إن الوعي السياسي المزدهر هو الذي يساعد الشعب الجزائري على ممارسة الحرية السياسية ممارسة رشيدة، وأن ضعفه لا يقوم حجة لحجب أو التقليل من مساحته، بل إن توسيع دائرة الحرية السياسية في ظل ضعف الوعي السياسي يعتبر شرطا مهما لتجاوز مواطن الضعف تدريجيا. وعلى العكس، فإن الواحدية السياسية أيا كان لونها ستكرّس عوامل الضعف وتعمّق الجهل بحقائق الفكر السياسي. وإذا كان الوعي السياسي لدى شرائح الشعب الجزائري عاملا مساعدا في الممارسة السياسية الرشيدة، فإن دوره الفعال لن يتأتى بثماره إلا إذا توفرت فيه العناصر التالية: الشعور بالاقتدار السياسي: فالاقتدار السياسي ذهنية يشعر فيها المواطن الجزائري أنه يملك القدرة على فهم مواطن الصواب في النظام الاجتماعي الجزائري العام، فيؤازرها ويسعى إلى تثبيتها وتنميتها وفهم مواطن الخلل أو الاعوجاج، فيسعى إلى التنديد بها وكشف عواقبها السلبية على المواطن والوطن، وهذا حقه، ثم يبدي رأيه الصائب دون خوف من لوم أو عقاب. وحتى يكون لهذا الشعور أثره الفاعل، فلابد أن يشكل ظاهرة عامة بحيث يشعر كل أو أغلبية رجال السياسة بأنهم قادرون على التأثير في مجريات النظام الاجتماعي العام بالوسائل السياسية والدستورية السليمة سواء من خلال إبداء الرأي في مختلف القضايا التي ''تواجه المجتمع الجزائري أو من خلال توجيه النقد البناء إلى من يملكون القرار عندما يخطئون في القول والممارسة، كما أن هذا يسلتزم أمرين أساسيين وهما: الأول: أن يكون النظام السياسي مرنا في تقبّل الرأي الآخر. الثاني: أن يقتنع الفرد بأن رؤاه النقدية سوف تعيها آذان واعية، وأن لها قيمة ويمكن أن ينصت إليها، وهذا ما سوف أشير إليه، ألا وهو الاستعداد للمشاركة السياسية، وأعني بها إذا أنس المواطن الجزائري من نفسه قوة وقدرة من الناحية الشعورية، فعليه أن يعني بأن ممارسة الحرية السياسية ممارسة فعلية تقتضي أن يمد يده إلى غيره من أفراد المجتمع الجزائري، وأعني به رجالات السياسة الحقيقيين بغية المشاركة السياسية في صياغة السياسات والقرارات الهامة للبلاد. ومعلوم أن المشاركة السياسية تتدرج، فتبدأ من حق الفرد في التصويت، ثم بالمشاركة في المناقشات السياسية وتقديم الشكاوى والاقتراحات واكتساب عضوية التنظيمات الشعبية والترشيح للمناصب العامة وتنتهي بالوجود الفعلي في بنية السلطة. كما أن الممارسة السياسية البناءة تتطلب اقتناعا بضرورة وجدوى المشاركة، حيث ترقى هذه الأخيرة إلى مرتبة الالتزام والواجب، وأن تكون هذه المشاركة بوعي وإيجابية، وهذا معناه أن الذين يمارسون السياسة يتمتعون بقدر لا بأس به من الثقافة، لأن الحرية السياسية لا يمكن أن تؤتى ثمارها كاملة إن لم يكن رجالات السياسة قد وصولوا إلى مرحلة معينة من الثقافة. ومما لاشك فيه، أن وصول الشرائح الاجتماعية عندنا إلى ذلك القدر من الثقافة الذي يؤهلها للاستعداد للمشاركة السياسية مشاركة فعلية لا تأتي من فراغ، بل هو مرتبط بالقدر الذي نقطعه في ميدان التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه يجعل الفرد عندنا منشغلا باتباع حاجياته الأساسية، فتستغرق كل وقته وطاقته، ولا تترك له الوقت اللازم والكافي للمساهمة في الحياة السياسية. وعلى