تحدث الفنان الشاب أنور المعروف بلقب جوهرة تلمسان في هذا الحوار عن مسيرته الفنية، مؤكدا أن فضل نجاحه يعود إلى والدته، كما تحدث عن الإقصاء الذي عرفه بعض الفنانين في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. سجلت حضورا قويا على الساحة الغنائية الجزائرية منذ أن كان عمرك 11 سنة، فأين أنت الآن؟ صراحة الفنان بالجزائر يفني عمره في خدمة الفن ويقدم أجمل الأشياء لجمهوره سواء كان في فن الغناء أو التمثيل المسرحي أو السينمائي غير أنه مجبر على دخول مرحلة التهميش، أصبح الفنان في الجزائر مجبرا على قرع الأبواب بل ودخول الجحيم من أجل القدرة على الاستمرار، لهذه الأسباب أفضّل الغياب بدلا من التراجع فنيا، كما أن الظروف التي عرفتها الجزائر كانت وراء تراجع العطاء الفني، ففي تلك الفترة شهدت أعمالي تراجعا كبيرا وكادت ألبوماتي أن تصبح في خبر الماضي لو لم تساهم الحفلات في باريس في إبقائي على الساحة الفنية. أما غيابي في الوقت الراهن فأرجعه إلى سوء البرمجة لمؤسسة فنون وثقافة، حيث تتعمّد إقصاءنا من نشاطاتها الثقافية التي تحييها من حين إلى آخر، وأجهل أسباب التهميش الممارس على الفنانين من ولايات الغرب الجزائري خاصة ولاية تلمسان، لكن رغم الإقصاء فإنني لا أستسلم لليأس وأعمل جاهدا على تقديم الأجود لجمهوري الذي وضع ثقته فيّ، ودليل ذلك إصداري في كل سنة ألبوم غنائي يصنع البهجة وسط الجزائريين. سبق لك وأن قلت إن ولاية تلمسان تعيش حالة من التهميش، فما تعليقك على احتضان مدينة تلمسان أكبر تظاهرة ثقافية ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' بمشاركة 800 فنان جزائري؟ إذا قرأنا الحدث من وراء الأسطر، وتمعنا بدقة في كلمات ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' نجد أن مدينة تلمسان تستحق بالفعل هذا اللقب وأنها مؤهلة ثقافيا وتاريخيا وحضاريا لاحتضان الحدث الثقافي الضخم، غير أن الأمر المؤسف بالتظاهرة أن فناني المنطقة عرفوا إقصاء روحيا قبل أن يكون إقصاء ماديا، فلا نجاح لتظاهرة دون أهلها فتقريبا معظم فناني المنطقة لا يشاركون في العرس الموجود بعقر ديارهم وأجهل الأسباب، فمثلا الشاب أنور تاريخه الفني يشهد عليه وحضوره دليل كاف على عراقة طابعه الغنائي، غير أنني وللأسف لم أحضر الافتتاح الشعبي الذي أعلنت عنه مؤخرا وزيرة الثقافة بتواجد الكثير من الشخصيات وحضر من تلمسان إلاّ الحاج غفور الفنان ابن المنطقة القدير، لكن هذا لا يمنع من حضور جيل آخر يمثل الفنانين الذين تميزوا بلمساتهم الفنية الخاصة منهم حاج قاسم وشاب أنور لما لا؟ وريم حقيقي وغيرهم من المثقفين بالولاية، والملفت للانتباه أين مشاركة أبناء تلمسان من الفنانين في هذا الحدث العظيم؟ وأين محل فناني المدينة من مشاركة العدد الهائل من الفنانين القادمين من مختلف مناطق الوطن؟ وهذا لا يعني أنني جهوي ومنغلق على نفسي وإنما غيور على الفن التلمساني العريق، وحسب ما اطلعت عليه من بعض المصادر، فإن كل شيء يتعلق بالتظاهرة قادم من العاصمة والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تقم التظاهرة هناك؟ وأطلق عليها نفس الشعار وأؤكد للجميع إنني لا أتطاول بحديثي على التظاهرة وإنما مجرد غيرة أي فنان جزائري على فنه. عرفك الجمهور بطابعك الجزائري المغربي لمدة طويلة، هل تفكر في تغيير ذلك مثل فنانين آخرين الذين عصفت بهم ريح التغيير؟ والله لا يمكنني تغيير الطابع الغنائي الذي شهد الجمهور بنجاحه، ومن جهة أخرى، فإن شخصيتي وتربيتي لا تسمحا لي بأداء الأغنية الساقطة التي لا تتماشى ومبادئي التي تلقيتها من والدي فمثلا والدتي أطال الله عمرها تذكرني دائما بالأصول الحقيقية لبقاء الفنان وفنه الراقي طيلة الحياة، والأمر المهم في حياتي أن أكسب جمهورا يحبني ويحترمني قبل أن أكسب مبالغ ضخمة تجعلني دائما في مرتبة الفنان الذليل الذي يغني من أجل لقمة خبز حتى ولو كانت على حساب كرامته وعزة نفسه. وما وجهة نظرك بخصوص الفنانين الذين اعتزلوا الغناء العصري واستبدلوه بأداء طابع الأناشيد الدينية؟ بصراحة الفنان الذي يتميز بمبادئه العالية وأغانيه الراقية ذات الكلمة النظيفة، ليس بحاجة لتغيير طابعه الغنائي من أجل تحقيق غرض أو مصلحة ما، ومرات أخرى يتلقى الفنان من جمهوره تشجيعا غير متوقع، حيث يدخل الفنان بشكل تلقائي مع جمهوره ويزوده باقتراحات ويطلب منه أداء طابع ما يتماشى ونبرات حنجرته، غير أن هذا لا يمنع من أن أقوم بأداء الأناشيد الدينية، أما بالنسبة للفنانين الذين توجهوا لأداء الأناشيد، فإنني أكن لهم الكثير من الاحترام، لكنني أرفض أن يتستروا باسم الدين تحت الأنشودة الدينية. سبق لك وأن قمت بالإنشاد رفقة المنشد الشاب جلول، كيف وجدت التجربة؟ أجل صحيح بعد أن طلب مني المنشد جلول أن أشاركه ديو أناشيد دينية قبلت بالفكرة على الرحب والسعة، غير أني حين توجهت إلى الاستديو للتسجيل، فاجأتني الكلمات الموجودة بالأنشودة ورأيتها قريبة من كلمات أغنية طابع الراي وطلبت من صديقي جلول ألا يصدرها بالألبوم بعد أن تيقنت أن العمل لا يتماشى مع مبادئي، لكن وللأسف جلول خان الثقة ولم يأخذ طلبي بعين الاعتبار. البعض من المخرجين السينمائيين يرون فيك مميزات التمثيل السينمائي، هل فكرت في ذلك؟ عرض عليّ شخصيا بارت ليش المخرج السينمائي الإيطالي أن أشاركه البطولة في فيلم سينمائي، كما عرض أكثر من مخرج جزائري أن أشاركه بطولة فيلم أو مسلسل يروي مسيرتي الفنية، غير أنني رفضت ذلك وهذا لا يعني أنني ضد الفكرة وإنما أملك طموحات بالموسيقى أسعى لتحقيقها كأداء الأغاني الدينية وإعادة أداء النوبات الأندلسية والحوزي وبعدها أفكر جدياّ في مشروع التمثيل. ما هي أهم المشاركات التي قمت بها خارج الوطن؟ مثلت الجزائر في أكثر من محفل فني دولي، حيث شاركت في الأسبوع الثقافي في الإمارات العربية في كل من الشارقة وأبو ظبي واستطعت بأدائي المتميز أن أخلق جمهورا عربيا ذواقا للأغنية الجزائرية، كما سبق لي المشاركة بالمهرجان الرسمي بمونريال دون أن أنسى مشاركتي بمهرجان المغرب رفقة الشاب خالد في كل من السعيدية ووجدة ودار البيضاء إلى جانب المهرجانات الوطنية سابقا. علمنا أنك تنتظر مولودا؟ أجل هذا صحيح وهذا بعد ثمرة زواجي السنة الماضية بالمرأة التي سترافقني العمر كله، ففي الأيام القريبة سأرزق بمولود وسأصبح أبا وأتمنى أن أكون على قدر المسؤولية اتجاه أسرتي. هل تفكر في بعض المرات في اعتزال الفن؟ حين أرى الوضعية المزرية لبعض الفنانين بالجزائر أفكر مليا في الاعتزال خاصة حين أرى الفنان هو الخاسر بالدرجة الأولى، الفنان بالجزائر لا قيمة له ولا حقوق تؤمّن له حياته، شخصيا لا أريد أن أموت بالطريقة التي توفي بها جيلالي عمارنة ولا أحمد وهبي، كما أنني أفكر بالقيام بمشروع تجاري يؤمن لي حياتي المستقبلية غير أنني لم أقدر على ذلك وأدركت أن الفن يجري بعروقي.