ماذا كان يحدث لو أن اليابان قررت بعد الحرب العالمية الثانية أن لن يغمض لها جفن ولن يطمئن لها مقام ما لم يتم إحقاق الحق وإقامة العدل بضرب الولاياتالمتحدة بالقنابل الذرية كما فعلت هذه الدولة بالضربات النووية الإجرامية والبربرية والمنافية لكل الأعراف الإنسانية وقواعد الحرب المرعية لكل من هيروشيما وناجازاكي؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لليابان إذا ما قررت أنها لن تنام ليلا ولن تصل صبحا ولن تغشى مساء حتى يتم تحرير جزر الكوريل التي اغتصبتها روسيا ظلما وعدوانا بعد الحرب العالمية الثانية عندما انتهزت فرصة الهزيمة العسكرية اليابانية لكي تذل اليابانيين بضم أراضيها؟ وماذا كان سيكون مصير ماليزيا إذا ما قررت أنه لا مستقبل لها ولاماض ولا أمل ولا أفق ما لم تسترد سنغافورة التي قامت على الاسيتطان الصيني وفصلها بعد ذلك عن الوطن الماليزي؟ وماذا كان سيحدث للهند إذا ما قررت أن قرار التقسيم الذي فصل باكستان، ومن بعدها بنغلاديس عن الدولة الهندية هو قرار جاء نتيجة الاستعمال البريطاني العنصري الأمبريالي البغيض، ومن ثم لا تعيش ولا توجد ما لم يتم تصحيح هذا الذنب التاريخي؟ وماذا كانت دولة التشيك سوف تفعل لو أنها قررت استحالة الوجود ما لم تبق سلوفاكيا جزءا من الدولة الموحدة؟ وما ذا كان سيكون مصير الصين العملاقة إذا ما قررت أنها لن تقيم علاقة لا مع الغرب ولا شرق ولن تقيم تجارة ولا تقيم علاقات طبيعية مع دول إمبريالية ما لم تعود هونغ كونغ وماكاو وتايوان إلى الوطن الأم؟ وماذا كانت سوف يكون حال المكسيك إذا ما قررت أنها لن تكون جزءا من منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية حتى تعود الأراضي المكسيكية المغتصبة في تكساس وكاليفورنيا ونيومكسيكو إلى الوطن المكسيكي مرة أخرى· وهكذا فماذا كان سيكون مصير أي دولة ترهن مستقبلها وتطورها ومصير أبنائها ومستقبل أطفالها ومكانها ومكانتها في العالم على قضية واحدة مهما كانت قدسيتها وعدالتها واستنادها إلى قواعد الشرعية الدولية فالمؤكد من كل ما سبق أن اليابان لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من قدرة اقتصادية وتكنولوجية ولا الصين عرفت المنعة التي حققتها أو الفائض المزمن في ميزانها التجاري مع الولاياتالمتحدة ولا جمهورية التشيك وصلت إلى قلب الاتحاد الأوروبي ولا الهند أصبحت معجزة العالم الاقتصادية والتكنولوجية مع أول القرن الحادي والعشرين ولا صارت ماليزيا ولا سنغافورة نمورا آسيوية لا يلمس أحد لها طرفا مهما كبر وعلا ولا أصبحت المكسيك جزءا من منطقة رخاء مشترك أجرجها ديونها وتخلفها ووضعها على أول طرق التقدم الديمقراطي، كل هذه الدول لم يكن لها أن تحقق ما حققته إذا افتقدت إلى القدرة والتركيز على العناصر الأساسية لبناد القوة وتصحيح توازنات القوى المختلة حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية وتجني الفوائد الاقتصادية وتصبح دولا مانحة ومعطاءة وليست دولا تقف في طوابير العوز والإغاثة في حين كانت الشعوب العربية نائمة أو في سبات طويل وحتى شهور قليلة مضت كانت هذه الشعوب زاخرة بحديث اإاصلاح السياسي والاقتصادي وكانت الأحزاب المعارضة تطالب بحرية الصحافة واستقلال القضاء والتعديلات الدستورية وقوانين الانتخابات ولما فشلت هذه المعارضة في الوصول إلى هذه الإصلاحات، ها هي الشعوب التي كانت نائمة منذ عقود تقوم بالاحتجاجات والثورات من أجل تغيير الأنظمة والعودة إلى نقطة