عكس هذا الوضع، يوفر التقدم الاقتصادي والاجتماعي الظروف الملائمة للتقدم المعرفي الملازم لاستعداد الفرد في المشاركة السياسية، فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي يحرر الإنسان عندنا من العمل المتواصل والانشغال المستمر لما يؤدي إليه من تغيير ظروف العمل وتقليل ساعاته، وهو بهذا يسمح بفترات من الفراغ يمكن استغلالها في التعليم واكتساب الثقافة، وهذه الوسائل تضع في متناول الجميع إمكانيات واسعة لاكتساب المعلومات وتنميتها، لأنه لا يمكن لنا أن نحقق شيئا مما نطمح إليه إذا لم نحرز بعد على قسط من النضج والوعي السياسي، ومن روح الجماعة والوعي السياسي ومن الإحساس بشعور التضامن الاجتماعي، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، لابد من إفساح المجال للحرية السياسية للمجتمع السياسي الجزائري لرسم المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد من خلال القواعد الشرعية التي يؤمن بها الأغلبية من أفراد المجتمع الجزائري، وبناء بلادنا اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وثقافيا ومواجهة التحديات الخارجية على أن لا نعطي القداسة التشريعية أو القداسة البشرية لتجارب بشرية قادها ونظّر لها مجموعة من البشر، يعتريها ما يعتري الطبع البشري من الخطأ والصواب، كما أنه لا يجب أن نجمّد فكرنا عند حدود تجارب بشرية بحجة أتت بمبادئ وأهداف لا يجوز الخروج عليها مع أن هذه الأهداف وتلك المبادئ قد تكون وليدة ظروف موضوعية محكومة الزمان والمكان، ومن ثم فإنها تكون عرضة للتبديل والتغيير. كما لا ننسى بأن الدستور في الدولة الديمقراطية يحرص دائما على تقرير وتأكيد الحريات العامة لجميع المواطنين، ثم إن الحقوق والحريات السياسية من أهم أنواع الحقوق والحريات للمواطن، فهي مكمّلة لكيانه وشخصيته، فلا يشعر بوطنيته إلا بممارسته لحقوقه السياسية التي هي حقا وواجبا وطنيا في تعددية حقيقية يصبح الشعب الجزائري بفضلها هو المهيمن على قدراته أساسا، وذلك بأن يفسح له المجال ليكوّن مؤسساته السياسية الحقيقية التي تكون تعبيرا حقيقيا عن اتجاهات شعبية أصيلة لها قادتها وزعماؤها ولها برامجها وأهدافها ولها صحافتها الحرة المعبرة عنها، كما أنه من الحقوق الأساسية للمواطنين تكوين الأحزاب السياسية شريطة أن تبني مشاريعها وبرامجها على الركائز الأساسية للشعب الجزائري التي تمثل هذه الركائز ثوابته الوطنية، الإسلام واللغة العربية وكذا الأمازيغية والنظام الجمهوري، وأن لا تستعمل هذه الثوابت كشعارات لتحقيق أغراض حزبية، بل إن هذه الثوابت يجب أن تمثل الروح بالنسبة لأي مشروع تتبناه هيئة حزبية، وهذا معناه أن كل مشروع يقام في الجزائر يجب أن يقام في إطار المبادئ الإسلامية، وهذا محافظة على أمانة أسلافنا التي وردت في بيان أول نوفمبر ,1954 هذا من جهة. ومن جهة ثانية، ألا ترتبط بدولة أجنبية في ولائها والفصل في ذلك أو في أي اتهام آخر لحزب من الأحزاب من حق القضاء المختص كي تتحكم السلطة التنفيذية في هذا الحق وفي الحريات السياسية الأخرى للتخلص من المنافسين والانفراد بالسلطة دون الأخرين، مع أن هذا الشعب في حقيقته هو مجموعة من الأفراد ومن بديهيات الأمور أن