في خضم الجدل القائم حاليا حول واقع الكرة الجزائرية وأسباب تراجع نتائجها على المستويين القاري والعالمي، وحالة اللاإستقرار التي تعرفها أنديتنا فنيا وإداريا، تبرز في سماء اللعبة عندنا ظاهرة الفوضى والشغب والسلوكات غير الرياضية التي تصدر حينا من الجماهير وتارة أخرى من الفاعلين في المستطيل الأخضر، ونقصد بهم اللاعبين، المسيرين والمدربين· ولئن كانت ظاهرة تهور بعض الجماهير قد نالت حصة الأسد من اهتمامات المجتمع ككل باعتبارها أصبحت ظاهرة لها أبعاد رياضية، اجتماعية واقتصادية وحتى ربما سياسية، فقد بقيت تصرفات أطراف المعادلة الكروية خاصة اللاعبين محل تساؤلات واستفهامات حول خلفياتها ودواعيها وكذا انعكاساتها على الوضع الكروي عندنا والذي لا يحتاج إلى نعوت أخرى نثبت بها هشاشته وضعفه وتأخره عن الركب· فإذا كانت السمة الغالبة على تصرفات اللاعبين أو المدربين أو حتى مسيري الأندية تنفرد بالاحتجاجات المتواصلة طيلة المواجهات الكروية على قرارات الحكم والظروف التي تطبعها، فإن ثمة مظاهر أخرى زادت حدتها وتفاقمت في السنوات الأخيرة بشكل لافت للنظر، وتتعلق أساسا باللقطات السخيفة التي يقوم بها بعض اللاعبين اتجاه زملائهم فوق الميدان أو جماهيرهم في المدرجات، والتي وصلت أحيانا إلى حد التشابك بالأيدي، فيما يبقى الحكام عرضة لكل أنواع التهديدات والشتم وأحيانا الضرب، وهو ما أعطى الإنطباع لكل من يتابع الأجواء التي تميز المواجهات الكروية بأن السيل بلغ الزبى ويتطلب إجراءات صارمة ومسؤولة حتى لا يصل الوضع إلى التعفن· عندما يشترك الكل في السلوكات الإنحرافية قبل يومين فقط، أشارت الأخبار التي وصلتنا من بجاية إلى أن حارس مولودية الجزائر فوزي شاوشي المثير للجدل دائما، قام بحركات سخيفة ومخزية بدأها أولا بالبصق على لاعب شبيبة بجاية والقيام بحركة غير رياضية تجاه الجمهور البجاوي وأنهاها بالإعتداء على أحد مسيري الفريق المضيف· ولا يحتاج المتتبع لمسيرة هذا الحارس إلى عناء كبير لاستعادة سلوكاته غير الأخلاقية التي بدرت منه، خلال خرجاته مع الأندية التي لعب لها أو خلال تواجده بالمنتخب الوطني، وهو ما جعله محل حديث العام والخاص· وحتى إن كان مزاج هذا الحارس يختلف ربما كليا عن بقية لاعبي الكرة في بلادنا بتكراره لانحرافاته غير المبررة، فإن القول إن مثل هذه السلوكات انتشرت بشكل كبير في وسطنا الكروي، بات من المسلمات والأمور العادية التي تحدث كل موسم بل وفي كل جولة· والثابت أن وراء هذه السلوكات المشينة أسباب موضوعية لا تخرج في كل الأحوال عن الأجواء والظروف التي تعيشها كرتنا بصفة عامة وأنديتنا بصفة خاصة، ويمكن تحديدها في النقاط التالية: 1 - كثيرا ما تساهم النتائج السلبية التي تسجلها الأندية في انسياق مشجعيها، مسيريها ولاعبيها إلى تعكير صفو المواجهات الكروية، حيث يحاول كل طرف أن ينشر غسيله وخلافاته ومشاكله أمام الملأ، ولعل خرجة شاوشي الأخيرة خير مثال على ذلك، فلا يخفى على أحد الأوضاع غير المستقرة التي يعيشها نادي مولودية الجزائر هذا الموسم، من مشاكل بين مسيريه وصلت في بعض الأحيان إلى حد التشابك بالأيدي، والأكيد أن ما تعيشه إدارة المولودية يصل يوميا مسامع اللاعبين والجمهور، وهو ما تبين من خلال النتائج السلبية والانطلاقة الصعبة التي يعرفها الفريق، مما انعكس سلبا على سلوكات لاعبيه وبالتحديد شاوشي· 2 - خلافا لما يجري في كل أندية العالم التي تسارع إلى تسليط العقوبات على لاعبيها الذين يقومون بسلوكات منافية للأخلاق والأعراف الكروية والتي تلحق الأضرار المعنوية وحتى المادية بالفرق، وهذا قبل أن تصدر السلطات والهيئات المعنية عقوباتها على اللاعب، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، في حين أن إقدام أنديتنا على معاقبة لاعبيها المتهورين لا يكاد يوجد له أثر في الوسط الكروي الجزائري، ما يعني منطقيا أن ما يقوم به اللاعب فوق الميدان من سلوكات متهورة يزكيها ناديه بطريقة أو بأخرى، وكما يقال فالسكوت علامة الرضا؟! 3 - غالبا ما يستفيد اللاعب أو المدرب أو المسير الذي يتعرض لعقوبات قاسية وجدية إلى التخفيف، وأحيانا يتم العفو عنه مع مرور الوقت، فكم من متسبب في الشغب بملاعبنا سلطت عليه عقوبة الإقصاء النهائي من الممارسة الكروية وعاد بعد سنوات وكأن شيئا لم يحدث، وكم من مخطيء في حق الكرة الجزائرية وجماهيرها مني بعقوبة عامين، وعاد إلى النشاط قبل نهاية الفترة، وغالبا ما تكون مناسبات الجمعيات العامة للفاف أو نجاحات المنتخب الوطني وراء إقدام مسؤولي كرتنا على محو العقوبات التي تقرها، في سابقة لا نجد لها أثرا في العالم· 4 - إن التعامل مع الأخطاء السلوكية التي يرتكبها أطراف اللعبة عندنا بمكيالين ومحاباة أندية على حساب أخرى، يعتبر من العوامل التي أججت الوضع عندنا وزادت في حدة الظاهرة، وهي ممارسات لا تمر دون أن تترك بصماتها وتأثيرها على عملية مكافحة كل مظاهر الشغب والعنف والانفلات الأخلاقي للاعبين والمدربين والمسؤولين· 5 - أخيرا يمكن اعتبار التسيير الفوضوي لدواليب الكرة الجزائرية على كل المستويات إنطلاقا من الفاف والرابطة ومرورا بالأندية وانتهاء بالجمهور، كلها عوامل ساهمت بقسط كبير في تفشي ظاهرة عزوف اللاعبين عن تقديم المردود الميداني الجيد، وانتهاجهم لسلوكات البصق والإعتداء والضرب ومعاكسة الجماهير بالأيدي!؟