يكشف الروائي الليبي، محمد الأصفر، في هذا الحوار، موقفه من الثورة الليبية ورؤيته للعلاقات المستقبلية بين الجزائر وليبيا، كما يكشف أيضا الأسباب الحقيقية التي حرمته من إصدار رواياته في ليبيا في عهد القذافي، ويتطرق إلى العديد من الأمور التي جعلته يترك ممارسة كرة القدم والتجارة ليصبح كاتبا روائيا، وغيرها من الأمور· كيف دخل محمد الأصفر عالم كتابة الرواية؟ بدايتي مع الكتابة والرواية كانت سنة 2000 بعد أن قطعت شوطا في كتابة القصة القصيرة، التي رأيت أنها لا تعبّر ما يجري بداخلي، ففضّلت كتابة الرواية، فكانت أول رواية لي بعنوان ''المداسة'' أتحدث فيها عن مدينة مراكش وعدة مدن مثل إسبانياوأفغانستان، وهي أيضا قصة حب بين شاب ليبي هارب من بلده وشاعرة من عمان هاربة من بلدها أيضا بسبب مشاكل الأمريكيين في عمان خلال حرب الخليج، ويلتقيان في قارب الهجرة غير الشرعية في إسبانيا ويتزوجا بطريقة غير شرعية، ويتم تجنيدهما من قبل القاعدة وإرسالهما إلى أفغانستان، وهناك تحدث مغامرات طويلة، حيث تنجب الشاعرة العمانية بنتا من الشاب الليبي، وتعود إلى ليبيا بعد هزيمة طالبان وأسامة بن لادن، إلا أن ليبيا لا تعترف بها· تطرقت في إحدى رواياتك إلى رياضة كرة القدم، ما سر ذلك وما الهدف منه؟ أنا من المولعين بكرة القدم، لعبت لمدة 10 سنوات بإحدى نوادي بنغازي، ثم اهتممت بممارسة التجارة، وبعدها دخلت عالم الكتابة بداية بالقصة القصيرة إلى الرواية· في رواياتي توجد فصول كاملة عن كرة القدم بمفهوم سياسي وإبداعي· بعد كرة القدم تحوّلت إلى تاجر ثم إلى روائي، كيف ذلك؟ صحيح، لقد مارست التجارة كوني أعشقها كثيرا، فهي فرصة لجني المال، فتعلمت منها الخسارة والربح والمساومات، وحتى كيف تنهض من جديد بعد السقوط عند الخسارة، والتجارة هي عالم حيوي يجعلك تعيش في تجدد كل يوم، ففيها السفر ورحلات كثيرة واكتشاف أجواء جديدة، حيث سمحت لي بالتعامل مع البوليس والجمركيين ومع التجار الجشعين ومع الزبائن الطيبين· أما السر الرئيسي في حبي للتجارة، هي أنها تسمح لي بزيارة الدول وكتابة رواياتي، فأنا أمارس التجارة لربح بعض المال واسترجاع الرأس المال قصد زيارة بلدان أخرى· ولا أخفي عليكم أنها ساعدتني كثيرا في رواياتي وتنقلاتي ورحلاتي· تناولت في روايتك مقتل شقيقك من طرف نظام معمر القذافي (السابق) داخل السجن، هل من توضيحات أكثر في هذه القضية؟ هذه الحادثة تركت في قلبي جرحا عميقا لا أحد يمكن أن يداويه، حيث فقدت أغلى فرد من أفراد عائلتي، والواقعة تعود إلى صيف 1996 بأبي سليم بمدينة طرابلس، حيث تم القبض على عدد كبير من المواطنين من جميع أنحاء ليبيا ومعظمهم أبرياء، تم إيداعهم السجن دون محاكمة وظلما، ووجهت لهم تهم مجانية من طرف السلطة، وفي إحدى الأيام تظاهر هؤلاء السجناء داخل السجن مطالبين بتحسين ظروف المعيشة ومعالجة بعض السجناء المرضى، حيث قام نظام القذافي بتجنيد مرتزقة أفارقة، وتم قتلهم جميعا في لحظة واحدة في مذبحة خلفت جرحا لا ينسى في قلوب عائلات الضحايا، وتم دفنهم في مقبرة جماعية، لم يكشف عن مكانها إلى يومنا هذا، ومن ضمن هؤلاء القتلى شقيقي الوحيد الذي راح ضحية الحكم الديكتاتوري التسلطي المجرم، والسبب الوحيد في سجنه وقتله هو أنه كان يذهب إلى صلاة الفجر، وبعدها قررت أن أكتب رواية في هذه القضية لأكشف جرائم السلطة· ألا تعتقد أنك عرّضت نفسك للخطر بعد كتابتك لرواية تتناول قضية سجن أبو سليم؟ صحيح، لقد ضحيت بنفسي وعرضت حياتي للخطر، وغامرت بكل شيء، لكن لم يكن لديّ ما أخسر، لأن قتل شقيقي هو بمثابة قتلي أنا شخصيا· لكن رواياتك لم تصدر في ليبيا ولم يُسمح لها بالعرض في المكتبات ولا حتى إدخالها إلى تراب ليبيا، لماذا؟ صحيح، فنظام القذافي منع إصدار رواياتي في ليبيا وعرضها في المكتبات، لأنها كانت تتحدث عن السياسة وبطش النظام، وعن أسرار سياسة النظام الليبي، إضافة إلى مواضيع في الدين والجنس، حيث مورست رقابة شديدة، على جميع روايتي· وماذا عن قصة الملح؟ القصة حقيقية، حيث يوجد بمدينة بنغازي ميناء قديم يشتهر بتصدير الملح من قبل السلطات التركية العثمانية في الماضي، ومادة الملح في ليبيا تعتبر مادة مباركة في الموروث الشعبي الليبي، كونه لديه دلالات كثيرة، فهو يداوي الأمراض والجروح، ويستخدم من طرف المتسلطين لتعذيب الإنسان بوضعه على الجروح، ونظرا لأهميته ومكانته خصص العديد من الفنانين الليبيين أغاني كثيرة يمجدون فيها مادة الملح· وروايتي في هذه القصة أحدثت ضجة كبيرة، لأنها تناولت بدقة الموضوع· تطرقت في إحدى رواياتك إلى أمازيغ ليبيا، كمثقف وروائي، كيف كنت ترى واقع أمازيع ليبيا في عهد القذافي؟ أمازيغ ليبيا كانوا جد مضطهدين ولم يكن يسمح لهم بالتعبير عن أغانيهم وثقافتهم، ولا حتى التحدث بالأمازيغية، والعديد منهم راحوا ضحايا النظام التسلطي، إذ لم يكن يسمح لهم حتى بإصدار كتابات ولا استغلال وسائل الإعلام، ومنعوا حتى من إظهار العلم الأمازيغي، والأمر نفسه بالنسبة للمذهب الإباظي، حيث لم يكن مسموح به في الممارسات الدينية والتعريف بالهوية، وأنا قررت أن أتطرق إليهم في رواياتي كدعم معنوي لهم، والدفاع عنهم، وكان هدفي إبرازهم إلى الواجهة· هل بإمكاننا أن نعرف موقفك من الثورة الليبية؟ كنت مع الثورة الليبية منذ بدايتها، وشاركت فيها، وقبلها كنت من الأشخاص الذين مهدوا لهذه الثورة عبر كتاباتي، وكتبت عدة مقالات في جرائد عالمية تناولت فيها إيجابيات الثورة وحقيقة نظام القذافي على غرار جريدة ''القدس العربي''، ''نيويورك تايمز''··· وغيرهما، أناصر فيها الثورة الليبية، وأشجعها وقمت بدعاية كبيرة لها، كما أصدرت كتابا عن الثورة الليبية في شهر ماي المنصرم تحت عنوان ''ثوار ليبيا الصابرون''· هل كنتم تتوقعون اندلاع هذه الثورة؟ نعم، كنا نتوقع أن تحدث الثورة وبالتالي نهاية نظام القذافي، لأن الشعب عانى الظلم والبطش والمعاناة، وحرّم من كل حرياته، ومعظم الذين تظاهروا يوم 15 فيفري المنصرم هم من عائلات الأشخاص الذين راحوا ضحايا نظام القذافي، وهم أيضا من فجروا الثورة، وبعدها اعتنقها الشعب الليبي وانتشرت الاحتجاجات والمظاهرات في كل مدن ليبيا· وكيف استقبلتم نبأ مقتل معمر القذافي؟ صراحة، استقبلنا خبر مقتل القذافي بسعادة كبيرة جدا، وأقول إن من يزرع الشوك لا يجني إلا الجراح مثلما قال أبو القاسم الشابي، فنحن لسنا متعاطفين مع الطاغية الذي قتل أبناءنا وارتكب مجازر جماعية، واغتصب بناتنا، ووصفنا بالجرذان، ومن قبل ذلك كان هناك طغاة آخرين مثل موسولوني وشوسيسكو الذين تعرضوا لنفس المصير، وأي طاغية لا يحترم الشعب ويغتصب بناته ويحتقرهم فهو يستحق هذا الجزاء· حاليا الثوار يتعرضون لانتقادات لاذعة من طرف منظمات حقوقية دولية بعد التنكيل بجثة القذافي، كيف تفسر ذلك؟ منظمات حقوق الانسان والمحكمة الدولية لا تنفعنا ولا نوافق عليها، فالقذافي مارس أفظع من هذه الأمور في حق الشعب الليبي، فنحن لا نعير أي اهتمام لهذه الانتقادات، وعلى الدول الغربية أن توقف مزايدتها، لأن أمريكا مارست أكثر من ذلك وقامت برمي زعيم القاعدة أسامة بن لادن في البحر دون أن تتكلم أية منظمة، فعلى هذه المنظمات الحقوقية أن تحقق في ما جرى في معتقلات أبو سليم وأبو غريب··· وغيرها· فلا أمريكا ولا دول أخرى بإمكانها أن تمنحنا دروسا في حقوق الإنسان، ونحن أدرى ببلدنا، والقذافي يستحق الموت، لأنه لو بقي حيا لسبب لنا المزيد من المشاكل، فهو دفع ثمن ما فعل، وهذا الثمن أعتبره جزءا من عدالة السماء في حق القذافي الذي لا يمكننا أن نقتله مرة واحدة بل سنقتله بقلوبنا إلى الأبد·