محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الليبي محمد الأصفر للنصر
نشر في النصر يوم 24 - 10 - 2011


سأستفيد من الثورة كما يستفيد منها الناتو
محمد الأصفر كاتب وروائي ليبي بدأ شاعرا ثم ذهب إلى السرد واحترف الرواية. غزير الإنتاج كثير الكتابة، وقد صدرت له حتى الآن 11 رواية منها: "المداسة"، "نواح الريق"، "عسل الناس"، "تقودني نجمة"، "سرة الكون"، "ملح"، "شكشوكة". أما كتابه الذي صدر مؤخرا فهو بعنوان "ثوار ليبيا الصبورون" وهو عبارة عن مقالات ويوميات وشهادات عن الثورة الليبية وثوارها، الكتاب صدر باللغتين العربية والإنكليزية وقد ترجم قسم الإنكليزية بعض الكتاب العرب منهم الأردنية رقية كنعان واللبنانية غنوى حايك، في هذا الحوار يتحدث الأصفر الذي جاء إلى الكتابة في سن متأخرة عن الثورة والناتو وبرنار ليفي، كما يتحدث عن رواياته وعن إبراهيم الكوني وأشياء أخرى بلهجة صريحة وساخرة أحيانا.
حاورته/ نوّارة لحرش
في رصيدك 11 رواية وكتابة غزيرة وحضور مكثف في الآونة الأخيرة في المشهد الأدبي الليبي والعربي، هل يمكن القول أن الثورة أضاءت عليك أكثر أو قربتك من القاريء العربي مؤخرا، أم كتاباتك ومواقفك؟
محمد الأصفر: الثورة جعلت الإعلام العربي والعالمي يركز على الكُتاب الليبيين ويحاول الإقتراب من إبداعهم، فشعب قام بثورة عارمة اشتعلت في كل المدن في الوقت نفسه لابد أن يكون قد مهد لاندلاعها أدب وفن ما. الإعلام يحاول اكتشاف أسباب الثورة من خلال الإبداع بعيدا عن الاكليشيهات القديمة الجاهزة كالبؤس والحرمان والجوع والفقر وغيرها من المسببات. بصراحة الثورة جعلت الإعلام العربي يلتفت إلينا ويدعونا للنشر والمشاركة والاستضافة. أنا شخصيا استفدت من هذه الثورة إعلاميا فكتبت العديد من المقالات التي تناصرها وأحيانا تنتقدها وأصدرت كتابا في وقت مبكر تناولت فيه بعض يومياتها ولحظات مهمة من أيامها الأولى وأحاسيس ومشاعر الناس حيالها، لكن كان في الإعلام العربي قبول مسبق لكتاباتي فمعروف عني أنى من كُتاب الضد وأن كل رواياتي مطبوعة خارج ليبيا وطالها المنع والتضييق أحيانا بقرار من وزير الثقافة مباشرة ومن المخابرات. فطبيعي أن يتم الالتفات إليّ في وقت الثورة وبعدها باعتباري من العناصر الإبداعية التي تنبأت بالثورة وذكرتها بصورتها الحالية بشكل تقريبي في روايتي "ملح" الصادرة عن دار الحوار بسورية عام 2009. بصراحة الثورة أفادت الكُتاب الليبيين كثيرا، أخرجتهم من الظلام الذي زجهم فيه القذافي إلى نور ربي. بالنسبة لي سأكون واقعيا، أحببت جدا أن أستفيد من هذه الثورة رغم أني أحد عناصرها والمشاركين فيها بفاعلية قبل انطلاقها وبعدها. سأستفيد منها كما يستفيد منها الناتو أيضا. أقدم نيران الحبر مقابل نيران المال. لكن المشكلة أن الليبيين سيسددون للناتو ومع باقة ورد وأنا سيقولون لي متاجر بدم الشهداء. فليقولوا ما يقولون. سأهاجر إلى أوروبا وسيمنحني الناتو نفس الباقة التي منحتها له بلادي وآنذاك ستمنحني بلادي بدل الباقة حقل ورد. عندما أتحصل على لجوء سياسي أو إنساني من أوروبا ويصرف على حياتي الغرب لا أشعر أن ما يصرفه هي أموال دافعي الضرائب الأوروبيين إنما هي أموال وطني ومن حقي المقدس المشروع.
