قال الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي، مساء السبت الماضي، أنه ''وراء كل وزير هناك استراتيجيات مصاهرة''، هدفها المزاوجة بين المال والجاه· وأكد خلال عرضه لكتابه ''الوزير الجزائري'' الصادر عن منشورات الشهاب، أن نظام تعيين الوزراء الجزائريين يخضع لمعطيات غير واضحة، وتبقى الجهوية العامل الرئيسي للتعيينات، المرتبطة أساسا بالجهة التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية، كما هو الحال الآن مع جماعة تلمسان· وصف جابي دراسته المنشورة، أخيرا، لدى ''الشهاب''، بأنها محاولة للاقتراب من المعلومات الحقيقية التي تخص الشخصية السياسية الجزائرية، وسعي للابتعاد عن الإشاعات التي تغذي أفكار عامة الناس، فتدفع بهم إلى بناء أحكام مغلوطة في حق الكثير من الشخصيات الوطنية والسياسية: ''الجزائري لا يعرف من يحكمه، ويجهل النخب التي تدير شؤونه''، يوضح الباحث الذي كتب في مقدمة كتابه (664 صفحة) يقول: ''غياب المعطيات العلمية الدقيقة حول النخبة السياسية الجزائرية، جعلنا نختار المقابلات الموجهة المباشرة، كوسيلة أساسية لجمع المعلومات، من أجل إنجاز هذا البحث الذي يعتمد على معطيات تنشر لأول مرة في الجزائر''· يؤكد جابي أن اهتمامه بموضوع الدراسة ''قديم، فقد فكرت في دراسة حول الولاة ثم الأمناء العامون، لكنني قررت في آخر المطاف الاكتفاء بالوزراء، الذين كان الاتصال بهم أسهل من الوصول إلى مسؤولين آخرين''· فقد تمكن الأستاذ بجامعة ''بوزريعة ,''2 من استجواب 150 وزير في فترات متعددة من تاريخ الجزائر المستقلة· تمت المقابلات بين 1996 و,2010 على فترات متقطعة، اقترب فيها الباحث من عيناته، في مناسبات عدة، كتشييع الجنائز، خاصة في مقبرة العالية، أو خلال انعقاد الندوات أو المؤتمرات والاجتماعات الحزبية، كما هو الحال مع محمد الشريف مساعدية، ورابح بيطاط وعبد العزيز بوتفليقة، الذين اتصل بهم بمناسبة أحد اجتماعات اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني· كما كانت المطاعم، وقاعة انتظار مطار الجزائر، والمعرض الدولي للكتاب، مواعيد سانحة للاتصال بالمعنيين· ويوضح المؤلف أن المقابلات مع الوزيرات والوزراء ''لم تتأثر مطلقا بالجو الأمني والسياسي الذي كان سائدا في السنوات الأولى لانطلاق البحث''· كما فضّل الوزراء الإجابة على الأسئلة كتابيا، مثل عبد المجيد مزيان، بوعلام بن حمودة، أبو جرة سلطاني، الشيخ بوعمران، العقيد احمد بن الشريف· إقترب جابي من شخصيات أخرى، رفضت التعامل مع الدراسة: ''ثمة عشرة وزراء رفضوا العمل معي''، يشرح جابي، يذكرها المؤلف في متن دراسته، أبرزها عبد العزيز بوتفليقة ''وزير الخارجية الأسبق هو الآخر تهرب من الإجابة على الأسئلة، بعد أن التقى به الباحث، في أحد اجتماعات اللجنة المركزية لجبهة التحرير (ديسمبر 1995) بنزل الأوراسي، وحاول إقناعه بالإجابة على أسئلة المقابلة''· ويردف موضحا: ''كان خارج السلطة في تلك الفترة، لم يتمكن الباحث من اللقاء به فيما بعد''· ومن الرافضين للاستجواب، نجد أيضا: علي بن محمد ومحمد الشريف خروبي (وزيرا التربية السابقين)، العربي ولد خليفة (كاتب الدولة مكلف بالتعليم الثانوي والتقني والثقافة الشعبية)، كمال بوشامة (سفير الجزائر بسوريا)· فيما اعتذر كل من عبد الرزاق بوحارة (وزير الصحة الأسبق)، وبحبدور صالح قوجيل (وزير النقل الأسبق) ''دون تقديم حجج''· ويصف جابي عينة الرافضين للاستجواب ب ''غير المتجانسة'' و''لا يجمع بينها الكثير من العوامل المشتركة''· الريف والمدن: الأصل والفرع بحثت أسئلة الأستاذ في المنحدرات الاجتماعية والجغرافية للوزير الجزائري، حيث ركز جابي في بورتريهاته، على الأصل الاجتماعي، بدءا من الجدين ثم الأب، والاهتمام بجيل الوزير نفسه، دون إغفال جيل الأبناء· المعطيات المتوصل إليها تساعد القارئ على تتبع الحراك الاجتماعي للجزائريين في فترات مختلفة، واكتشاف العائلات المنتجة للنخب الوزارية (زرداني، ياكر، منتوري···)، التي قال عنها: ''إن الفئات الريفية المالكة الكبيرة والمتوسطة، كان لها دور في إنتاج النخبة الوزارية الجزائرية·· نتيجة قد تعيد النظر في الأطروحات السائدة حول الطابع (الشعبي) للنظام السياسي في الجزائر''· فأغلب أجداد وآباء الوزراء، كانوا من الفلاحين الذين قرروا الاستقرار بالعاصمة، في القصبة تحديدا أو المدنية، انتقالها إلى العمل المأجور (وظيف عمومي، سكك حديدية··)، والحرص على تعليم الأبناء، رغم ضعف المستوى المادي· بمعنى آخر، فإن الأصول الاجتماعية للنخبة الوزارية عندنا، هي أصول ريفية في الغالب· الوزير ''حيوان جهوي''؟ قال جابي، إنه بعد استجواب الوزراء: ''اكتشفت أن التوازنات الجهوية هو جزء من اللعبة''، وأن النظام الجزائري كان وما زال يفكر بطريقة إرضاء المنتسبين لجهات الوطن الكبرى، بحكم الشرعية الثورية بالدرجة الأولى، ثم لاعتبارات القوة والنفوذ، ويلاحظ الباحث أن وزارة المجاهدين مثلا ظلت في قبضة جماعة الولاية الرابعة منذ الاستقلال، ومع مرور الوقت أصبح المنتمون إلى هذه الجماعة يشكلون قوة ضغط· ويضرب جابي مثال آخر مرتبط بجماعة تلمسان الحالية، إذ يرى أنه من الطبيعي أن تسود هذه المنطقة في المرحلة الحالية، بالنظر إلى انتماء رئيس الجمهورية لتملسان: ''رغم ذلك ثمة جهات أخرى تمارس سيطرتها دون أن تظهر للعيان، وهي تحافظ على عددها لكنها لا تملك الوزن السياسي الآن''، ويضيف جابي: ''أبناء تلمسان من الوزراء متجانسين اجتماعيا وهم أبناء نفس الوسط، أي موظفين وحرفيين وإذا قارناهم بأبناء الشرق فأهل الغرب يشكلون قلة، لأن الشرق يمثل أكثر من 15 ولاية غير متجانسة، أما المنحدرين من أصول قبائلية فيمثلون جيل الهجرة والحركة العمالية''· في هذه النقطة، يكتب جابي في مؤلفه ما يلي: ''الثانوية والجامعة اللتان التحق بهما الوزير الجزائري·· ساهمتا في هذا الحراك الجغرافي بين عدة مدن، وحتى مناطق مختلفة··''، وقد اكتشف الباحث في أغلب المقابلات أنها تمت من منطلق جهوي: ''فقد حافظ الكثير من الوزراء على علاقات جهوية بين بعضهم البعض، حتى وأن اختلفت في بعض الأحيان مواقفهم السياسية وفترات تجربتهم السياسية داخل الحكومات المختلفة''· ورغم إقرار جابي بأن الوزير الجهوي ليس ''حيوانا جهويا'' إلا أنه في نقاشه مع القراء بمكتبة الشهاب، بباب الوادي، يؤكد العكس بالقول: ''هناك نظام توظيف للوزراء غير واضح، واستراتيجيات مصاهرة، وعلاقات بين العائلات، المالكة وصاحبة النفوذ''· وفي موضع من الكتاب، يشير الكاتب إلى أن التحالفات بين الشخصيات السياسية لا تحدث دائما بمنطق جهوي، وإنما تقام على أسس أخرى، كما هو الأمر بالنسبة لبلعيد عبد السلام وعلاقاته مع الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، فرافقوه إلى وزارة الصناعة والطاقة· مولود حمروش مع ''مجموعة الإصلاحات'' أو أحمد أويحيى مع بعض خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، الذين التحقوا بحكومته الأولى· لا فرق بين الوزير والوزيرة إستجوب عبد الناصر جابي، 18 وزيرة من بين 20 اقترب منهم، كانت أولهم زهور ونيسي (كاتبة دولة للشؤون الاجتماعية 82-,84 وزيرة التربية 84-86)، التي لم أجابت على كل ما طرح عليها· كذلك فعلت بثينة شريط (الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة 2002-2003)، ليلى عسلاوي (وزيرة الشباب والرياضة 91-,92 كاتبة الدولة للتضامن الوطني 94)، لاليام-حود نفيسة (وزيرة الصحة جوان/أكتوبر 1991)، إضافة إلى ربيعة مشرنن، علاب مليكة، فتيحة منتوري، خليدة تومي وسعيدة بن حبيلس، وغيرهن اللائي التقى بهن في مكاتبهن أو منازلهن· وقد سجل الباحث أن أغلب المسؤولات كن من الدارسات للحقوق، تعرضن إلى نفس ظروف التعيين الخاصة بالوزير الرجل· إلا أن البارز في بورتريهن هو استفادة هذه النساء من مسار تعليمي ونضالي فتح أمامهن الطريق إلى الوزارة، واستفادتهم أيضا من ظرف عائلي يقبل باعتلاء المرأة لمناصب رائدة في المجتمع·