بكثير من التشاؤم تحدث، محمد أرسلان، عن التمثيل في الجزائر حيث أكد في حديثه ل ''الجزائر نيوز'' أنه لا يشرفه المشاركة في مسلسلات جزائرية كونها أصبحت جد رديئة ولا تتماشى وعطائه الفني، كما صرح في هذا الصدد أنه ليس على استعداد لأن يخسر جمهورا كبيرا يكن له الكثير من التقدير والاحترام، كما تحدث أرسلان عن تجربته في الفن التشكيلي، مشيرا إلى أن فن الرسم هو متنفسه الوحيد للخروج من آلام الواقع· محمد أرسلان يعتبر من الوجوه الفنية التي حققت نجاحا في التمثيل المسرحي والتلفزيوني، فكيف كانت رحلة التمثيل من الخشبة إلى عالم المسلسلات؟ أنا مولع بالفن منذ الطفولة غير أن الانطلاقة الرسمية كانت في سنة 1970 حين التحقت بالمسرح وأخذت خلالها أتلقن فنون التمثيل المسرحي على يد كبار المسرحيين الذين أحدثوا ضجة فنية ومسرحية في تلك الفترة وبعد الدراسة التي تلقيتها وجدت نفسي أتقن كل الأدوار على الخشبة، غير أنني تفننت أكثر في الأدوار الكوميدية، وخلال فترة قصيرة من بدايتي المسرحية استقطبت جمهورا كبيرا بل أصبحت آنذاك أكثر طلبا، وهو الشيء الذي دفع المخرجين المسرحين للتعامل معي بكثرة بالمقارنة مع جيل تلك الفترة، وأعتقد أن الخشبة لها الكثير من الفضل حيث مهدت لي الطريق لدخول مجال التمثيل في المسلسلات التلفزيونية دون استئذان، وفي بعض المرات أرى أن مشاركتي في التمثيل التلفزيوني كانت صدفة فمثلا في مسلسل ''المصير'' كان لي الشرف أن أتعامل مع كبار الفنانين الجزائريين كالسيدة صابونجي ونورية وأعمر معروف والمرحومة صباح الصغيرة والمرحوم مجوبي· كان لك ظهورا قويا في المسلسلات الرمضانية غير أن ما شهدناه مؤخرا هو غيابك التام عن التمثيل في التلفزيون، إلى ماذا ترجع ذلك؟ بصراحة، لا يشرفني المشاركة في الأعمال التلفزيونية التي تعرض حاليا، فكيف لفنان بمكانتي أفنيت عمري في خدمة الفن الجزائري أجد نفسي في رمشة عين أقوم بأدوار لا تليق بمقامي ورصيدي الفني، لست مستعدا لأن أخسر الجمهور الذي عرفني بمستوى راق من خلال تقديم أعمال رديئة ففي بعض الأحيان أبكي في صمت على الوضعية التي آل إليها الفن الجزائري بكل أنواعه، ففي فرنسا تركت إرثا ثقافيا ومعرفيا كبيرا سواء في المسرح أو التمثيل السينمائي غير أنه للأسف لم يتمكن المهتمون من المحافظة عليه وأصبح كل شخص في غير مكانه، فمثلا المخرج المسرحي في الوقت الراهن أعماله المسرحية لا تشبه الأعمال التي ألفناها في الماضي، أما بالنسبة للممثلين من جيل الجديد فبمجرد أن يقدم عملا مسرحيا على الخشبة تكتشف فيه ذلك الغرور، والشيء الذي يؤسفني أنني أشعر أن هؤلاء لا يملكون المسؤولية الكافية تجاه الفن، وأعتقد أن سر النجاح في أي ميدان فني على كل فنان أن يعرف نفسه جيدا، كما أنه مطالب بمعرفة قدراته الفنية جيدا، كما عليه أن يعرف حدوده قدر المستطاع وليس من حقه التطاول على غيره دون معرفة مسبقة، وإذا عدنا للحديث عن المشاركة في المسلسلات التلفزيونية