لم يجد اعمر حسين الكلمات التي يعبر بها لشدة تأثره، فذكريات ذلك الثلاثاء الأسود من شهر أكتوبر 1961 عادت إلى مخيلته، حيث كانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها أحد رفقاء الكفاح يستشهد أمام عينيه، فقد فارق حسان الحياة بعد الضرب العنيف الذي تلقاه على يد مجموعة من أفراد الشرطة التي تم تجنيدها بكثافة لمواجهة المتظاهرين المسالمين في قلب باريس· ويرى في هذا الصدد أن لا شيء يبرر مثل ذلك العنف البوليسي، مضيفا أن ''المظاهرة كانت كبيرة لكنها سلمية، كان ذلك إحدى التعليمات الرئيسية التي وجهها لنا قادة المناطق لفدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا ''· هندام لائق دون حمل أي سلاح، وهي التعليمات التي يؤكدها محمد غفير المدعو موح كليشي قائد منطقة بالولاية الأولى الجهة اليسرى من باريس· يقول إن ''المتظاهرين ضد حضر التجول العنصري الذي فرضه قائد الشرطة موريس بابون كانوا مطالبين بأن يكونوا في هندام مناسب ويتحلوا بسلوك حسن ويتجنبوا أي عمل من شأنه أن يعتبر استفزازي وألا يحملوا أي سلاح حتى ولو كان خنجرا صغيرا ''· عنف مفرط وإهانات على الرغم من طابعها السلمي تحولت المسيرة إلى حمام دم حقيقي فقد كانت شرطة بابون تقمع المتظاهرين دون استثناء سواء كانوا شبابا أو شيوخا· و يحكي اعمر كيف انه رأى بباب فانسان رفيق السلاح يستشهد أمام عينيه ويقول في هذا الإطار ''انه قد تلقى عديد الضربات و كان ينزف بقوة و لما يتكلم· كان أعوان الشرطة يضربونه مجددا بشدة فيما كان ملقى على الأرض '' مضيفا أنه لم يكن باستطاعته عمل أي شيء إلا تلقين رفيقه الشهادة وتوجيهه نحو الشرق (القبلة) ''· أما قمة الاحتقار والإهانة فكان الاحتجاز و هو العمل الآخر الذي يلجا إليه أفراد الشرطة حيث يؤكد بأنه ''كان يتم احتجازنا كحيوانات في مكان واسع محاط بأسلاك شائكة بباب فارساي و قد بقينا هناك عشرة أيام مستلقون على الأرض دون ماء ماعدا قطعة خبز يابس و قدح من القهوة ''· أما بمركز الاحتجاز بفانسان فقد أكد عيساوي بتأثر كبير أنه أمضى ثلاثة أيام كانت بمثابة ثلاثة أعوام كاملة بالنسبة إليه، مضيفا أن ''أفراد الشرطة الذين كانوا يراقبوننا كانوا يلقون المياه على الأرضية بشكل منتظم حتى يمنعوننا من النوم وإبقائنا واقفين ''· فيما أشار رئيس جمعية مجاهدي فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا 1954''1962 آكلي بن يونس إلى ''معركة باريس '' التي كانت تقوم بها مصالح القمع الفرنسية مدعومة بمجموعات الحركة المندسين في الأحياء التي تقطن بها جالية كبيرة من المهاجرين الجزائريين، مؤكدا ''أن الشرطة الفرنسية مدعومة بأعوانها كانت تقوم ليل نهار بمداهمة واختطاف آلاف الجزائريين ووضعهم في محافظات شرطة وأماكن أخرى وإخضاعهم لشتى أنواع التعذيب وأكثرها همجية وإهانة على أمل الحصول على اعترافات لتفكيك كلي لفدرالية جبهة التحرير الوطني في فرنسا ''· وتابع يقول ''المطاردة الدموية رافقتها 12000 إلى 15000 اعتقال تم إرسال 3000 منهم إلى السجون و 1500 آخرين تم طردهم إلى قراهم الأصلية، ليخلص إلى أن حصيلة هذه الأعمال القمعية خلفت سقوط 300 إلى 400 شخص بالرصاص أو بأعقاب البنادق أو غرقا في نهر السين و 2400 جريح و 400 مفقود·