تحضر بنغازي في رواياتك وأعمالك كثيرا، كأنها تيمتك الأثيرة؟
محمد الأصفر: نعم المراهنة على بنغازي جعلتنا نربح. وكل الكُتاب لديهم مدنهم. كاتب بلا مكان كفم بدون أسنان. أنا أيضا مدينتي هي بنغازي، فهي مدينة توافق أرائي السياسية والحياتية، فهي كوزمبولية تتعايش فيها الكثير من الجنسيات المنصهرة في ليبيا الواحدة كالعرب والأمازيغ واليهود والتبو والطوارق والكريت والأتراك والبلقانيين والمالطيين وذلك لموقعها المهم على شاطئ المتوسط ولطيبة أهلها المرحبين بالغريب والممتزجين به بالمصاهرة والتعاون التجاري وغيره. في مدينة بنغازي يوجد الملح، حيث أنها كانت ميناء لتصدير الملح، والملح في معتقداتنا الشعبية شيء مبارك، يجعل مذاق الأشياء لذيذا لاذعا ويشفي الجراح ويحفظ المواد الغذائية فتناولي بنغازي في رواياتي يجعلني لا أمارس فعل الكتابة على الورق أو شاشة الحاسوب إنما يجعلني أعيش كما أرغب وأغير نمط حياتي بمزيد من الدموع التي إن لم تكن ساخنة ودافئة جدا لا أبكيها.
تنشر خارج ليبيا،هل بسبب إجبارات ما أم اختيارات شخصية، ومن جهة هل لأن النشر خارج ليبيا ضرورة ملحة لك ككاتب يبحث عن فضاءات أوسع وأكثر انتشارا؟
محمد الأصفر: في ليبيا لا أحد ينشر لي، المؤسسات ترفض النشر وتقدم تقارير في رواياتي، لكن التقارير لا تنفعهم لأني قبل تقديم أي رواية أكون قد نشرت الكثير منها على شبكة النت. ديار النشر لدينا في عهد القذافي والمؤسسات الثقافية تتكون من عناصر استخباراتية وبوليسية يتتبعون الكلمات سيميائيا ويقدمون عنها التقارير في الوقت نفسه الذي يبتسمون في وجهك ويقولون لك أنهم معك وقد يساعدونك حتى ببعض المال الذي بالطبع ليس من جيوبهم. أنا أريد أن أصبح كاتبا وقد أصبحت. لا أنتظر ديار النشر المحلية أن تنشر لي أو تقول لي عدل هذا السطر أو حَور هذا الفصل أو أشطب هذه الكلمة، لقد ضحيت بمستقبلي الأسري والوظيفي من أجل الكتابة، أي مال أكسبه لا أنفقه على أسرتي وأنفقه على طباعة الكتب، ليس لدي مشكلة أن أتسوّل من أجل طبع كتاب، كرامتي لا أشعر بها أنها هدرت عندما أقوم بفعل التسول في مقابل كسب كرامة كتابي الذي سيرى النور. عدة دور نشر عربية معروفة أقرت أن موادي جميلة وجيدة لكن للأسف لا تتماشى مع سياسة نشرها المحافظة. ومن هنا اتخذت قرارا أن أقدم المادة لأي مطبعة ليس ككتاب أو رواية إنما كحروف أريد طباعتها. ذات مرة في مصر قلت لصاحب دار النشر الذي أعتذر عن نشر الرواية حتى بالمال: اعتبر الرواية مجموعة بطاقات عرس أو مطوية عقد قران لا تكتب لي على الغلاف اسم دار نشر، وفعلا وافق صاحب دار النشر وطبع الرواية. أطبع خارج ليبيا لأن في ليبيا رفضوا أن يطبعوا لي وعند الرفض كتابي يشعر بالحزن ويبكي فأقول له لا تقلق سيتم طبعك في مكان أكثر ضوء.
