قال أمس علي هارون ، العضو السابق في الحكومة المؤقة ورئيس المجلس الأعلى للدولة في التسعينيات، أن المظاهرات السلمية التي أجريت في باريس بتاريخ 17 أكتوبر 1961 والتي لوقيت بمجازر شنيعة، لا يزال التاريخ شاهدا عليها، جاءت تنديدا بفرض الحكومة الفرنسية لحظر التجول الثاني على الجزائريين المقيمين بباريس، والحدث ليس رمزا للمقاومة ضد التعسف في الجزائر فقط، بل أصبح، يضيف ذات المتحدث، رمزا تاريخيا في مقاومة الشعوب ضد اللاعدالة حتى في الدول الأوروبية. وأضاف علي هارون بمناسبة إحياء الذكرى 49 لمجازر أحداث 17 أكتوبر 1961 بباريس، والمنظم من طرف جمعية مشعل الشهيد، وجريدة المجاهد، إلى جانب بلدية الجزائر الوسطى، تحت عنوان "وقفة عرفان لأصدقاء الثورة الجزائرية في المهجر"، أن نضال الشعب الجزائري لم يقتصر على محاربة الاستعمار الفرنسي الغاشم في جبال الجزائر فقط، بل شمل كذلك النشاط السياسي الذي قام به العديد من المناضلين خارج الوطن، بهدف إسماع صوت الجزائر في المحافل الدولية، وتبيان حقيقة الحكومة الفرنسية. كما أوضح ذات المتحدث، أن الثورة الجزائرية ونضال الجالية الجزائريةبفرنسا، كان له العديد من المساندين، وعلى رأسهم الطبقة المثقفة الفرنسية، على غرار المحامين، الأساتذة والباحثين، والتي رفضت السياسة التي انتهجتها الحكومة، مشيرا أن هناك ما يقارب 80 محام ممن وقفوا إلى جانب القضية الجزائرية، هذا في الجانب السياسي، أما في الجانب المالي والعسكري، فأضاف علي هارون، أن هناك العديد من الفرنسيين قد عملوا على المساهمة في نقل الأسلحة والأموال وتهريبها عبر الحدود الألمانية، بهدف تدعيم الثورة الجزائرية. من جهته قال محمد غفير المدعو محمد كليشي، ومسؤول الولاية الأولي بباريس خلال الفترة الاستعمارية، أنه لحد الآن، الحكومة الجزائرية لا تملك الإحصائيات الرسمية والدقيقة عن عدد الأفراد الذين سقطوا في مجازر 17 أكتوبر 1961 بباريس، كون المقابر التي دفن فيها الشهداء، كانت اغلبها مقابر جماعية، موضحا أن الإحصائيات المتوفرة في الوقت الراهن، هي مبنية على أبحاث الكاتب الفرنسي "جوني كلوني" الذي قام بإحصاء ما يفوق 490 شخص سقطوا خلال هذه المظاهرات السلمية. كما أضاف محمد غفير، أن هذه المظاهرات كانت معركة سياسية، قامت في قلب فرنسا، وساهمت بشكل كبير في فتح ديغول للتفاوض مع الحكومة المؤقتة، مشيرا أن المسيرة السلمية وخروج 80 ألف جزائري إلى شوارع باريس، جاء ضد القمع الفرنسي والقرار الصادر يوم 5 أكتوبر، والذي اقر حظر التجول الثاني ضد الجالية الجزائرية المقيمة هناك، من الساعة الثامنة مساءا إلى غاية الخامسة صباحا، وهو الأمر الذي لا يساعد نشاط المناضلين الجزائريين هناك، باعتبار أن نشاطهم والمتمثل في جمع الأموال ومختلف النشاطات لمساندة الثورة الجزائرية كان يجري ليلا، مؤكدا أنه رغم أن المظاهرات كانت سلمية، إلا أن الحكومة الفرنسية هيأت قرابة 8 آلاف شرطي لردع المتظاهرين، واستعملت ضدهم كل أساليب القمع. 17 أكتوبر مجزرة بقبور مفتوحة "أعيدو لنا عظام شهدائنا" المذبحة التي ارتكبها البوليس الفرنسي في باريس في حق عشرات الآلاف من العائلات الجزائرية التي خرجت مساء ذلك الثلاثاء الأسود من السابع عشر أكتوبر 1961 أطفالا ونساء وشيوخا، اغتيلوا وعذبوا ونكل بهم، فقط لأنهم جزائريون وجزائريات تظاهروا للتنديد بالعنصرية والمطالبة بحق بلادهم في الإستقلال. تسعة وأربعون عاما تمر على تلك المجازر التي تضاهي جرائم مليوزوفيتش ضد المسلمين في سربيريتشا، لكن بفرق أن الجنرال ديغول رئيس فرنسا ورئيس حكومته ووزير الداخلية وموريس بابون محافظ شرطة باريس لم يعاقبهم أحد، ولم يمثلوا أمام محكمة دولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. دولة فرنسا "الديمقراطية" التي ارتكبت في 17 أكتوبر جريمة دولة وجريمة ضد الإنسانية، إنها ترفض مبدئيا أي تجريم للأعمال التي قام بها العسكريون الفرنسيون إبان الثورة الجزائرية. الرئيس ساركوزي الذي يلح على رفضه الإعتذار للشعب الجزائري، ويمجد