صورة الشروق الساعة العاشرة ليلا بتوقيت غرينيتش نشرة الجزيرة نقدمها لكم من العاصمة المغربية الرباط بهذه الكلمات وبصوت جهوري تدق قناة الجزيرة الباب للدخول إلى قلوب المشاهد العربي ترنّ في وجدانه شوقا ولهفا لسماع آخر أخبار بلده أو منطقته * لكن فجأة أسكت هذا الصوت.. الفاتح ماي الماضي وفي الوقت الذي اصطف فيه المشاهدون أمام الشاشة للاطلاع على آخر الاخبار إذ بهم يفاجَؤون بخبر عاجل، وهو قرار السلطات المغربية توقيف بث الجزيرة من الرباط لأسباب غير معلنة، بقيت مجهولة ولاتزال بل ولا يعرف الى متى؟ * بين تجاذب وتقاذف من المسؤولين المغاربة والمشرفين على قناة الجزيرة، يبقى لغز توقيف بث القناة يحيّر الكثير، فمثلما كانت مفأجاة سكان المغرب العربي سارة بهذا الاهتمام بالمنطقة أثناء بثها لنشراتها الاولى في عام 2006 مثلما زادت الحيرة عن أسباب توقيف البث من السلطات وهي التي سمحت بذلك لمدة قاربت 18 شهرا. * بين كل هذه المتاهات، حاولنا الخوض في القضية لكن بقي الأمر عصيا فهمه، فمدير القناة بالمنطقة نفسه لا يعلم الاسباب أو حتى إذا كان يعلمها فهو يقرّها في نفسه وسط تكتم تام من الأوساط الرسمية المغربية، ليفسح المجال للشائعات أو التخمينات التي تطلق هنا أو هناك. * * من هنا بدأت المشكلة؟ * لم يكن لدي الوقت الكافي للخوض في أدق التفاصيل، فلربما متابعتي للحدث والزيارة التي قادتني الى مقر القناة بالعاصمة المغربية الرباط منحاني مجموعة نقاط أوصلتني الى فهم الخطوط العريضة لأصل المشكلة. * يتردد بأن فتح مكتب للجزيرة بالعاصمة الرباط جاء في إطار نهج جديد اتبعته السلطات المغربية في ظل وجود إرادة سياسية لتحقيق انفتاح إعلامي. * وكان اتفاقا قد سرى بين إرادة قناة الجزيرة ممثلة في رئيس مجلس الادارة حمد بن ثامر آل ثاني ووزير الاتصال السابق للمغرب نبيل بن عبد الله، يقضي بالسماح بإنشاء غرفة ثانية للاخبار، وسارت الامور مثلما هو مسطّر لها، وبعد 18 شهرا من الود انقلبت الوضع رأسا على عقب بداية هذا الشهر دون سابق إنذار فما الذي حدث بالضبط؟ * * عدم الترويج للبوليزاريو.. * يقضي الاتفاق الموقع بين المسؤولين المغاربة والقطريين بفتح مكتب للقناة وتسهيل عمله بالرباط مقابل مجموعة نقاط واضحة وهي بالاضافة الى الامتثال للقانون المغربي، عدم الترويج للبوليزاريو أو أي مشروع لاستقلال الجمهورية الصحراوية عن المغرب. * في البداية، التزمت الجزيرة بهذه الشروط، وسارت الأمور سمن على عسل، لكن جريا على عادتها ما لبثت الجزيرة أن عادت لكسر الطابوهات. * وحسبما بلغنا من معلومات، فإن مكتب المغرب العربي كان يخضع لسلطة القرار من الدوحة ويبدو أن لهذا التدخل تأثير على مجرى الامور، علما أن مدير المكتب بالرباط هو الاعلامي المغربي حسن الراشدي المعروف بمهنيته العالية. * * تناقضات المغاربة.. وخطأ الجزيرة * ظل المكتب يسير برخصة من وزارة الاتصال المغربية، رغم أن في مثل هذه الوضعيات تتكفل الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري والتي استحدثت مؤخرا وهي مشكّلة من سبعة ممثلين أحدهم من الحكومة وأربعة ممثلين للاحزاب الأربعة الفاعلة في المغرب، إضافة الى اثنين يعيّنهما القصر الملكي الاول مهمته استخباراتية والثاني تقنية. * وحسب مدير مكتب الجزيرة بالرباط والذي كان صاحب المشروع ومديره الاول، فإن الوزير السابق طلب من الجزيرة العمل كشركة مغربية (برأسمال قطري) وإيداع الملف على مستوى الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري (الهاكا) ثم الالتزام بالنقاط المتفق عليها وفق قوانين البلد عبر دفتر اعباء (تحملات)، لكن مرت أكثر من سنة دون أن يتم إيجاد حل للقضية، فالملف بقي عالقا وبقيت الجزيرة تشتغل برخصة مؤقتة. * ويقول حسن الراشدي "وجدت نفسي أتنقل هنا وهناك، مرّ أكثر من أسبوع لم أذق طعم الراحة فتارة يتم توجيهي الى وزارة الاتصال وتارة اخرى يدعونني الى الاجتماع بهيئة الاعلام السمعي البصري وتارة الى جهات اخرى، لقد طرقت كل الابواب وتحدثت لمسؤولين في الحكم لكن القضية لم تجد الحل". * وتدفع الجزيرة ثمن عدم أخذها لكافة الامور محمل الجد فهي بالنظر الى القوانين الحالية في وضع غير قانوني طالما أنها غير مرخص لها من طرف الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري وظلت تعمل وفق رخصة مؤقتة بالبث من الرباط، لكن بالمقابل فهي لا تتحمل مسؤولية أخطاء الآخرين وتناقضات المسؤولين المغاربة، وهو مارجّح البعض لأن يكون القرار سياسي أكثر مما هو تقني أو قانوني. * وما يمكن قوله إن الجزيرة جازفت حينما شرعت في العمل بالرباط دون حصولها على ترخيص إداري يضعها في موقع قوة قانونيا وأمام الرأي العام. * * "هيكل.. القطرة التي أفاضت الكأس" * جاءت تصريحات الكاتب المصري الشهير حسنين هيكل في حصته "مع هيكل" لتهدم كل الذي بني من طرف مكتب الجزيرة في الرباط لعام ونصف، حينما أشار في شهاداته الى أن الملك الحسن الثاني حينما كان وليا للعهد هو الذي سرّب للفرنسيين خبر الطائرة التي أقلّت رموز الثورة الجزائرية مثل بن بلة، آيت الحسين، خيضر وكريم بلقاسم من الدارالبيضاء الى تونس، حيث تم تحويل وجهة الطائرة الى مطار الجزائر وإلقاء القبض عليهم. * وجاءت هذه الشهادات كالقطرة التي أفاضت الكأس بخصوص وضع الجزيرة في المغرب، خاصة وأن السلطات المغربية وجهت رسائل مشفرة وإيحاءات فيما قبل بعدم رضاها عن القناة في الآونة الاخيرة، في وقت تنصّل مكتب المغرب من القضية واعتبرها تخص المقر المركزي بالدوحة، حيث أدلى هيكل بشهاداته وهناك تم تسجيلها وبثها. * وكانت السلطات المغربية قد عبّرت عن تذمرها من بعض التقارير التي تبثها القناة منها التغطية الاخبارية للانتخابات التشريعية في سبتمر الماضي، والتي اتهمت فيها الجزيرة بموالاة حزب العدالة والتنمية الممثل للتيار الإسلامي، وهو الامر الذي لم يرق رئيس الحكومة الحالي ورئيس حزب الاستقلال صاحب الأغلبية عباس الفاسي. * ويقول مدير مكتب الجزيرة في الرباط بخصوص ذلك "طالعنا هنا وهناك في وسائل الاعلام أن إحدى الحلقات الاخيرة لحصة "مع هيكل" كانت السبب، لكن نحن الى حد الآن لم نستمع أي شيء من الجهات الرسمية، الى حد الآن لم توجه لنا أية ملاحظة تتعلق بالخط التحريري للقناة، علما ان هذه الحلقة وإذا اعتبرناها من اسباب اتخاذ القرار فهي لم تبث من الرباط". * * * التراجع عن قرار التوقيف ليس بقريب * رغم أن مدير مكتب الجزيرة أشار الى أنه تلقّى تطمينات من خلال حديثه لعدد من المسؤولين المغاربة، وكذلك لليونة التي تحدثت بها الجهات المختصة إلا أن فتح التراجع عن قرار وقف بث القناة من المغرب ليس بقريب، حسب المعطيات المتوفرة لدينا. * ولازال اعضاء الهيئة العليا للاعلام السمعي البصري لم يتوصّلوا الى قرار جامع، في وقت أبدت الحكومة ليونة ورغبة في التفاوض، بيد أن تشبك الوضع وتعقده يجعل سريان الامر بهذا الشكل وبقاء الحال على حاله. * لكن ما يخفف من وطء الأزمة هو مواصلة