ولدت إسرائيل كدولة للحركة الصهيونية في رحم منظمة الأممالمتحدة سواء بقرار التقسيم الذي اقترح على إقامة دولتين في فلسطين إحداها للعرب والأخرى لليهود مع أن مساحة فلسطين لا تكاد تكفي لدولة واحدة أو من خلال اعتراف هذه المنظمة العام 8491 المشروط بقيام دولة إسرائيل، لذلك ليس غريباً في سياق تاريخ القضية الفلسطينية أن يلجأ الفلسطينيون عبر سلطة رام الله إلى ذات المنظمة في سبتمبر القادم للاعتراف بدولتهم· ومعظم التوقعات تصب في نجاح هذه الخطوة، خاصة وأن أوروبا التي ولدت الحركة الصهيونية في أحضانها ولتحقيق أهدافها الاستعمارية التي كانت في القرن التاسع عشر، ترى في هذا القرن الواحد والعشرين أن أهدافها الاستعمارية في العالم العربي أو كما يسمونه الشرق الأوسط تكاد تضيع بسبب سيطرة أمريكا على المنطقة أمريكا التي استحوذت على إسرائيل وصارت هذه تخدم أهداف الولاياتالمتحدة لحساب الاتحاد الأوروبي، لذلك يرى الاتحاد أن قيام دولة فلسطينية يخدم مصالحه الاستعمارية في المنطقة· ومنذ مطلع العام 1102 الحالي تزايدت قناعة الأوروبيين بضرورة إبداء انفتاح كافٍ على رغبات الشعوب العربية للحفاظ على مصالحها ومنها رغبة هذه الشعوب في رؤية دولة للفلسطينيين على أرضهم· وأوربا حين ترى ذلك، فإنها في الواقع تنظر على مصالحها، فقد كانت حركة شباب تونس ومصر قبل اختراقها، قد أرسلت إلى أوروبا والعالم رسالة جد خطيرة، تؤكد بأن الشعوب العربية في أجيالها الجديدة بدأت تتحرك ضد حكامها وليس من المؤكد أنه بالإمكان اختراق هذه الحركات بشكل دائم، وبالتالي فإن المصالح الأوروبية تتضرر في قارتي آسيا وإفريقيا، والمنطقة العربية هي مفتاح هاتين القارتين بالنسبة لأوروبا·· ولذلك لابد من استرضاء شعوب المنطقة حتى لو سبب ذلك بعض الإزعاج لأمريكا صديق أوروبا اللدود· ولكن ماذا لو استعلمت أمريكا كل أوراقها خاصة تحويل الموضوع إلى مجلس الأمن حيث الفيتو الذي عانى منه العرب والفلسطينيون طويلاً خلال العقود الست الماضية؟ بالتأكيد ليس بإمكان الفلسطينيين العودة على السلاح·· ذلك أن السلاح لم يعد في هذه المرحلة من الوضع الدولي سياسة ناجحة، بل إن العرب أنفسهم ليسوا على استعداد لتزويد الفلسطينيين بضماد واحد لإسعاف جريح فلسطين واحد· ولم يعد بمقدور القيادات السياسية الفلسطينية القائمة تقديم أي أسلوب نضالي جديد فهي في معظمها تماهت مع النظام العربي المهترئ منذ عقود بل إن بعض الفصائل يراها الشباب الفلسطيني الطالع سواء في الداخل أو الخارج أقياماً صغيرة في أجهزة المخابرات العربية هي تديرها أصلاً المخابرات الأمريكية والموساد، بل صار بعض القيادات فيها برأي الشباب الفلسطيني يعمل مباشرة مع ولصالح العدو، وها هي أزمة الثقة بين الشباب والقيادات تتعمق وتتعمق·· والشباب الفلسطيني يرى نفسه جزءاً من الشباب العربي الذي أعلن جهاراً نهاراً عدم ثقته في النظام سياسة وأجهزة· والشباب الفلسطيني يعرف جيداً جداً أن حكامه مثل الحكام العرب جميعاً صار الكرسي هو وطنهم، فها هو الوطن اليمني يحترق وعلي عبد الله صالح لم يتنازل عن كرسيه، فقد تخلى الحاكم العربي ومعه الفلسطيني عن كل القيم والثوابت الوطنية والأخلاقية، ولم تعد معركة الشباب مع هؤلاء الحكام شيئاً مختلفاً عن معركته مع التخلف وأسبابه وفي طليعتها الإمبريالية سواء كانت أوروبية أو أمريكية أو غير أمريكية وغير أوروبية وهي إمبرياليات سببت وتسبب شقاء الإنسان الفلسطيني والعربي منذ القرن التاسع عشر على الأقل· ويبحث هذا الشباب اليوم عن وسائل نضال جديدة، ومن الواضح أن الحاكم الفلسطيني يقوم بقمع مسبق لهذه الوسائل والأساليب الجديدة، فهو يقبض مرتباته من هذه الإمبرياليات باعتباره موظفاً لديها· بل إن الشباب الفلسطيني يعتقد أن قياداته دون استثناء تقوم بتنازل تدريجي لوطنه لحساب كرسيها التي أجلست عليه· في الوقت الذي لم تتنازل فيه الحركة الصهيونية عن أتفه جزء من أهدافها· وهنا يحدث تشابك بين النظام العربي والصهيونية، فإذا كان النظام العربي تخلى عن القيم الوطنية التي كان يسوق عبرها نفسه على المواطن العربي، فإن الصهيونية تتخلى عن الديمقراطية التي سوقت نفسها عبرها ''للغرب'' ساسة ومواطنين· وهكذا صار صراع الشباب العربي مع حكامه لا يختلف حتى في تفاصيله عن صراعه مع الصهيونية ومع الإمبريالية·· فهو صراع واحد ضد عدو واحد، وشيئاً فشيئاً يدخل الشباب الأوروبي والأمريكي هذه المعركة لأن له صراعه القومي مع حكامه، حيث لم تعد تنطلي عليه واقعة ''إمبرياليون في الخارج وديمقراطيون في الداخل'' إذ لا فرق بين امتصاص دم الشعوب، فهؤلاء يمتصون دماء شعوبهم ودماء الشعوب الأخرى· وهنا تنفتح أمام الشباب الفلسطيني والعربي طريقاً نحو الإمساك بأساليب نضال جديدة، طريق التحالف مع الشباب العالمي· فالنضال ضد الحاكم العربي هو نفسه النضال ضد أوباما، وهو نفسه النضال ضد ساركوزي، وهو نفسه النضال ضد نتنياهو· فماذا ستفعل ثلة الحكام العرب الموظفين وأجهزتهم، وهل ستقوى كراسيهم على الصمود طويلاً، بل ماذا ستفعل القيادات الإمبريالية أمام زحف الشباب العالمي ضدها؟ إن الحضارة الإنسانية تتجدد والفكر الإنساني يتجدد على يد هذا الشباب··· وفي هذه المعركة ليس هناك أضعف من حكام ثلاثة هم الحاكم الفلسطيني والحاكم العربي والحاكم الإسرائيلي ومن المؤكد أن أسلوب النضال الجديد سيسقطهم جميعاً ونحن بانتظار من يسقط أولاً·