أقول أنني غارق بكل مشاعري في الفن التشكيلي حيث أجد نفسي ضمن مسؤولية متبادلة، والأفضل من ذلك حين أقوم بالرسم أشعر بلقاء مع نفسي بطريقة فنية عميقة بعيدا عن التمثيل الذي أصبح اليوم يغرق في الأشياء البعيدة عن المجتمع الجزائري فمثلا في السابق حين كنت أقدم عملا مسرحيا أو تلفزيونيا تجد المخرج يهتم بالتفاصيل الدقيقة للحياة من خلال عكسه لواقع المجتمع رغم الإمكانيات البسيطة، في حين نشعر اليوم أن الفن تخلى عن مكانته المقدسة وأخذ منعرجا تجاريا فارغا من المحتوى المنشود· لماذا هذا التشاؤم تجاه الفن؟ الواقع الذي يعيشه الفن بمستواه الرديء هو الذي يدفعني إلى أن أراه بالمنظار الأسود، بالفعل الدخلاء كسروا كل القواعد المتعارف عليها، كما قاموا بمحو كل شيء جميل يتعلق بالفن بل دفعوا الكثير من الفنانين بأفكارهم الخاطئة لأن يبتعدوا عن الفن الحقيقي وأصبحوا يهتمون بالمظاهر فقط متناسين العمق والأصل· سبق وأن قلت أن الفن التشكيلي فن أراحك من الواقع المؤلم كيف ذلك؟ بالفعل هذا صحيح، الفن التشكيلي بالنسبة لي هو الملجأ الوحيد الذي أراحني من الواقع المؤلم الذي يعيشه الفنان بالجزائر، فالفن التجريدي يجعلك سيد نفسك ويجعلك تسبح في عوالم القيم والمثل بعيدا عن التدني الحاصل في الساحة الثقافية عامة، فمثلا وأنا أرسم أشعر بعمق الريشة حين تعمل على المزج بين الألوان، كما أشعر بالحب والفرح لأنني أملك قوة فنية تنسيني مأساة الثقافة بالجزائر· بما أنك تحدثت عن وضعية الفنان كيف تراها؟ ما يمكنني قوله هو أن وضعية الفنان بالجزائر ليست بخير والسبب يعود إلى غياب سياسة ثقافية واقعية، أعتقد أنه في وقتنا الحالي كل الإمكانيات متوفرة لكن للأسف كل واحد منّا ليس في مكانه المناسب، لكن بما أنني أؤمن بقداسة الفن سأحاول قدر الإمكان أن أعمل من أجل النهوض به· من يتحدث معك ويستمع إليك يشعر بأنك نادم على عدم الهجرة إلى الخارج؟ لم أفكر في الهجرة إلى الخارج لسببين أولهما عائلتي فلا يمكن أن أترك والدتي وأبنائي، أما السبب الثاني فهو أنني فنان تشكيلي وقد ساعدتني الريشة كما سبق لي الحديث أن أنسى الهموم الموجودة في المجتمع الجزائري، فبمجرد أن أدخل الورشة أترك كل الأشياء التي لا علاقة لها بالرسم خارج الجدران· لعل الرحيل الأبدي لوالدتك أثر بشكل كبير على حياتك الفنية؟ أكثر مما كنت أتصور، فوالدتي التي فقدتها منذ شهر ونصف، رحمة الله عليها، تقاسمت معي كل الأشياء الجميلة في حياتي، كما أنها قامت بمساعدتي لفترة في تربية أبنائي وأعتقد أن حنان الأم هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يعوض· هل يسمح أرسلان لأبنائه يوما لممارسة التمثيل؟ ما دام أبنائي تحت رعايتي فلا أفضل أن يتوجهوا إلى الفن وخاصة التمثيل، لأن بصراحة الفن مات في بلادنا وأتمنى أن يواصلوا دراساتهم لكن إذا أصروا على دخول عال الفن فسأفضل أن يتوجهوا إلى الموسيقى الكلاسيكية الراقية أو إلى الفن التشكيلي·