هل تحولت ثورات ''الربيع العربي'' التي تجتاح أكثر من بلد، إلى ''ربيع إسلامي''؟ بمعنى هل انتصر الإسلاميون في العالم العربي أخيرا في الوصول إلى الحكم عن طريق الشارع بعد أن فشلوا في ذلك حتى باستعمال السلاح؟ هذه التساؤلات كانت محور ندوة ''الإسلاميون والتحولات السياسية في العالم العربي'' التي احتضنها مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية بمشاركة جملة من الباحثين الجامعيين· تجاوز الدكتور عبد القادر محمودي ثنائية ''الربيع العربي'' و''الربيع الإسلامي'' التي طرحت بقوة أثناء الندوة إلى ما يمكن أن يكون ''ربيعا غربيا''، حيث قال إن ''الشعب يريد والغرب يستفيد''، وبحسب محمودي فإن هذا لا يعني القول بالمؤامرة، ودعا إلى إيجاد معادلة جديدة بين الحاكم والمحكوم من أجل الخروج من هذه الحالة بصالح الطرفين لأن الجميع في سفينة واحدة وإن حدث غرق فإن الكل سيغرق· وقال الدكتور مصطفى صايج إنه ليس من السهل أن ''نضع صورة واحدة للمستقبل، ففي الدراسات المستقبلية نعرف أن المستقبل حمّال أوجه''، وأضاف قائلا: ''قدرتنا كباحثين تكمن في كيفية رسم مشهد معين عبر تداعياته وتأثيراته الداخلية والإقليمية والدولية، فعندما حاولت أن أرسم مستقبل التيارات الإسلامية في العالم العربي وخصوصا في المناطق التي تشهد حالات احتجاج في الوقت الراهن وجدت مشاهد تبدو فاعلة سواء الجانب التاريخي أو الواقعي أو المستقبلي''، وحسب صايج فإن هذا ''لا يعني أن نأتي بالاحتمال القريب وربما الأكثر تأثيرا لكننا لا نراه الآن، لكنه يمكن أن يخلق نموذجا جديدا وبالتالي يمكن أن نتلمسه من خلال تبلور مجموعات من المؤشرات، فالحالة التونسية هي أقرب إلى النموذج التركي لكن بإرادة خليجية دولية''، وقال إن ''ما تريده تركيا وقطر والولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن النموذج التونسي في الداخل أعتقد أنه سيجد صعوبات كبيرة فسيكون أمام امتحان، فمن السهل أن تطلق خطبا وتقوم بعمل دعوي، لكن بناء الدولة يحتاج إلى نوع من التنازلات من أجل تقسيم السلطة، وبالتالي يمكن أن يحدث تصدع حتى داخل الكتلة الحزبية التي كنا نراها قوية وهذا ما حدث في الحالة الجزائرية قبل الآن''· أما الباحث العيفة سالمي، فقد قال إن الأمر يبقي دائرة التساؤلات، لكن كما أضاف: ''دون أن ندخل طبيعة اللحظة التاريخية، ودون أن تقتنص هذه الفرصة التاريخية من أجل التأسيس لفعل سياسي طليعي''، وقال: ''هناك من يتحدث عن الربيع العربي وهناك من يتحدث عن الربيع الإسلامي تجاوزا والتجاوز يشمل حتى الربيع العربي، والأهم من كل هذا أننا نحلم بتأسيس ربيع ديمقراطي، هذا حقنا كباحثين وكشعوب وكإعلاميين فعلينا أن نمارس هذا الوعي، ونتساءل: لماذا تعطل هذا المشروع؟ ربما ننطلق من مداخلة أحد المتكلمين عندما تكلم عن أن التيار الإسلامي ينتشر عندما يتراجع التيار الوطني''، وهنا دافع عن فكرة تقدم الإسلاميين على حساب الوطنيين، حيث تساءل بالقول: لماذا يتراجع التيار الوطني؟ هذا التيار الوطني هو الذي كان يحكم وكان داعما للأنظمة المستبدة، وبالتالي نحن بصدد طرح آخر هو دور التيار الوطني من أجل استشراف ملامح مستقبلية في صالح الجميع· وتكلم عدد من المتدخلين عن موضوع الربيع العربي الذي تحول إلى ربيع حقيقي للإسلاميين من عدة زوايا، لكن الكل أجمع على الدور التركي والقطري والضوء الأخضر الأمريكي، لكن البعض تساءل إن كان النموذج التركي هو النموذج الوحيد الناجح من أجل الذهاب إلى حالة ما بعد الإسلام السياسي، وهنا طرح النموذج الماليزي الذي وصفه البعض بالناجح لكن يلجأ الكثير للتعتيم عليه لأنه معادي للصهيونية، وهنا طرح الدور الغربي في أحداث الربيع العربي· الخير· ش ---------------------------------------------------------- بلخادم في بمداخلة عن ''الإسلام السياسي'' بمركز البحوث الاستراتيجية والأمنية ''ليفي'' و''غلوكس مان'' هما مصدّرا مقولة ''من يقتل من؟'' قال عبد العزيز بلخادم أمين عام جبهة التحرير الوطني، إنه بالرغم من أن الفيلسوفين ''برنارد أنري ليفي'' و''غلوكس مان''، هما من كانا وراء ''من يقتل من في الجزائر؟'' إلا أنهما كانا يأتيان إلى الجزائر سنوات 96 ,95 ,94 وحتى في 97، مضيفا في سياق متصل خلال ندوة نظمها مركز البحوث الأمنية والاستراتيجية، بعنوان ''الإسلام السياسي والتحولات السياسية في البلدان العربية''، أن الغرب يقوم بعملية انتشار جيواستراتيجي في المنطقة العربية، موضحا أن هذا الانتشار ''غريب الصدف تزامن مع تحوّل في التفكير والتوجه السياسي لبعض الحركات الإسلامية التي وصلت أو تحاول الوصول إلى السلطة''· أوضح محند برقوق، المسؤول الأول على مركز البحث، أن بلخادم حضر إلى اللقاء بصفته صديقا للمركز وليس بصفته أمينا عاما لجبهة التحرير الوطني، رغم حضور القيادي في المكتب السياسي المكلف بالإعلام، قاسة عيسي إلى جانبه. وأضاف بلخادم على توضيح برقوق، مبررا حضوره ''المصادف'' لندوة ''الإسلام السياسي والتحولات في المنطقة العربية''، أنه يولي اهتماما بالغا مما يلقى من محاضرات مهمة تُعنى بالبلد في المجالات السياسية. وخلال الكلمة التي ألقاها ضيف المركز ''غير المعهود''، بدا مهاجما منذ الوهلة الأولى للغرب، بسبب محاولته فرض خريطة جيواستراتيجية بطريقة غير ديمقراطية· وأفصح بلخادم أنه يخالجه شعور بالارتياب، جراء كل هذا ''فكل نعت للإسلام بتسمية لم يعرف بها هو تجن عليه، فهذا يقول إسلام فرنسي وآخر يقول إسلام وسطي وآخر إسلام اقتصادي'' بالنسبة إلى عبد العزيز بلخادم هذه مصطلحات مستلهمة ''من أدبيات غيرنا ويظهر ذلك جيدا في كتابات جيل كيبل المختص في شؤون الإسلام السياسي· بالعودة إلى الفكر الغربي نجد كثيرا من الاختزالات التي تضر بسمعة الإسلام''، واستدل بلخادم على هذا التصريح بترويج الغرب لنظرية ''إذا لم يكن كل المسلمين إرهابيون فكل الإرهابيين مسلمون'' وقال أيضا إن ما يقوم به الغرب حاليا هو الانتشار الجيواستراتيجي، موضحا أن ذلك سبق لبريزينسكي وأن أشار إليه في كتابه ''رقعة الشطرنج الكبيرة''، وسبق أيضا لصامؤيل هنتغتون أيضا الإشارة إليه في نظريته صدام الحضارات، حيث يتحدث عن ''حدود دموية وعن إسلام سياسي، بيد أن المسألة زادت تعقيدا بإدخال بعض الدراسات الإعلامية