"الجزائر:الدولة والنخب" هو عنوان الكتاب الصادر حديثا للدكتور ناصر جابي عن منشورات الشهاب وحاول جابي في هذا العمل الجديد الإجابة عن بعض التساؤلات المرتبطة بالأسباب الحقيقية لمختلف الأزمات السياسية، الأمنية والاجتماعية التي شهدتها بلادنا في العشرية الأخيرة، ويعد ناصر جابي وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر وباحث في مركز الدراسات في الاقتصاد التطبيقي للتنمية من أبرز الباحثين المتخصصين في علم الاجتماع في بلادنا صدرت له مؤلفات في هذا المجال وشارك بمداخلاته في عدة ملتقيات تناولت موضوع الحركات الاجتماعية والنخب السياسية. مقدمة الكتاب جاءت بقلم الدكتور برهان غليون أشار من خلالها إلى أهمية هذا العمل الذي أعاد فيه ناصر جابي النظر في التاريخ الاجتماعي والسياسي للجزائر بدءا من الحقبة الاستعمارية لتفسير الكثير من المعطيات التي أعيد إنتاجها بعد الاستقلال خاصة على مستوى تطور الفئات الوسطى وتعبيراتها السياسية والثقافية..وأضاف غليون أن الأبحاث التي يضمها الكتاب تعكس هموم جيل جديد من الباحثين الاجتماعيين في الجزائر وتعد مساهمة في شق طريق لم يفتح بعد أو لم تتوضح معالمه بما فيه الكفاية لدى الباحثين الاجتماعيين العرب. وأكد نصر الدين جابي بخصوص كتابه أنه حاول تحديد وحصر الإشكاليات والمساهمة في تقديم تفسير جزئ لما حصل من عنف وإرهاب وانتكاسة للتنمية منطلقا من فرضيات مرتبطة بتشكيل بعض الفئات الاجتماعية ذات الدور المحوري كالنخبة والفئات الوسطى في الجزائر وظاهرة الاستعمار الاستيطاني الذي تعرضت له بلادنا. وأكد جابي في هذا الإطار أن الانقسامية التي جعلت الفئات المتعلمة لا تحتل موقع النخبة إلا بالنسبة لجزء من المجتمع وليس كله تقوم بأدوار محددة في حين هناك جزء آخر من النخب يقوم بهذه المهام مما أدى إلى تقسيم صارم للأدوار، واعتبر أن الجمعيات والأحزاب التي عبرت من خلالها هذه النخب تأثرت جزئيا بهذه الانقسامية. وكان لموضوع المسألة اللغوية في الجزائر حيزا معتبرا في الكتاب، وفي هذا الصدد أوضح جابي أن الأجيال الجديدة من الجزائريين التي ابتعدت جزئيا من الانقسامية بفضل المدرسة الجزائرية اكتشفت بعد التحاقها بعالم الشغل أن لغة تعليمها الأساسية وهي العربية ليست هي لغة العمل والتسيير مما تطلب إعادة تأهيلها لغويا من جديد للتعامل مع هذا الواقع المهني، وأضاف جابي أن المسألة اللغوية تحولت إلى وسيلة فرز اجتماعي واضح بالنسبة لأجيال الاستقلال والذي كان موضوعيا لصالح الفئات الحضرية الوسطى التي تتعامل بالفرنسية حتى داخل المنزل على حساب الكثير من أبناء الأوساط الشعبية والريفية التي ستعيش حالة إقصاء بفعل اللغة. وفي جزء آخر من الكتاب تطرق المؤلف إلى موضوع " الحركات الاجتماعية في الجزائر "فأوضح أن الكثير من الأحزاب السياسية فشلت في ربط أي علاقة مع الحركات الاجتماعية الفاعلة، وأشار جابي في هذه الدراسة إلى تداعيات المأزق السياسي الذي وصلته الحركات الاجتماعية بشكليها الشعبي الأمازيغي ونتائجه الوخيمة على الأحزاب التي مثلت قوة سياسية كبيرة خلال فترة من تاريخ التعددية في الجزائر.