضد الاقتصاد والدين والأخلاق والثقافة العربية، أما مخططات اليوم فيقول أصحاب نظرية المؤامرة أنها تسعى لخلق فوضى أمنية وسياسية في البلاد العربية· ومن أمثلة ذلك ما أوردته بعض الصحف الليبية عن الجنرال الإسرائيلي عاموس يعدلين، الذي يكون قد صرح بأن الإسرائيليين تمكنوا من زرع شبكة كبيرة من الجواسيس، لتنفيذ مخططات الهدف منها التحكم التام في الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية والسياسية في عدد كبير من الدول العربية، وأنهم قادرون على تحريك الأمور لصالحهم في أي وقت يشاءون، فهم الذين أشعلوا الشارع التونسي، وهم الذين قسموا السودان، وهم الذين يديرون الثورة المصرية، وهم الذين يقفون وراء أحداث الأردن واليمن، وهم الذين سيزعزعون استقرار سوريا والمغرب الأقصى وليبيا·· نعم الإسرائيليون يخططون ويفكرون وينفذون خططا يؤثرون من خلالها في المجتمعات العربية، ولكن لا نعتقد أنهم يخططون لثورة الشعوب على حكام أقل ما يقال عنهم أنهم فاسدون·