«ثوار ليبيا الصبورون» كتابك الجديد الصادر مؤخرا، وفيه بعض القراءات والمقاربات حول الثورة الليبية، هل يمكن إدراجه في خانة الأدب المُواكِب للأحداث، ألم يكن من الضروري مثلا التريث في إنجاز هذا الكتاب؟، وهل يمكن إدراجه أيضا في باب الشهادات التي ربما لا تتريث ولا تنتظر؟
محمد الأصفر: لقد كتبت الكتاب وانتهى الأمر، لا أبحث عن أي تصنيف أو إدراج له، لابدّ لهذه الكتابة وأعني بها كتابي من أن تعرف كيف تستقطب قراءها، لأنها تأتي طازجة من قلب الحدث، حيث أن اللحظة الأولى، تأتي في كثير من الأحيان، على درجة كبيرة من الصدق والعفوية، أي تأتي حارة بحرارة الأحداث التي تلفها، لتتيح إلينا إلقاء نظرة أولى على ما يجري. نظرة قد لا نتشبث بها لاحقا، فيما لو تغير أي شيء، لكن ها هي هنا الآن، ونقرأها، على الأقل لنعرف أولى الإرهاصات التي حركتها والتي تركت بعض آثارها على أبطالها إذا جاز التعبير. كتابي «ثوار ليبيا الصبورون»، يخرج في كتابته من مجرد رواية الحدث، لنقع فيه على تفكير كبير بالشرط الإنساني، انطلاقا من أفكار العديد من الكتّاب العرب والأجانب، الذين لعبوا دورا مهما في حياتي، أي أننا أيضا أمام كتابة تفكر بامتداداتي الأدبية والفكرية، هذه الامتدادات التي وجدت مساربها في ظل زعيم وقائد ربط بشخصه كل حركة للفكر أيضا. « ثوار ليبيا الصبورون» ينطلق من اللحظة الراهنة، لكنه لا يقع أسيرها، وهذا ما يعطيه بعدا أعمق من مجرد كونه ارتباطا وثيقا بالحدث.
الكونى من الكتاب الذين كان النظام يدعمهم ماليا ولا علاقة له بضمير الثورة
ككاتب ومواطن ليبي هل ترى حقا ضرورة لتدخل النيتو، ولماذا ليبيا بالذات التي اعتمد ثوارها على النيتو في ثورتهم ضد النظام؟، ألا تخشى أن تكون العواقب أكثر كارثية وأسوأ مآلا؟
محمد الأصفر: لم يعتمد ثوار ليبيا على النيتو، النيتو هو من اعتمد عليهم، ثوار ليبيا بكل مؤسساتهم السياسية أذكياء وماكرين أيضا، وجميل أن الذين قادوا الثوار في المراحل الأولى من الثورة كانوا قد اشتغلوا مع القذافي وابنه سيف واستعبدهم واحتقرهم ومارس عليهم جنونه حتى يأتي رد فعلهم بعد الثورة عليه انتقاميا وقاسيا لأنهم يعرفون جيدا كيف يفكر القذافي وما الذي يمكن أن يفعله لو أنه هزم الثوار. اللجوء إلى الناتو أولا جاء نتيجة إرادة دولية عربية وعالمية، وأي شخص عندما يرى القذافي يمارس القتل بواسطة الأسلحة الثقيلة والبوارج الحربية والطائرات وكل ما أوتي من قوة سينحاز إلى ثوار ليبيا ويطلب لهم حلا سريعا لمواجهة آلة القذافي الحربية وهذا الحل لم يكن متوفرا في الهروب أو المفاوضات أو دعوات الصالحين أو الجلوس في الجوامع وطلب رفع البلاء إنما كان في النار، في الناتو الذي أوقف آليات القذافي وجنبها المعركة ليجعلها معركة رجل برجل وكان الثوار في كل المدن في الموعد، دفعوا دما مقابل حريتهم. اللجوء إلى الناتو شيء ضروري ولعبة قذرة مارسها الثوار بتأييد عالمي وتحت غطاء قانوني. هذه اللعبة كان سيمارسها القذافي نفسه الذي غازل الغرب بأن من يقاتلهم عناصر من تنظيم القاعدة لينال دعم الغرب أو سكوتهم ويواصل قمعه للشعب الليبي. بالنسبة للعواقب الشعب الليبي قادر على معالجتها، هو لم يفترق أثناء الحرب فلن يفترق بعدها، وكل ليبيا متمسكة بوحدتها. سنسدد للغرب ثمن نيرانه وإن أراد رجالا يحاربون معه بشرط أن لا يقتل أحد منهم مثل رجال الناتو فسيتم منحهم له.
