إذا وضعنا المستوى الفني للكرة الجزائرية جانبا، وحاولنا الخوض في بعض الأمور الهامشية التي ترافق اليوم النشاط الكروي في بلادنا، فإننا نجد أنفسنا مرغمين على تناول بعض الظواهر السلبية التي زادت في تعفن الوضع الكروي بصفة عامة· ولعل ظاهرة تراشق رؤساء الأندية ومسؤوليها مع محيطهم القريب باتت أهم ما يميز حياة الأندية، إذ في الوقت الذي يحاول فيه القائمون على الأندية تبرير انتداباتهم للاعبين ونتائجهم السلبية التي سجلوها، لا تخلو تصريحاتهم من بعض الانتقادات التي تصدر عادة عن مسيرين سابقين أو لاعبين تقمصوا ألوان النوادي المعنية، حيث يعتبرون ما يحدث بالأمر غير المقبول، موجهين أسهمهم إلى رؤساء الأندية تحديدا· والغريب في الأمر أن الحرب المتواصلة بين الطرفين لم تحقق أي نتائج تذكر، طالما وأن الطرف محل النقد والاستياء، ونقصد بهم مسؤولي الأندية كثيرا ما يصنفون من يهاجمونهم بأنهم يحاولون زعزعة الأندية والمساس باستقرارها، بل وأكثر من ذلك فقد ذهب البعض إلى حد توجيه أصابع الإتهام صوب ما يطلقون عليه اسم المعارضة، ويرجعون الوضعية المتدهورة للفريق والنتائج الكارثية التي يسجلها إلى الممارسات غير الأخلاقية التي يقومون بها للنيل من شخصهم وإغراق الفريق في بحر من المشاكل· أما المعارضة فلا تتأخر هي الأخرى في كشف المستور وفضح الممارسات اللاقانونية أحيانا واللاأخلاقية أحيانا أخرى التي قام بها رؤساء الأندية ضاربين عرض الحائط مصلحة الفريق· وإذا كانت موجة القذف والتراشق تعرف بعض الهدوء في فترات معينة من مشوار الأندية، فإن ذلك يعود في الأساس إلى النتائج الإيجابية التي يسجلها الفريق من حين إلى آخر، الأمر الذي يفرز معطيات مغايرة لما يريد كل طرف إبرازه والاختفاء من ورائه، وهو ما أفرز لنا علاقات وسيناريوهات متذبذبة وغير مستقرة فيما يتعلق بيوميات الأندية· ولعل ما يحدث اليوم في بيت مولودية الجزائر مثلا أو حتى نادي شبيبة القبائل يدخل في هذا الإطار، حيث ساعدت الإنطلاقة السيئة لهذين الناديين في بطولة القسم الأول المحترف على بروز المعارضة بشكل جلي وقوي، إذ سرعان ما سارعت إلى نشر الغسيل وتوجيه اللوم والعتاب وأحيانا القدح في حق مسيري هذين الناديين· وبعيدا عن التصريحات التي اعتدنا عليها، يبقى الجمهور الكروي منقسما بين مؤيد لما تقوله المعارضة وما يصرح به رؤساء الأندية ومسؤوليها، لكنه (الجمهور) في كل الأحوال لا يستطيع فك خيوط المؤامرة التي تحاك ضد فريقه، ويكتفي فقط بتتبع الأخبار والمستجدات عبر وسائل الإعلام· عندما تتحول العلة إلى معلول وإذا كانت الأمور اليوم تسير بهذه الوتيرة والذهنية، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو إلى أي مدى يمكن القول أن الوسط الكروي عندنا بلغ مرحلة التعفن الحقيقي، وأن مسألة التناطح بين الأطراف المذكورة لا تعدو كونها وسيلة لطمس الحقائق وعدم مواجهة الأزمة الحقيقية التي تعيشها كرتنا منذ عشريات كاملة· إن التجربة أثبتت لنا حقيقة ثابتة وهي أن القبضة الحديدية بين الرؤساء والمعارضة ممثلة في اللاعبين والمسيرين القدامى كانت ومازالت تلقي بظلالها على المشهد الكروي عندنا ولا نعتقد بأن تغيير الرئيس والجهاز الإداري لنادي ما سيغير الكثير فيه، طالما وأن العقليات التي عششت في أذهان القائمين على كرتنا لا تختلف مهما تغيرت التركيبة البشرية للأندية، والدليل أن المعارضة التي نصبت نفسها اليوم كمدافعة عن مصالح الفريق، لا تلبث أن تجد نفسها في مرحلة ما عندما تعود إلى الواجهة وتأخذ بزمام الأمور، عرضة لانتقادات المسيرين والرؤساء القدامى الذين فشلوا في مهامهم واضطروا إلى مغادرة كراسيهم مرغمين· وفي خضم التعتيم الإعلامي الذي يلجأ إليه طرفا النزاع والصدام، تلوح في الأفق ظاهرة لا تقل خطورة وتتعلق أساسا في سيطرة وجوه وأشخاص معينين على دواليب الفريق سواء كانوا في الإدارة أو المعارضة، وهذا لعشريات كاملة، وهي اليوم ما تزال تصنع الحدث وتعبث بمصير الأندية رغم النقلة النوعية التي عرفتها كرتنا بانتقالها إلى الحياة الاحترافية التي من المفروض أن تفرض أنماطا معينة في التعامل مع الواقع الكروي وفق الشروط المحددة في دفتر الشروط، ولا يمكننا والحال كذلك أن نتصور مستقبلا لكل الذين تداولوا لحد الآن على تسيير أنديتنا في ظل المعطيات الجديدة التي تحتم عليهم مغادرة كراسيهم وتركها لمن يدفع أمواله من أجل الفريق على نحو ما عرفه نادي اتحاد العاصمة بمجيء حداد الذي أزاح من طريقه المسيرين السابقين ونصب نفسه المسؤول الأول على التسيير والخزينة وهو عين صواب الاحتراف؟!