قال السيد لخضر الابراهيمي إن من بين أهم أسباب فشل المشروع القومي العربي هو عسكرة الأنظمة العربية، مضيفا أن جامعة الدول العربية ليست لها فاعلية في تغيير الأوضاع، أما عن التعاون العربي فهو في أدنى مستوياته ولن ينمو إلا في المستقبل البعيد. وألقى السيد الإبراهمي، وزير الخارجية الأسبق، مداخلة ''العالم العربي في غليان، بين حالات القطيعة والاستمرار في التاريخ العربي المعاصر'' في فعاليات الملتقى الدولي ''العالم العربي في غليان، انتفاضات أم ثورات؟''، الذي انطلقت فعالياته أمس بمكتبة الحامة. وفي هذا السياق، قال السيد الابراهيمي إن تقدم الدول العربية ليس بالأمر المستحيل، بل هو بالمسألة الهيّنة، مقدما أمثلة عن الصين والهند، فالأولى حققت نجاحا اقتصاديا منقطع النظير، أما الثانية فحققت بدورها نموا اقتصاديا كبيرا، مستأنفا قوله إن التقدم يحدث بالعمل والإرادة. ودائما في هذا الصدد، قال الإبراهيمي إن الصين سنة 1981 كانت تشتكي من عودتها إلى الوراء بثلاثين سنة بفعل الثورة الثقافية وهاهي اليوم من بين الدول المتقدمة، أما الهند فقد كانت تشتكي هي الأخرى من ضعف النمو الاقتصادي سنة 2005 وهاهي اليوم -أيضا- تحقق نسبا مرتفعة في النمو. تفاؤل الابراهيمي أراد أن يختم به مداخلته التي جاءت بحقائق مؤسفة حول العالم العربي، وفي مقدمتها ضعف التعاون بين الدول العربية وكذا غياب تأثيرها على منطقتها، بدليل أن الدول الثلاث التي تسيطر على المنطقة العربية ليست عربية وهي إيران وتركيا وإسرائيل. واعتبر الابراهيمي أن إيران يمكن لها أن تعيد علاقاتها مع إسرائيل في حال تغيّر النظام وهو ما كان عليه الأمر في عهد الشاه، أما عن تركيا فقد كانت لها وفي العهد القريب علاقات مع إسرائيل أيضا، مضيفا أنه من غير المعقول أن لا يكون للدول العربية تأثير في منطقتها. وطالب الإبراهيمي الأنظمة العربية بالتدقيق في المواضيع التي تهمنا والابتعاد عن الحكم التقريبي الذي عرفنا به وأعطى مثالا على ذلك خطاب وزير خارجية العراق سنة ,1990 الذي كان يؤكد فيه قدرة بلده على الانتصار في حرب الخليج الثانية رغم أن كل المعطيات كانت تنبئ بعكس ذلك تماما. وتوقف الإبراهمي مطولا عند القضية الفلسطينية التي قال إن العرب شعوبا وحكومات تخلت عنها، مضيفا أن سبب فشل هذه القضية يعود إلى احتقار العرب في الثلاثينات وإلى غاية الخمسينات لقدرة الحركة الصهوينية في التاثير على العالم، في وقت قامت فيه هذه الأخيرة بكسب تعاطف كبير وشديد للدول الفاعلة في العالم. واستطرد الإبراهيمي في قوله إن الأنظمة العربية لا تملك معلومات وفيرة حول الجيش الإسرائيلي، بيد أن هذا الأخير كان يعرف -مثلا- معلومات كثيرة حول الجيش المصري في حرب الستة أيام سنة 1967؛ بالمقابل، أشار المتحدث إلى أن إسرائيل تعتمد دائما على كسب عطف العالم رغم أنها في مركز قوة وأعطى مثالا على ذلك برفضها القاطع وقيام مؤيديها من الأمريكان بحملة شرسة ضد طلب عضوية فلسطين في الأممالمتحدة. وأكد الإبراهيمي تأييده التام لما قام به أبو مازن من طلب رسمي لعضوية فلسطين في الأممالمتحدة وهذا بعد أن استمع إلى خطابه المؤثر في المنظمة. في إطار آخر، قال إن الربيع العربي بدأ في الشتاء ومازال مستمرا متمنيا أن يتحول إلى ربيع حقيقي بالنسبة للدول العربية. الأستاذ فواز الطرابلسي: البطالة عامل من عوامل الحراك العربي أما الأستاذ اللبناني فواز الطرابلسي فقد قدم مداخلة بعنوان ''الأوضاع السائدة في العالم العربي، بين حالات التشابه والاختلاف في مواجهة