لا يختلف معي اثنان إذا قلت أن ظهور ''السينماتوغراف'' في فرنسا على يد الإخوة ''لوميير''، لم يمنع أمريكا من السيطرة على المجال السينمائي منذ عقود قديمة، على الرغم من أنها لم تكن تدرك حتى تحريك الصور، حين جلعت من الصورة المتحركة تجارة مربحة، من خلال تصديرها للعالم قصصا مصورة ترصد في الكثير من الأحيان أفكارا سياسية وإيديولوجية واضحة. لكن ''السينماتوغراف'' أو آلة تحريك الصور لم يبق حبيس الغرب أو أمريكا فحسب، بل انتشر عالميا باعتباره اختراعا إنسانيا تبنته شعوب العالم ومنهم العرب، وكان للجزائر دور السبق في منح العالم أفلاما سينمائية وثائقية صامتة باللونين الأسود والأبيض، بعدما تمكن الأخوان ''لوميير'' من تصوير أشرطتهما المصورة هنا في الجزائر خلال القرنين الماضيين... غير أنه لا يجب أن يخفى على الجميع أن فيلم ''طرزان'' الفرنسي الإنتاج كان جزائريا في كل لقطة من لقطاته، وفي كل مشهد من مشاهده بعدما تم تصويره داخل حديقة التجارب بالحامة وسط العاصمة، التي لا تزال شاهدا حيا على أول انطلاقة سينمائية، فضلا عن فيلم ''الخروج من مصانع لوميير'' الذي يشاع أن تصويره قد تم في الجزائر أيضا، عندما كان المعمر الفرنسي يستخدم الجزائريين كعبيد في معامله... أما اليوم فإننا نلحظ بين الفينة والأخرى محاولات واجتهادات عدد معتبر من المخرجين السينمائيين في المهجر والمحسوبين على الجزائر لإنتاج أفلام سينمائية جديدة، يحاولون إيهامنا من خلالها أنها مستقاة من الواقع الجزائري، ينتظرون منها إحداث ضجة إعلامية وفكرية في المستوى... غير أننا إن أمعنا النظر والمتابعة لاكتشفنا أنها لا تمت بأية صلة للمجتمع الجزائري، لا من حيث منبعها أو فكرها أو وسائلها كونها ليست جزائرية، وما فلمي ''مسخرة'' للمخرج الشاب إلياس سالم و''قبلة'' لطارق تقية اللذين استحوذا مؤخرا على حصة الأسد من الترويج الإعلامي لخير دليل على ما أقول، كونهما موجهين لجمهور غير جزائري بالدرجة الأولى. ولقد سبقهما في ذلك كل من المخرج مرزاق علواش صاحب فيلم ''باب الواب'' الذي أنتجه سنة 2005 وتقمص فيه مغني الراي الشاب فضيل دور البطولة رفقة الفنان سامي ناصري، والذي لم يعبر في مضمونه سوى عن محاولات القفز على ''الطابوهات'' من خلال إدراج بعض لقطات الإغراء والجنس. كذلك فعل محمود زموري مع فيلمه ''100 بالمائة أرابيكا'' سنة 1997 والذي استحوذ فيه الشاب خالد على دور البطولة، فضلا عن فيلم ''زوزو'' لمرزاق علواش سنة ,2003 و''حب ممنوع'' لسيد علي فتار ,1990 وفيلم ''شاب'' لرشيد بوشارب سنة .1990 حالات الإنتاج السينمائي الحديث في الجزائر ليست حالات عامة، بل يمكن القول أن هناك الكثير من الاستثناءات، ففيلم ''مصطفى بن بولعيد'' الذي حصد أضخم ميزانية إنتاج سينمائية في الجزائر والذي عرض منذ أشهر قليلة حضر العرض الأولي له رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يعد بحق من بين أفضل الأعمال السينمائية الجزائرية الحديثة، فعلى الرغم من الصعوبات المالية التي واجهته والتأخيرات بالجملة التي تصدت له، إلا أن المخرج أحمد راشدي عرف كيف يرجع بالمشاهد الجزائري خصوصا شباب اليوم لبدايات الحركة الوطنية في الجزائر أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، مثله في ذلك مثل أنجح الأفلام السينمائية الجزائرية التي واكبت مسيرة الحركة التحررية في الوطن فترة ما بعد الاستقلال، والتي إن تحدثنا عنها فلا يمكننا سوى الحديث عن مرحلة تعد بالفعل بمثابة ''العصر الذهبي'' للسينما الجزائرية. تاريخ السينما الجزائرية مديد وعريق فعلا، ويعود إلى البدايات الأولى للسينما العالمية، عندما كانت الجزائر مسرحا ل''سينماتوغراف'' منذ نشأته أواخر القرن التاسع عشر، حيث استقطبت المناظر الجزائرية الكثير من المخرجين المشهورين في السينما الصامتة أمثال ''جاك فيدر'' و''جان رنوار''، وحتى بعد ذيوع السينما الناطقة في أوربا، استطاع كل من ''جوليان دوفيفيه'' و''كريستيان جاك'' من تصوير فيلمين مهمين هما'' ''غولغوطا'' في 1934 و''واحد من الكتيبة'' في ,1937 مع الممثل المشهور ''فرناندال''. ولقد شهدت الجزائر سنة 1937 تصوير فيلم ''بي بي الموكو'' ل''جوليان دوفيفيه'' مع ''جون غابان'' كما صورت بعد الحرب العالمية الثانية العديد من الأفلام الأقل شهرة إلى غاية سنة 1954 تصنف كلها ضمن ''السينما الكولونيالية'' لا يمنعنا ذلك من اعتبارها ضمنا سينما جزائرية والحديث عن السينما الجزائرية يضطرنا للحديث عن مسار جد معقد يبدأ بالإنتاج ويمر بالتصوير ثم بالتركيب ليصل إلى التوزيع، فحتى إن كانت انطلاقة السينما الجزائرية قد تميزت بولادة متميزة بغض النظر عن الظروف، نتساءل اليوم هل يكفي الكلام عن إحياء السينما دون تخطيط حقيقي وفعلي لقطاعات الإنتاج والتوزيع اللذين يعدان من بين أهم مراحل إنتاج أي عمل سينمائي، على وزارة الثقافة اليوم العمل بجد للعودة بالإنتاج السينمائي الجزائري إلى جادة الصواب.