نزاع الإرادات القائم في اليمن بين غالبية عظمى من اليمنيين بمختلف أطيافهم السياسية والمذهبية والقبلية وبين النظام الحاكم متمثلاً في الرئيس علي عبد الله صالح وبعض أركان حكمه، لم يعد نزاعا ثنائيا كما هو معهود بين ''قوى معارضة - وقوى حاكمة'' بقدر ما أضحى واضحا أن هناك صراع إرادات أخرى تدير المعركة بطريقتها الخاصة بعيدا عن ميداني: التغيير والتحرير· الأمر هنا لا يتعلق بتلك التهم الجاهزة التي يلقيها البعض على ''معارضيه'' بأنهم يرتبطون بعلاقة ما مع الخارج أو حتى العكس، ولكن مما لا شك فيه أن هناك قوى إقليمية ودولية تنظر اليوم إلى اليمن بقلق كبير وتحاول إنقاذ مصالحها الاستراتيجية في هذا البلد الذي ظل مستقرا لأكثر من ثلاثة عقود بعيدا عن تهديد حقيقي للنظام القائم باستثناء حرب 94 التي مثلت تحدياً مباشرا لنظام المؤتمر الشعبي، وقد تجاوزها معتمدا على تحالفاته الدولية والإقليمية· والحقيقة أن الموقع الجغرافي الذي يحتله اليمن بإعتباره البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، وتحكمه في الممر الذي يصله بالمحيط الهندي، ومنطقة خليج عدن حيث يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة·· ويتحكم كذلك بطرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا، بالإضافة إلى ثقله السكاني، كل ذلك قد أثّر في وضع هذا البلد على صادرة الإهتمامات الدولية والإقليمية لما يمثله من ثقل في المشهد الجيو استراتيجي للمنطقة ككل· فلا يمكن تصور إمكانية ضمان استمرار تدفق الثروة النفطية من مناطق الانتاج (في الخليج العربي) إلى أوروبا وأمريكا دون ضمان الأمن والاستقرار في اليمن الذي يقف في عنق الزجاجة بالنسبة للملاحة الدولية في هذه المنطقة نظرا لتقاسمه التحكم مع كل من جيبوتي وارتيريا في تأمين مضيق باب المندب· كما أن طول الحدود البحرية لليمن ومخاطر تهريب الأسلحة والمخدرات إلى الدول المجاورة خاصة مع وجود صراعات عسكرية في دول القرن الإفريقي المطلة على الجانب الآخر من البحر الأحمر وخليج عدن وخاصة الصومال واستمرار الصراعات والحروب الداخلية فيها واستمرار الصراعات فيها وما ينشأ عن ذلك من تبعات تمتد إلى دول الجوار، إن كل ذلك يستدعي بناء واقع جيو سياسي متين يجمع اليمن مع دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، والدول العظمى من الجهة الأخرى بشكل يربط الأرض بالأمن والاقتصاد ويعزز الدور الحيوي لمجمل دول الإقليم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحماية المناطق الغنية بالطاقة عن الإرهاب الدولي· لذلك بقى اليمن لعقود مثار اهتمام القوى العظمى ومركز استراتيجياتها الإقليمية والدولية في صياغة ممرات آمنة للملاحة الدولية سيما ما يتعلق منها بالطاقة، فضلا عن جعله بمثابة السد المنيع لدرء اختراق الجماعات الإرهابية لأسوار الجزيرة العربية وصولاً لحقول النفط· ولعل الإهتمام الدولي الكبير بليبيا عوض اليمن الذي سبقت ثورة شعبه المشتعلة قيام ثورة السابع عشر من فيفري في ليبيا، هو جزء من تلك الحقيقة المتمثلة في محاولات القوى الإقليمية والدولية حماية ''نظام علي عبد الله صالح'' أو على الأقل التمهل لحين الإطمئنان على بديل مناسب له يوفر الخدمات التي ظل يقدمها ''صالح'' لأكثر من ثلاثة عقود لصالح القوى المحلية والدولية· وبالرغم من التطورات الدراماتيكية التي شهدتها ساحة الصراع في اليمن، سيما منذ الجمعة الدامية التي سقط فها عشرات القتلى من المتظاهرين، وانضمام أعداد متزايدة من المسؤولين السابقين ''عسكريين، ديبلوماسيين، حزبيين·· الخ'' إلى جبهة المعارضة إلا أن القوى الدولية لا تزال تتلكأ في اتخاذ تدابير واضحة تجاه هذه المعضلة·