الفرد الجزائري لا يستطيع أن يواجه السلطة أولا، ولا أن يتحداها، فالسلطة لا تحدها ولا يوقفها إلا سلطة، ولذا لابد أن يكون للشعب الجزائري من التنظيمات السياسية ما يجعله قادرا من خلالها أن يفرض إرادته في مواجهة مشاكله. فالأحزاب السياسية في الجزائر من المفترض أن تحل جميعها وتحاسب على أموال الشعب التي استهلكتها دون أن تقدم للشعب خدمة تذكر. أما فيما يخص حزب جبهة التحرير الوطني، فتذهب إلى المتحف وتبقى إرثا للجميع، وتكوين أحزاب جديدة من أجيال جديدة حتى تكون هي الأصل الذي يجب أن تنبع منه كل سلطات الدولة الجزائرية، فمن الطبيعي في داخل المجتمع أن تتعدد الآراء وأن تتباين وجهات النظر بحكم الاختلاف والتباين بين الأفراد، وهذا الاختلاف والتباين ضروري لإثراء الساحة السياسية الجزائرية وتعميرها وتقدمها، ولكي يصبح لهذا الاختلاف معنى في حياة المجتمع لابد أن يكون الاختلاف منظم، وهذا التنظيم يشمل ناحيتين: أن ينظم كل أصحاب اتجاه صفوفهم في جمعية أو حزب معروفة مبادئه، محددة أهدافه، مفتوحة أبوابه لكل من يريد الانضمام إليه من المواطنين. أن تنظم أصول الحوار بين الأحزاب المختلفة، وهذا أمر طبيعي لأن المفروض أن الجميع يضمهم وطن واحد وروابط مشتركة، وإذا كان هناك اختلاف فإن كل فريق يرى أنه عن طريق برامجه وأهدافه يمكن أن يحقق أكبر قدر من الصالح العام للمجتمع الجزائري، هذا مع توفير وتوافر أجهزة إعلام حرة ومستقلة تساهم في خلق قوة الرأي العام الجزائري بما تنقله إلى الشعب من حقائق وما تضمه وتضعه أمامه من مختلف وجهات النظر وتزويده بالمعلومات الدقيقة والأخبار الصحيحة والحقائق الواضحة والنتائج المبنية على الأرقام والإحصائيات، إعلام يقوم على الصدق والحقيقة، ويبتعد عن الدعاية الزائفة، بل عليه أن يؤدي دوره في نقل صورة آمنة للأحداث العامة إلى الشعب، وهذا لتعميق الوعي لدى الجزائريين بثوابتهم الوطنية والعمل على تحقيق الأهداف الوطنية والعمل على تحقيق الأهداف الوطنية التي تجمع ولا تفرق، وتدفع للتقدم في جميع المجالات التنموية، ولا تدفع للتأخر والتناحر في ظل ديمقراطية متكاملة فكرا وسلوكا تضمن الحريات وإقامة علاقات سوية بين مؤسسات السلطة وبين الشعب والدولة وبين الفئات الشعبية نفسها وبين المواطن والوطن في ظل تعددية حزبية جديدة وحقيقية وحقيقتها هي: إنها الإطار المناسب لنمو وازدهار الرؤى التفصيلية في القضايا الاجتماعية العامة التي تصدر عن القواعد الكلية للأرضية المشتركة التي يؤمن بها الحاكم والمحكوم. إنها تمثل القنوات العملية المنظمة التي تمر عن طريقها تلك الرؤى التفصيلية لتصل إلى القواعد الشعبية. إنها تسمح بمناقشة تلك الرؤى مناقشة تفصيلية ومستفيضة، وهو الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى التفاف جميع الآراء أو غالبيتها حول الخيار التفصيلي الأصلح. إنها تؤدي إلى وجود الأطر المناسبة لتبادل الآراء بغية اتخاذ المواقف الصحيحة حول الأوضاع الراهنة والحوادث المستجدة وعرضها على القواعد الشعبية عبر الوسائل الإعلامية الوطنية. إنها تعد الضمانة الفعالة بيد القوى الشعبية تمكنها من كف يد المسؤول عن الاتجاه الخاطئ في سياسة البلاد وعن سوء ممارسة مهام السلطة