أصدر المخرج عبد الرزاق هلال، بمناسبة الطبعة السادسة عشر، لصالون الجزائر للكتاب، مؤلفا جديدا يختص في تاريخ السينما الجزائرية من 1895 إلى غاية مشارف 1962، بعنوان ''تاريخ السينما·· في رفض الصورة''، عن منشورات ''غفار'' الجزائرية، ويحاول أن يجيب على مجموعة من الأسئلة تتعلق بنظرة السينمائي الفرنسي ------------------------------------------------------------------------ للشخصية الجزائرية، وكيف تحولت الكاميرا إلى سلاح أيديولوجي يعزز السلاح العسكري الكولونيالي، ويسقط من مخيلة العالم صورة الرجل الجزائري، عن طريق تقديمه في أشكال كاريكاتورية، سطحية ومزيفة أيضا· كما يوجه المخرج نظرة نقدية لما أنجز في جزائر الاستقلال، عندما حبست الأفلام المحققة، في قوالب ضيقة، تخدم توجهات سياسة ''التقديس'' و''التمجيد''، ما حجب الرؤية أمام المخرجين لإنتاج أفلام تتعامل مع المجاهدين والشهداء بشكل مريح وإنساني يحتمل مواقف القوة والضعف في آن واحد· اليوم نجدد اللقاء مع عبد الرزاق هلال الكاتب بدلا من المخرج؟ أنا كاتب قاص وروائي، وهذا كتابي الخامس لكني لا أكتب إلا عندما يسمح لي الوقت، هو تكريم للجزائري الذي نسته السينما الاستعمارية من 1895 إلى عشية ,1962 استغليت هذا التاريخ وسألت كيف صور السينمائي الجزائري المجاهد الجزائري الحامل للسلاح؟ هل أبرز محاسنه أم صوره بطريقة كاريكاتورية، ومن بين الإجابات التي توصلت إليها، هي أن السينما الاستعمارية كانت بمثابة سلاح أيديولوجي بنفس السلاح العسكري الكولونيالي· ما عدا التقني طاهر بن حلاش الذي كان الوحيد في معمعة إنتاج الصورة آنذاك، البقية كان الجزائري مجرد ظل بالكاد تظهر ملامحه، لأن الفرنسيين كانوا يستعينون بممثلين أجانب لتصوير أعمالهم، ما عليكم إلا مشاهدة الفيلم الفرنسي ''بيبي لو موكو'' للمخرج جوليان دوفيفيه سنة ,1937 مثالا حيا لما أقوله· و''موكو'' هي كلمة عامية لرجل من طولون، يحاول الهروب من الشرطة ويختبئ في القصبة الجزائرية· أثناء الثورة وبعدها، السينما الجزائرية كانت سينما قائمة على الأيديولوجية، لم تكن تحكي التاريخ الحقيقي، بل كانت تقدس وتمجد بطولات الثوار، إلى درجة تمنع المشاهد من التعرف على حقيقة الإنسان المجاهد، كانت تلك الطريقة تحول دون فهم الأبعاد الإنسانية للثورة، لم يكن من حق السينمائيين إظهار مجاهد في موقف ضعف عندما يفقد أحد رفاقه، كما لم تصور المرأة الجزائرية في دورها الحقيقي، واقتصرت صورتها على امرأة تحضر الطعام للمكافحين، في حين كان لها دور ريادي إلى جانب الرجل· كل هذه المواقف بحاجة إلى دراسة وإعادة النظر، وعلينا أن ندرس ما أنجز في ذلك الوقت بكثير من الموضوعية، مع توفير الإمكانات اللازمة طبعا· ماهي الأفلام الجزائرية التي تعرضت للنقد، لأنها حاولت تجاوز الصورة المقدسة للكفاح المسلح؟ على سبيل المثال فيلم تلفزيوني لبشير بلحاج، موسوم ب ''المغارة'' أظهر مجاهدا جبانا إلى حد ما، وقد قوبلت هذه الحالة برفض وتنديد كبيرين، أنا لا أقول أنه يجب أن نصور مجاهدين جبناء أو في حالة ضعف، لكن التجرؤ على هكذا مواقف مازال يطرح مشكلا كبيرا· بمعنى آخر كل ما أنجز لحد الآن مقصر في حق الثورة؟ كل الأفلام التي قمنا بها غير كافية، وناقصة، ولا تعكس الأعمال المنجزة من قبل الثوار، فالصورة السينمائية مقصرة في حق المجاهدين والشهداء إذا ما قورنت المسألة بما كتبه مؤلفون وباحثون، على غرار كتاب محمد تقية بعنوان ''الجزائر في حرب'' حيث استغل مختلف الجوانب المتصلة بالجهاد آنذاك، في وقت اعتقد أن الرواية والقصة والسينما الجزائرية لم تؤدي دورها كما ينبغي في هذا الإطار· ماذا تقول عن فيلم ''معركة الجزائر'' في كتابك هذا؟ بفضل ''معركة الجزائر'' تم الترويج للثورة الجزائرية، وبشكل حسن جدا، علما أن الفيلم أنجز مباشرة بعد الاستقلال، أي في زمن كان الشارع ما زالت تتأجج فيه روح الوطنية، ومازالت نشوة الانتصار على فرنسا الاستعمارية محسوسة· اليوم أعتقد جازما أنه من المستحيل أن تنتج الجزائر فيلما مثل ''معركة الجزائر''، حتى بتوفير إمكانيات تفوق عشرين مرة سيكون الأمر أصعب، لكن لا يعني أن لا ننجز أفلاما عن شخصيات ما زالت مغمورة من قامة جميلة بوباشة، جميلة بوحيرد، لويزة إيغيل أحريز، وغيرهن إذ لا يجب الاكتفاء بذكر أسمائهن من حين لآخر، بل من واجبنا إنجاز أفلام عنهن ذات قيمة فنية وموضوعاتية كبيرة، نقترحها في السوق العالمية· قليلة هي الكتابات حول السينما الجزائرية، لماذا؟ لأننا لا ننتج ما يكفي من الأفلام، هذا هو السبب الرئيسي· تعلمين أن النقد هو انعكاس لما ينتج، وبالتالي قلة الإنتاج من قلة الكتابات النقدية· نحن لا نملك منتجين حقيقيين في الفن السابع، وأيضا نقاد متكونين ومؤهلين· الصحف الجزائرية لا تعكس حقيقة المنتج، هي مجرد أبواق للأعمال المسرحية أو الفنية أو السينمائية، بعيدا عن متابعة متمعنة في المنجز·