لكي تنطلق من جديد بعد أن قطعت الدول الغربية والشرقية والأسياوية أشواطا كبيرة في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي وهاهي الدول الغربية قد تحالفت من أجل جرجرة الأمة العربية كلها واستدراجها لفتح جروح لا تندمل لسنوات وعقود طويلة هذا في وقت تعاني فيه الأمة العربية ضعفا مزريا وانكسارا مهنيا فتجرأت علينا الدول وتكالبت علينا الأمم حتى غزونا في عقر دارنا وتحكموا في مصائرنا وأذلوا كبرياءنا، وهؤلاء الغاصبون المحتلون لم يدخلوا من حدودنا ولكنهم دخلوا من عيوبنا وتكالبت علينا الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها ليس من قلة عدد، ولكننا غثاءا كغثاد السيل وكأننا المعنيون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الآكلة إلى قصعتها'' فقال قائل: و من قلة نحن يومئذ؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وسينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ولقذقن في قلوبكم الوهن'' قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت'' هكذا إذا حال المسلمين ضعف مزر وخور مذل واستسلام مقيت وذيلية في كل شيء فنحن متخلفون في كل شيء متخلفون علميا، متخلفون اقتصاديا، متخلفون ثقافيا، متخلفون إعلاميا، متخلفون صناعيا، متخلفون حتى رياضيا، فسبحان الله حتى في اللعب نحن في مؤخرة الأمم! لو كنا متخلفين ولكنا نحاول السير ولو ببطء شديد لعذرنا أنفسنا وقلنا مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، ولو حاولنا فقط النهوض لعذرنا أنفسنا وقلناها نحن ننهض وغدا نحاول المسير، ولكن الحقيقة المرة والواقع المهبط إن هذا هو حال أمتنا جسم مسجى، لا هو ميت فيدفن ولا هو حي فيرجى، جسم مصاب بالهزال وهشاشة العظام وفقدان الذاكرة، وهذه ليست صورة رسمها عقل مصاب بالسوادوية ،ولكنها صورة تمثل واقعنا بل ربما عجزت عن تصوير سوئه ومدى انحطاطه، العالم يعدو عدوا ونحن عاجزون حتى عن السير، الغرب والشرق حطوا على القمر ونزلوا على المريخ وسبحوا في الفضاء، ونحن لا نعرف حتى المشي على الأرض في زمن لا يؤمن بالثبات، إذا لم تتحرك داستك الأقدام وتعداك الزمن، بل إن منطق العصر يقول إذا لم تتقدم وظللت محلك سرحين يتقدم الآخرون، إذا فأنت تتراجع إلى الخلف ولن ينتظرك أحد في زمن لا يؤمن إلا بالسرعة، هل ترضى هذا الحال التي بلغها العرب والمسلمون من الضعف أحدا منهم، لا أظن ذلك إلا إذا كان في حال روحية شاذة لا تفسر إلا بالمرض وعدم اعتدال المزاج، أما أنه يتململ من الضيق ويعاني من الحسرة تتقد نفسه ألما على تلك الحال· فالسلمون الذين كانوا قادة العالم انسحبوا من ميدان الحياة وتنازلوا عن القيادة وإمامة الأمم وفرطوا في الدين والدنيا وجنوا على أنفسهم وعلى بني نوعهم، وأخذت الأمم شرقا وغربا العلوم وطوعتها لمصالحها ومصالح شعوبها، فسادت العالم وتسيير سفينة الحياة، فالعالم أصبح اليوم كله قطارا سريعا وأصبح العرب والمسلمون ركابا لا يملكون من أمرهم شيئا يسير بهم هذا القطار إلى حيث شاء، والعجيب أن هذه الأمم على رغم متابعتنا لها وانقيادنا وراءها ترى فينا العدو الأول الذي يتربص بها، فتعمل كل طاقتها على إضعافنا وزرع بذور الفتنة بيننا وإضعاف ثقتنا بأنفسنا واستعداء العالم علينا بإعلامها بل بخليها ورجليها، من هنا أصبح النظام العربي يمر اليوم بأخطر مراحل ضعفه على الإطلاق وسط هذه المتغيرات والأحداث الإقليمية والدولية نظام إرادته مسلوبة وقواه مشلولة·