الإستعمار، لأن الرئيس الفرنسي يتمادى في تعنته وعنصريته واحتقاره للشعوب التي عانت من ويلات الإستعمار، وعلى عنصرية الدولة الفرنسية وتماديها في تمجيد الإستعمار وتكريس اللاعقاب على جرائمها ضد الإنسانية غير القابل للتقادم. ولم يخطئ دانيال ميار رئيس لجنة حقوق الإنسان عندما قال أن 17 أكتوبر يوم خجل وطني، ففي ذلك اليوم نظمت في باريس مظاهر سليمة للإحتجاج على قانون منع التجول فرضه على الجزائريين محافظ شرطة باريس. المتظاهرون كانوا أكثر من 35 ألف شخص من نساء ورجال وأطفال، خرجوا يستنكرون التمييز العنصري الذي حاولت السلطات الفرنسية فرضه على المغتربين والممارسات التعسفية والمذلة التي كانوا يتعرضون إليها. وكان رد فعل القوات الفرنسية من بوليس ودرك ومجموعات الحركى الخاصة متوحشا، وكانت الحصيلة ثقيلة جدا فقد تم إحصاء: مئات الضحايا الذين ألقي بهم في نهر السان أو قتلوا رميا بالرصاص. بالإضافة إلى توقيف أكثر من 12 ألف جريح. الإضطهاد سبب اشمئزازا لدى مجموعات واسعة من الرأي العام الفرنسي، من بينهم مجموعة من رجال الشرطة "مجموعة الشرطيين الجمهورية" الذين عبروا عن استيائهم في بيان جاء فيه " من بين الآلاف من الجزائريين الذين حولوا إلى حديقة المعارض PARCEXPOSITION تم اغتيال عشرات منهم ضربا، فقد تم تهشيم جماجمهم أو تفجير أكبادهم وتكسير أعضائهم، وقد تم عفس أجسادهم بمرأى من المراقب العام بريس، آخرون قطعت أصابعهم من طرف أفراد من الشرطة والدرك الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية "لجنة استقبال". قوات الأمن تحاصر جزائريين على جسر نوي NEUILLY كل الجزائريين الذين وقعوا في هذا الفخ تم صرعهم ورمي بهم في نهر السان، مائة جزائري على الأقل تعرضوا إلى هذه العملية. نفس الأسلوب استعمل في جسر سان ميشال، وفي الصباح، بدأت الأجساد تطفوا على السطح وهي تحمل علامات الضرب والخنق. في محطة الميترو أوستارلتيز كان الدم يجري بغزارة وأشتات الجزائريين كانت تملأ السلم. ويضيف البيان أنه في مكان آخر خلف ثكنة، كان السفاحون يتخلصون من ضحاياهم في نهر السان، الذي يمر على بعض الأمتار حتى لا يتم إجراء الفحوص الطبية عليهم، ولكن قبل ذلك يجردونهم من ساعاتهم وأموالهم، وهذا على مرأى من موريس بابوب رئيس الشرطة والمدير العام للشرطة البلدية لوقي M.LEGAY. ويضيف التقرير تفاصيل أخرى لعمليات جرت في مناطق مختلفة من باريس حيث تم رش الجزائريين بالبنزين وحرقهم، وتم تجريد البعض الآخر من وثائقهم، وتقطيعها وتوقيفهم بعد ذلك، ليعدموا وتلقى جثثهم في القناة أو يتركوا جرحى أو موتى في أماكن خالية، وحالات أخرى من الجزائريين تم شنقهم في غابة فانسان...إلخ. ويؤكد بيان "الشرطيين الجمهوريين" الصادر في أواخر شهر أكتوبر سنة 1961 العلميات لم تبق سرا على مختلف السلطات وأن ما جاء في الصحافة ليس إلا جزءا ضئيلا مما حدث فعلا. تسعة وأربعون سنة تمر ومازالت مذابح أكتوبر 1961 لم تكشف عن أسرارها ومازال السكوت الرسمي يثقل على هذه الجرائم في الجزائروفرنسا. ولم تطالب الدولة الجزائرية باسترجاع جثامين الجزائريين الذين قتلوا ليلة 17 إلى 18 أكتوبر 1961 ثم حملوا في شاحنات ودفنوا سرا في مزبلة عمومية في مدينة كريتاي. وكانت جريدة لومانيتي ديمانش فضحت القضية عندما اتجه صحفيان ايقوار وسيرج غادر رفقة طبيب شرعي ومحضر قضائي وعثروا على عشرات الجماجم والعظام الآدمية. التحقيق الصحفي الذي صدر في فيفري 1999 تناولته وسائل الإعلام وفتحت تحقيقات وقدمت الرفاة للتحليل في مخابر طبية بباريس، وأعلن النائب العام لمدينة كريتاي محافظة فال دي مارن، أن تحقيقا فتح في القضية ثم أسدل الستار على مقبرة كريتاني الجماعية دون أن يطالب أحد بنتائج التحقيق، ولم يطالب الجزائريون دولة ومجتمعا مدنيا وأسرة ثورية، باسترجاع عظام ضحايا مجزرة 17 أكتوبر على الأقل لدفنهم بعد أن مكثوا مرميين في مزبلة. أحمد لخضر بن سعيد الناطق الرسمي للهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الإستعماري