قلت: "تدخل الناتو والغرب كان لأجل الحياة وليس كما يزعمون لأجل النفط، فالغرب أعجبته وأدهشته ثورة الليبيين، وأيضا الفرنسيون وخاصة منهم برنار ليفي الذي رأى في ثورة ليبيا الثورة الفرنسية القديمة"، لكن ألا ترى أن الثورة الليبية كانت أكثر دموية؟
محمد الأصفر: بالطبع نحن نريدها دموية، لا نريد ثورات ناشفة، لابد أن تكون الثورة دموية. لابد أن يكون في ثورتنا دم حتى يترسخ الوشم وينتقش على جدار الأبد. لابد أن يكون لنا شهداء في العالم الآخر. ومازالت ليبيا ستمنح الحياة المزيد من المجد. لابد أن نفرغ شحنة الانتقام من أنفسنا لنبدأ صفحة جديدة. لا نريد معارك ومشاحنات بعد تكوين دولة الديمقراطية. كل الدماء سكبها الليبيون خلال شهور الثورة السبعة هذه ليتفرغوا فيما بعد للبناء. لدينا الآن أناس مؤهلين تعلموا في الغرب وفهموه كيف يفكر. وفي الوقت نفسه هم وطنيون نحن نثق فيهم سيتعاملون مع هذه المشكلة. المهم الآن أن صنبور النفط في يدنا لكن لأن الصنبور ثقيل فالغرب يساعدنا قليلا. برنار ليفي نعم يتخيل أن الثورة الليبية هي الثورة الفرنسية، هو وقف مع ثوار ليبيا وشاركهم القتال في الجبهة وفي غرفة العمليات، هو أيضا متعاطف مع الصهيونية، له رأيه ولنا رأينا، من خلال تعامله معنا ودعم ثورتنا لا يمكننا إلا أن نشكره ونقدره. في الحرب هناك أشياء تحدث وعليك أن تتقبلها. برنار ليفي في ليبيا لم يمارس الفلسفة أو النقد. كان حضوره عسكريا وإعلاميا. للأسف لم ألتقيه. لأنه في الأساس لا يهمني. المشاهير لا أحب أن ألتقي بهم وعندما يقتربون مني أشم ضوء برائحة البراز.
لكن نذكر أنك قلت في سياق متصل بالناتو أن هناك تفاهم بينكم وأنه يريد نفطكم وأنكم ستبيعونه النفط وأنكم على استعداد لتسديد فاتورة الحرب والتحالف معه في أي قضية من أجل الديمقراطية والحرية". وهذا يناقض كلامك الأول عن أن الناتو لا يريد النفط؟
محمد الأصفر: نعم قلت ذلك في حوار، والحوارات بالنسبة لي حالة إبداعية وأحيانا أضمن حوارات في رواياتي. دائما أعيش حالة التناقض هذه. الآن أقول كلاما، بعد ساعة أعترف به لكن أقول شيئا لا يتفق معه، لا أحد يثق فيّ، في الكتابة، في الحياة، في كل شيء، أنا أنفع في السياسة لأني كثير الكذب، لكن الأحزاب الجديدة في ليبيا ليبرالية اشتراكية إسلامية لا أحد أراد أن يشغلني أو يتعاون معي، أحد الإسلاميين الكبار أعجب بمقالة لي فشكرني لكن بعد أسبوع صدمته مقالة بها كلمات بذيئة فتبرأ مني وقال لي هذا فراق بيني وبينك. كان مفيدا لي جدا. كلما أقول الله أكبر يرسل لي بعض المال، تلك الأيام ذكرت الله كثيرا، الآن أذكره أكثر وتصلني ورود وضحكات لذيذة من ملائكة لا أراها، لكن للأمانة وحتى يرتاح ضمير ذلك الإسلامي أن ما منحه لي لم أصرفه على أي شيء حرام في الشريعة الإسلامية، عندما أتسول بعض المال من عدة أصدقاء أصنفه: مال للأكل، مال للخمر، مال للسكن في الفندق، مال للترفيه، مال للمواصلات وغيرها. لا أصرف مال أي شخص في غير موضعه. والمتسول دائما يده مفتوحة للجميع. تصلها أموال متنوعة منها أموال حرام تحتاج إلى تبييض فنبيضها بمعرفتنا في ثنايا وظلمات المجتمع السفلي.
تدافع عن برنار ليفي وأفكاره، تؤمن بها وتستشهد بها وبأفعاله وأقواله، ما علاقتك به؟
محمد الأصفر: عرفت ليفي من خلال مدرسة الاختلاف النقدية المعروفة التي منها الجزائري اليهودي الفرنسي جاك دريدا وفوكو، لكن ليفي بالنسبة لهم ضعيف جدا، عندما جاء لبنغازي كثير من الكُتاب ذهبوا إليه وقابلوه وأخذوا صورا معه وأهدوه كتبهم وجعلوه صديقا لهم. للأسف لم أذهب إليه ولم أقابله. كنت مشغولا بالثورة ومعايشتها. ماذا سيفعل لي ليفي كي أقابله. للأسف لا وقت لدي لذلك، لأني لديّ عقدة من النقاد والفلاسفة والمفكرين ومن كل من يمارس كتابات جادة يغوص بها في العمق. عموما لست نادما على عدم مقابلة ليفي. لكن إن جاء ميلان كونديرا التشيكي إلى بنغازي فحتما سوف أقابله فهو مفيد لي وكتاباته تعجبني.