الأزمة''، جاء فيها أن هناك عوامل تربط بين الثورات التي حدثت في بعض الدول العربية وهي: البطالة، إذ أن جزءا رئيسا من مكونات الحراك العربي كانت من طرف شباب عاطل عن العمل، مضيفا أن الدول العربية تنتج شرائح من الشباب المتعلم إلا أن هذا الأخير لا يجد عملا. العامل الثاني الذي يربط بين الثورات العربية -حسب المحاضر-هي فقدان شرعية الأنظمة، مما انبثق عنه فقدان الأمل في مستقبل حياتي كريم. وتوقف طرابلسي أمام شعار ''الشعب يريد تغيير النظام'' الذي رفعه التونسيون قبل أن ينتقل إلى دول أخرى، وقال إنه يدل على أن الشعب يريد أن يعيد مفهوم سيادته في الدولة، علاوة على إدراكه أنه لا تغيير يحصل في حياة المواطن إلا بتغيير في السياسة والنظام. وأضاف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ببيروت، أن مطالب العمل والخبز تعيد صلة الحقوق الفردية والاجتماعية للمواطن وكذا لحاجته للمساواة والحرية، أما عن قضية الفساد التي تنخر الدول العربية فقال عنها الأستاذ أنه يجب معاقبة الراشي والمرتشي سيان، مؤكدا أن دور السلطة السياسية يكمن في خلق المصالح السياسية وإعادة إنتاج العلاقات الطبقية والاقتصادية ومحاكمة من يخرج عن القانون وفي مقدمتهم الحكام. وأكد المحاضر أن الدول العربية قادرة على الاعتماد على ثرواتها في التقدم دون الاستعانة بأحد، إلا أن هذا لا يحدث في الواقع، أما عن اعتمادها على النظام الديموقراطي نظريا فقال إن الديمقراطية لا تمنح وإنما تلتقط في الشارع وتبني قواتها الذاتية في منطقتها. وتساءل المحاضر عن الرهانات التي تتعلق بالربيع العربي فقال إنها تنقسم إلى اثنين، أولهما تكوين دولة مدنية والذي سيؤدي حتما إلى اصطدام بين التيارات السياسية، وثانيهما تحديد العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية. الأستاذ عمرو الشبوكي: ما جرى في تونس ومصر وليبيا ثورة حقيقية من جهته، قدم الأستاذ المصري عمرو الشبوكي مدخلة بعنوان:''قراءة تحليلية واستشرافية في الثورات العربية''، وأكد فيها أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا وما يحدث في بعض الدول العربية، هو ثورة حقيقية، سواء أحققت أهدافها أم لم تحققها، مضيفا أن هذه الثورات لا تشبه الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية والبلشفية، التي هدفت إلى تفكيك الدولة، بل هي غير ذلك، إذ أنها تهدف إلى تغيير النظام وليس تفكيكه كلية. وتساءل المحاضر عن سبب عدم تسمية البعض بما حدث في تونس ومصر ودول عربية أخرى بثورة، معتبرا أن التغيرات الكبيرة التي حدثت في دول أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات، أطلقت عليها الدول أوروبا الغربية اسم ''ثورة'' رغم أنها لم تخلف ضحايا مقارنة بالعدد الذي خلفته الثورات العربية. وأكد الخبير في مركز الدراسات الاستراتجية للأهرام، أن معيار نجاح ثورة يتمثل في قدرتها على إعادة هيكلة المؤسسات القديمة وكذا إدارة المرحلة الانتقالية وإمكانيتها وضع أسس نظام سياسي جديد، مستطردا قوله إنه لم يكن هناك بالإمكان إصلاح نظام بن علي ومبارك، وأن الثورة جاءت رد فعل طبيعي على سياسيات هذه الأنظمة. أما النقطة الثانية التي تحدث عنها المحاضر والتي تعني معيار نجاح الثورة فهي كيفية التعامل مع التيارات الإسلامية المعتدلة ودمجها في الحياة السياسية وهو ما يشكل -حسبه- تحديا كبيرا ينتظر هذه الدول، في حين أكد المحاضر على ضرورة أن يتحلى الجيش المصري بالمهنية، رافضا أن تكون لهذا الجيش أي صبغة سياسية أو عقائدية.