استبعد الأخضر الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق، في مداخلته أمس بالمكتبة الوطنية، في ملتقى ''العالم العربي في غليان: انتفاضات أم ثورات؟'' أن تهب رياح الثورات والمسيرات المليونية على الجزائر والمغرب والمملكة السعودية، ''لأن بها حكاما قادرين على قيادة التغيير''، بعيدا عن الطريقة التي تمت عليها بتونس ومصر وليبيا وسوريا· وفيما لا يعير الإبراهيمي أهمية لتسمية ما يجري في الشارع العربي، يقول اللبناني فواز طرابلسي أن الحاصل هو غليان، بينما يؤكد المصري عمرو الشوبكي أنها فعلا ثورة· كما ألقى نقاش اليوم الأول من الملتقى الضوء على مستقبل القضية الفلسطينية في ظل تحرك الشعوب العربية، حيث اتفق الجميع على ضرورة الضغط على إسرائيل معنويا· انتقد المسؤول الأممي السابق طالب إبراهيمي، في بداية حديثه، المشهد العربي الحالي الذي تسيطر عليه ثلاث قوى غير عربية، وهي تركيا وإيران وإسرائيل، مشيرا إلى أن ''هذه هي الدول المؤثرة في الوطن العربي، وهذا أمر غير سوي''، هذه صورة غير مشجعة بتاتا، لكن يمكن أن نعول على تغيير لصالح العرب، ''إذا توفرت الإرادة الحقيقية والفعلية''· وفي غياب هذه الأخيرة، طلب الإبراهيمي من الحضور أن لا يستغربوا لتواجد قوات حلف الناتو في ليبيا الآن، معترفا أن ''تدخل الناتو مشكلة كبيرة جدا، لكنه طبيعي بالنسبة إلى هذه الهيئة التي تبحث لنفسها عن دور بعد انتهاء الحرب الباردة· الدول العربية مخطئة لطلبها الناتو التدخل في ليبيا، والمصيبة الكبرى ليس في وجود الحلف هناك، بل لماذا لم تطبق المجموعة العربية ذلك بنفسها، والوقوف في وجه القذافي''؟ ويقترح الإبراهيمي معلقا: ''نحن أولى بما يجري في ليبيا··الجزائروتونس ومصر ما زال في إمكانها التدخل لفض النزاع بين الأطراف المتنازعة في ليبيا''، مضيفا: أنه ''لا يجب أن نترك الناتو يلعب دورا في المنطقة المغاربية''· وشدد الإبراهيمي، في سياق متصل، أن ثورة الياسمين التي حدثت في تونس، وثورة مصر فيما بعد، لا يعني أنها نماذج يجب أن تطبق على بقية دول المنطقة، قائلا: ''سبق لي وأن قلت إن التغير مطلوب وضروري وسيحصل بطرق مختلفة، لأن الجزائر والمغرب والسعودية فيها حكام قادرون على قيادة التغيير بدون مظاهرات مليونية ولا ثورات أو انتفاضات''، معقبا على كلامه بالثناء على الخطاب الأخير لكل من الرئيس بوتفليقة وكذا الملك حسن الثاني، لما حملاه من حلول تجنب البلدين الوقوع في الفوضى· الربيع العربي -كشف حسب المحاضرين- تقصير الأنظمة الحاكمة في حق القضية الفلسطينية، من حيث تجنب الحكام المطالبة صراحة بتطبيق بنود معاهدة كامب ديفيد، وخوفها من إعلان مقاطعتها الصريحة للدولة العبرية، وبالتالي فإن موسم الثورات هو فرصة جيدة لتشعر إسرائيل بوجود إرادة شعبية قد تؤرق راحتها· ويقول الإبراهيمي في هذا الصدد: ''الحكومات العربية كانت تدعي مقاطعتها إسرائيل، وهي مقاطعة فاشلة، في وقت تعزز في أمريكا وأوروبا عبر عمل النقابات والجمعيات المدنية··الشعوب العربية قادرة على مقاطعة إسرائيل، هي لن تؤذيها ماديا لكن معنويا سوف تلحق بها الضرر''· من جهته يرى فواز طرابلسي أنه علينا أن نتخلص من صيغة الربيع العربي الصحفية: ''يجب تجاوز هذه الصيغة لأننا أمام غليان وطوفان مرشح للتصعيد، بمزيد من الدماء والتضحيات، مضيفا ''أن هذا الغليان لم يكن متوقعا، ولا يجب أن نقول إنه نتيجة طبيعية للوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعوب، بقدر ما هو نتاج أربعة عقود من الجمود''· واستقرأ طرابلسي شعار ''الشعب يريد إسقاط النظام''، واعتبر ذلك دلالة على ''وجود حركات تطالب بإعادة التعاقد بين الشعب وحكامه، وليس بتغيير الأنماط السياسية''، بعبارة أخرى: ''مطالب الخبز أعادت الاعتبار لحقوق الإنسان··''· أما عمر الشوبكي من مصر، فيرى أن ما حدث في تونس ومصر وغيرها ''هي ثورات وليست انتفاضات''، إلا أنه تحفظ بشأن المرجعيات التي يستند إليها الثوار، في إشارة منه إلى رفع الشباب لشعارات الثورات الكلاسيكية، على غرار الثورة البلشفية والفرنسية: ''هذا يشكل خطرا على الثورات العربية، إذا تواصل التماهي مع نماذج ثورات دعت إلى تفكيك الدولة بدل إسقاط النظام فقط''· ويعتقد الشوبكي أن ثمانية أشهر بعد ثورة 25 يناير ''لم يحدث هناك تقدم في الإصلاح السياسي (الإدارة، الإعلام والقضاء··)، وهي تدار بنفس الطريقة القديمة''، ويضيف: ''إن معيار النجاح الحقيقي يتوقف على إدارة المرحلة الانتقالية''، ويسترسل موضحا: ''التحدي الثاني هو تحدي تيارات الإسلام السياسي··وكيفية التعامل معها كتيارات معتدلة دون الغوص في نواياهم التي تستعملها الأوساط العلمانية''، فالتعاون مع هذه الجماعات الجديدة، من شأنه -حسب الشوبكي- إعطاء دولة قوية وقضاء مستقل وإدارة محايدة، معترفا أنها ''مهمة صعبة''· بينما يرى طرابلسي آفاق ما بعد الثورة في تحقيق المساواة السياسية للمواطن في إطار الدولة المدنية، وفصل قاطع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لمنع أي تداخل أو تطاول أو استغلال لها من قبل ''الحكام الأفراد''·