"لا أملك وقتا أضيّعه في بناء ديمقراطيات، سأبحث عن ديمقراطية جاهزة أعيش فيها قليلا حتى ينتهي وطني من صراعاته وبقية معاركه"،
هل يعني قولك هذا أنك فقدت ثقتك بالديمقراطيات والحريات المستقبلية التي قامت من أجلها الثورة؟
محمد الأصفر: وقتي للكتابة وليس لبناء الديمقراطيات. لا أريد أن أكون سياسيا كبيرا وسعيد جدا بأن أكون كاتبا تافها. العمل من أجل بناء الديمقراطية في بلادي لست مقتنعا به. لا أحب أن أبذل مجهودا في هذا الإتجاه، لدي أسبابي الخاصة، لقد استفدت من حقبة القذافي كثيرا في مثل هذا الأمر، السياسة لا تهمني والدين لا يهمني وعلم الاجتماع والاقتصاد والرقي والتقدم والحضارة كل تلك الأشياء لا تهمني. وقتي للتسكع والكتابة والقراءة والتسول من النساء أحيانا.
اللجوء إلى الناتو شيء ضروري ولعبة قذرة مارسها الثوار بتأييد
بدأت مسيرة الكتابة شاعرا، لكن سرعان ما أغوتك الرواية واحترفتها ومشيت في درب السرد، كيف حدث هذا؟
محمد الأصفر: جميع أنواع الكتابة هي عبارة عن شعر. ما أكتبه الآن تحت مسمى روايات أو مقالات هو شعر بالأساس. الكاتب الذي يفشل في جعل مادته قصيدة فعليه أن يراجع نفسه وأن يبحث عن الخلل، لابد من وجود نكهة الشعر في المادة الأدبية، لا يعنيني الشكل بقدر ما تعنيني الروح، كثير من الروايات العالمية والعربية وحتى ألف ليلة وليلة هي عبارة عن شعر، لا يمكننا تصنيفه كشعر عمودي أو قصيدة نثر أو تفعيلة أو هايكو أو غيرها من المسميات. بدايتي كانت سردية، لكن كلماتي التي كتبتها آنذاك تلقاها البعض كشعر، لكن يقولون أنه شعر ضعيف، وكنت سعيدا بهذا الوصف لأنني لست مؤمنا بأن القوة ستصنع شعرا أو متعة في أي زمان. الأشياء الهشة ستكون دائما رائعة.
يصف الناقد سالم العوكلي رواياتك بالمربكة وبأنها بقدر ما تمتع القاريء بقدر ما تصدمه، ذ ويصفك بالروائي المغامر والارتجالي في خلق الأحداث؟، ما رأيك؟
محمد الأصفر: أحترم رأي سالم العوكلي وأشكره كثيرا لأنه من الكُتاب الذين يشجعوني ويتفهمون طريقتي في الحياة والكتابة وأحب أن أقول أن الربكة التي تحدثها الرواية في القارئ شيء جميل، أنا ضد الرتابة والرصانة والاتساق والنظام والنص المحكم والأحداث الموضوعية. أنا هكذا طريقتي في الكتابة مثل طريقتي في الحياة. على الجميع أن يتوقع مني أن أصدمه. لن أسمح لأحد أن يقرأني كما يراني لكن كما يحسني فلا بأس.
معظم رواياتك تندرج في استثمار السيرة، هل لأنك تحب شخصيتك وسيرتك كما تقول، أم لأنك ترى أن على الكاتب أن يستثمر في سيرته وشخصيته أكثر؟
محمد الأصفر: أعتقد أن كل الكتابات عبارة عن سير ذاتية والتمويه الذي يصنعه الكُتَّاب من خلال تغيير ضمير المتكلم بالغائب أو المخاطب حركة فاشلة. كل الكتابات سيرة ذاتية أو فلنقل معظمها. لكن هذه السيرة تختلف، هناك من يحكي عن حياته الخاصة، هناك من يحكي عن سيرة أفكاره، هناك من يحكي عن سيرة رائحته، آخر عن سيرة بيته، آخر عن سيرة ملابسه، آخر عن سيرة نضاله، آخر عن سيرة فلسفته، آخر عن سيرة خياله وآخر عن سيرة مؤخرته.