صحفيي القناة العمل بشكل عادي كمراسلين من خلال إعداد التقارير الميدانية، لكن مع إرسالها للدوحة لبثها من هناك بدل بثها في صورتها السابقة من الرباط. * * * الجزيرة تهدد بالجزائر والمغرب يخشى تحول الحليف الى عدو * لا مصلحة لأي طرف في تصعيد الامور، فالمغرب يعتبر في الوقت الحالي أن الجزيرة أخطأت وتجاوزت الخطوط الحمراء، لكنها بالمقابل لم تتخذ قرارا حاسما سواء قانونيا او على الاقل امام الرأي العام، وهو ما يجعلها في وضع حرج. * أما الجزيرة فقد وجدت نفسها في وضع صعب فالضغوطات كبيرة، ويبقى المطبخ الرئيسي للأخبار هو العاصمة القطرية الدوحة. * وبين شد وجذب لا يريد المغرب أن يفقد نقطة ايجابية كسبها وضحى بالكثير من اجلها في سبيل الانفتاح ودعم حرية التعبير، لكنها بالمقابل لا تريد كسب المزيد من المتاعب خاصة في هذا الظرف الحساس، لذلك فهي تحاول تجاوز الازمة على الاقل بتحييد الجزيرة مؤقتا من الصراع في المنطقة خشية ان تتحول من حليف الى عدو في حال أي قرار سلبي. * وبينما يتردد بأن مقر المغرب العربي سيتم تحويله الى إحدى العواصم الاوروبية كباريس او فرنسا، فإن ما تسعى الجزيرة إليه الآن هو لعب ورقة الجزائر كورقة ضغط، ففي حال نقل المقر الى الجزائر فإن ذلك سيكون ضربة قاسمة للمغرب خاصة في ظل التوجهات العريضة للقناة بخصوص قضية الصحراء الغربية. * ولاح في الافق مؤشرات فتح مكتب للجزيرة في القريب العاجل في ظل تصريحات الناطق الرسمي للحكومة ووزير الاتصال بوكرزازة، حينما أشار الى ان الجزيرة لم تتقدم بطلب، وحينما تتقدم بالطلب سيتم دراسته بشكل عادي، ضف الى الزياة الاخيرة لرئيس الجمهورية الى قطر وما عرفته من تلطيف للأجواء بين الجزائر وقطر. * * هنا مقر الجزيرة بالرباط * يقع مقر قناة الجزيرة بالعاصمة المغربية الرباط في أحد أرقى الاحياء المغربية، بحي سويسي حيث السكينة والطمأنينة في مكان بمعزل عن صخب المدينة وبالقرب من عدد من التمثيليات الدبلوماسية لعدة بلدان. * يبدو مقر القناة متواضعا حينما تشاهده من الخارج فهو عبارة عن جدار بسيط ألصق به شعار القناة وكتب باللغة الانجليزية (الجزيرة شانال) وعند مدخل الباب يوجه حاجز أمني يخضعك للرقابة بل انه لا يسمح لأي غريب بالدخول. * يضم المقر بداخله قاعة لتحرير الاخبار واخرى للاستديو المركزي، حيث تبث النشرة بالاضافة الى اقسام اخرى مخصصة للبث ومكتب المدير العام، وفي الهواء الطلق وفي أجواء تميزها الخضرة يتوفر المقر على مطعم بسيط جدا يزيح عن العمال عناء الذهاب بعيدا بحثا عن وجبة الفطور، بالاضافة الى مرافق أخرى. * * 62 عاملا من بينهم جزائري واحد * حينما ولجت مقر القناة كان في استقبالي الاستاذ عبد القادر خروبي وهو صحفي فلسطيني له باع طويل في الميدان الاعلامي، أبلغني بأن مدير القناة غير موجود لأمر طارئ ، كنت على علم مسبق بالموضوع لأن وجهتي الى الجزيرة كانت بغرض إجراء لقاء مع مدير المكتب حسن راشدي، قبل أن التقي صدفة بالزميل الجزائري بلقاسم جعفرية، كانت دهشتي كبيرة لأني لم أكن اعلم بوجوده مثلما كانت فرحته لا توصف وهو يتحدث لابن بلده بعد أن أنهكه العمل. * ويضم مقر الجزيرة 62 عاملا بين إعلاميين وتقنيين، جلهم مغربيون، وحينما سألت عن السبب أجابني احدهم بأن ذلك بغرض تخفيف الاعباء، بالاضافة الى امتيازات اخرى للمغاربة طالما أن المقر يوجد على أرضهم. * يقول مدير القناة "من بين 62 عاملا هناك 13 إعلاميا من مختلف الجنسيات من العراق، فلسطين، الجزائر، السودان، موريتانيا.. والبقية مغاربة". * * بلقاسم جعفرية ؟؟؟ في بلده * كانت الفرصة مواتية للقاء الصحفي السابق للتلفزيون الجزائري، ابلغني بانه لم يزرالجزائر منذ العام الماضي ويأمل في زيارتها شهر أوت المقبل، كان الحديث وديا عن آخر أخبار الجزائر والكثير من الامور توحي بحنينه الى الوطن. * لجعفرية حظوة بين باقي الزملاء وهو يعمل حاليا كمنتج لنشرة المغرب العربي، وهذا الامر ليس بالهيّن بل يحتاج الى خبرة ومستوى عال من الكفاءة. * بدأ بلقاسم يحكي قصة رحيله من التلفزيون الجزائري، بعد أن عزمني على الجلوس الى طاولة الفطور، قبل ان يمازحنا الزميل خروبي بانه يمنع الاكل على الضيوف. * قالها بدعابة ربما لتكسر الروتين الذي يسيطر عليه في عمله اليومي، كان محتارا في شأن موضوع بدا معقدا حول وفاة عدد من "الحراقة" في ظروف غامضة، هو عمل شاق يبدأ بتحديد اهم المواضيع ثم كيف يتم إعدادها قبل ان يتم ارسالها للمقر الرئيسي للدوحة لتنقح أو تبقى على ما هي لتظهر للمشاهد بالشكل الذي عهد مشاهدته. * في ظل كل هذه الأجواء ابلغني جعفرية قائلا "غادرت التلفزيون الجزائري بعد 12 عاما من العمل، لقد عشت في الجزائر الأيام العصيبة لسنوات التسعينيات وعملت بشكل عادي، لكن الوضع بقي على حاله". * التحق ابن سدراته بقناة العالم بطهران سنة 2002 واشتغل بها لأربعة أعوام قبل ان يلتحق بالجزيرة بالدوحة ومنها الى المغرب. * ويقول عن مكتب المغرب بانه يساعده بعض الشيء لأنه يعيش بين الشعب المغربي وكأنه في الجزائر لتقارب العادات والتقاليد. * ويعد بلقاسم جعفرية واحد من بين العشرات من الكفاءات التي تصنع ربيع القناة القطرية، فهو موسوعة بحق يحظى بمكانة محترمة بين الزملاء وود خاص من البقية. * حينما طلبت رأيه حول ما يدور من أحداث بدا جد متحفظ وقال بأنه لا يريد ان يطلق العنان لسانه لأن سلطة الامر والنهي والتصريح هي بيد المدير العام، أما عن الحديث باسمه الشخصي فهو يحاول تحاشي مثل هذه المواقف قدر المستطاع خشية تأويل البعض لكلامه. * * لا مجال للعشوائية * يخطئ من يتابع النشرات والتقارير الإخبارية لقناة الجزيرة على أنها يسيرة يدركها أيا كان، فطبيعة العمل شاق جدا يبدأ بالخصوص من منتصف النهار الى منتصف الليل دون انقطاع، وربما قد يتحين البعض الفرصة لتناول الشاي أو التحرك حينا في أرجاء المقر الا ان ذلك أمر عسير جدا. * يبدأ العمل منذ الصباح باجتماع تقني لتحديد اهم المحاور التي سيتم مناقشتها في عدد اليوم، وبعد تشاور على عدد من النقاطن يتم انتداب عدد من المراسلين او الاعلامين وفي غالب هم مغاربة مثل البقالي او اقبال الهامي بينما يتكفل البقية بمتالعة وكالات الانباء وما اوردته الصحف من داخل المقر. * ويتم تحديد هوية الضيوف مسبقا وبعد التشاور يتكفل أحد الصحفيين ويدعى الصحصاح من خلال الاتصال بالمعنين في وضح النهار لأخذ رأيهم في قبول او رفض المشاركة، فاذا رد بالايجاب فيتم الاتصال به ليلا على المباشر اما اذا رفض فيتم تعويضه بشخصية اخرى. * بعد إعداد كافة التقارير يتم إرسالها للمقر المركزي لإبداء رأيه فيها وفيما اذا كانت لديه ملاحظات ثم بثه في التوقيت العادي للنشرة ليلا او في مختلف النشرات الاخبارية التي تبث على مدار الساعة وفقا لطبيعة الموضوع. * عمل هو شاق جدا عبارة عن حلقة متواصلة تبدأ من اجتماع مبكر لتحديد المحاور الكبرى وينتهي باجتماع آخر لتقييم النشرة بعد بثها لتدارك النقائص في الفترات اللاحقة.