تتداخل شخصيات الواقع والخيال في رواياتك، هل تتعمد هذا التداخل، وهل يغريك هذا في الكتابة الروائية؟
محمد الأصفر: أحيانا أثناء الكتابة أقوم بعملية مقامرة، أخلط الأوراق وأوزعها على اللاعبين، واللاعب الذي يخسر ويقف للخروج من الحانة أو المقهى استبقيه وأمنحه البطولة لأنه كريم، مد بطولات الآخرين بماله القليل، لكن هو بالمقابل سيحس أن هذا التكريم خياليا فقط، داخل غرفة الكتابة فقط، خارجها ستكشفه الشمس أو مصابيح النيون وسيتم نبذه لأنه خاسر، ومن هنا أرسله كي يجلب حبا من جديد ليعود إلى حلبة الصراع، الحب سيجده مرميا في الشوارع، لن يشتريه، يغرف منه، يملأ به قلبي ويعود إلى أوراقي كي أغمس قلمي أو إصبعي في نبضه وأكتب، من هنا تتداخل الكتابات لدي دون أن أتعمد ذلك. هذه الأشياء تحدث وحدها تلقائيا.
هل هناك رواية جديدة عن الثورة، وهل آن الوقت أن يستلهم الأدباء الثورة وربيعها في رواياتهم؟، أم من الأفضل ترك مسافة كافية لهذا الإستلهام؟
محمد الأصفر: نعم هناك رواية بعنوان "قصة حب في بنغازي". شهر جوان وفي عز احتدام الثورة تحصلت على بعض المال فسافرت إلى تايلند وهناك كتبت نصف رواية في ثلاثة أسابيع ثم عدت. النصف الآخر سأواصل كتابته بداية العام. كنت سأسافر إلى تايلند هذه الأيام لكن زوجتي منعتني بسبب الفيضانات التي تعصف بتايلند الآن. سننتظر إنحسار الماء وتوقف الأمطار الموسمية. هناك أكتب في هدوء، أشعر بالراحة في بلد بوذا وأدخل في صوفية ليس بها بنادير وطار وزار. لا أريد أن أنتظر لأرى أكثر ولأستلهم الحدث وأغوص في دهاليز كنهه. سأكتب رواية عن الثورة وهي طازجة الآن. ليس مشكلة لدي إن كانت رواية سطحية فأعماقي كما يصفها الصديق الكاتب محسن الرملي تكمن في السطح. إن لم أحترم وأعشق سطحك فكيف يمكنني الغوص إلى اللب.
هل ترى أن إبراهيم الكوني كان ضمير ليبيا حقا، لقد صرح مع بداية الثورة قائلا: "حاولت قدر الإمكان أن أكون ضمير ليبيا الحقيقي طوال هذه السنوات". ككاتب وإنسان ليبي هل ترى أنه كان ضميركم كشعب وضمير ليبيا كبلد؟
محمد الأصفر: الكوني من الكُتاب الذين كان النظام يدعمهم ماليا ومعنويا بقوة ولا علاقة له بضمير الثورة ولا غيرها مثله مثل ساسة ليبيا ومعظم أعضاء مجلسها الانتقالي اختاروا اللحظة المناسبة للقفز في العربة. الكوني كاتب جيد وعالمي وأديب ومشهور ومتألق ونعتز بأنه ليبي لكن الثورة لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. لم يكتب أي شيء ضد النظام ولم تمنع له أي رواية ودائما على رأس كل البرامج الثقافية التي تخططها وزارات إعلام وثقافة القذافي بما فيها ترأسه لجائزة القذافي العالمية التي رفضها خوان غويتسولو ورحب بها الناقد المصري جابر عصفور. إن كان ضمير الثورة فعلا ومؤيد للثورة عليه أن يقدم دليلا كتبه قبل ثورة 17 فبراير. لكن الآن بعد قيام الثورة أي كاتب ليبي يلتحق بالثورة وينتسب لها ويريد أن يعلن نفسه بطلا أحب أن أقول له المثل الليبي الشهير بلغة ليست فجة أو شوارعية:(بعد ركبوه اشترى بندقية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.