والأكاديمية التي طرحت مصطلحات مشوشة. وشرح بلخادم الصدفة التي تجمع بين ''إرادة الغرب وبين منطق الحركات الإسلامية التي أفرزتها الاحتجاجات في الوطن العربي''، وذكر أن راشد الغنوشي في تونس ''يستعمل سياسة خذ وطالب، لهذا اعتمد على خطاب مطمئن تجاه الغرب لاعتقاده بازدواجية التفكير في الغرب''، وقال عن الإخوان المسلمين كتيار عادت له حيويته بعد سقوط نظام مبارك إنهم يطالبون بحكم مدني وليس دولة مدنية، ''بالإضافة إلى انقلاب رئيس المجلس الانتقالي الليبي عن موقفه الأولي الداعي إلى دولة تستمد مرجعيتها من الإسلام إلى دولة تحافظ على مصالح الغرب''، مؤكدا وجود تحوّل في مطالب الإسلاميين عبر المنطقة العربية، عارضا في الندوة إلى ضرورة العودة إلى ''حركات إسلامية ذات مرجعيات إسلامية حقيقية قد تكون إخوانية أو مودودية (نسبة إلى أبو الأعلى المودودي) أو غيرهما ويُعمل على تفعيل العلاقة بين تلك الحركات في الدول وشعوبها. وانتقد بلخادم سياسة الترويج للنموذج التركي في الإسلام بدل النموذج الماليزي، وأوعز السبب إلى أن ''ميهاتير يملك موقفا واضحا وحازما من الكيان الصهيوني، أما النموذج التركي فيه شيء من التداول، فانتفع الأتراك من هذا الموقف ودعمت الطبقة البرجوازية العدالة والتنمية'' وأكد بلخادم أيضا أن ''فريق صمود وتصدي الذي كانت الجزائر دولة من بين الدول المشكلة له تم استهدافهم تباعا، مؤكدا قناعته بوجود ارتباط ''بين إعادة الانتشار الاستراتيجي والهيمنة على مصادر الطاقة في العالم من مياه وبترول'' عبد اللطيف بلقايم ---------------------------------------------------------- مصطفى صايج أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر ل'' الجزائر نيوز'': الليونة تجاه إسرائيل هي مقياس الغرب في دعم الحركات الإسلامية يعتبر مصطفى صايج أن العدائية والليونة تجاه إسرائيل هي من يحدد توجهات الغرب في دعم الحركات الإسلامية الجديدة التي قد تصل إلى السلطة على أنقاض الأنظمة العربية القديمة المتهاوية، موضحا أن خسارة التيار الإسلامي لمعركة السلطة في الجزائر، كان سببها نقص التجربة في العمل المؤسساتي· أكدت في مداخلتك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وظّفت الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وفرضت عليها التعامل معها، لماذا في اعتقادك قبلت تلك الحركات هذا التوظيف من حيث هي على علم به، بينما معظم تلك الحركات تجعل من أمريكا العدو الأول لها؟ في المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي في الوطن العربي، نلاحظ أن التيارات الإسلامية كانت متعددة وليست كتلة واحدة، فالكتلة التي ترغب في دعم غربي بتعاون خليجي قطري هي الكتلة المنتمية أكثر إلى الإخوان المسلمين، أو لاستنساخ نموذج العدالة والتنمية لتركيا، وهو النموذج الأنسب في الحفاظ على العلاقة مع الغرب والحلف الأطلسي، ولا يمكن أن يدخل في صدام مسلح مع إسرائيل، بنسبة كبيرة. وهذا النموذج هو الذي يتجه الغرب إلى دعمه سواء في تونس أو في سوريا أو في ليبيا أو مصر، وجوهره هو القبول بالآخر. في الجزائر توجد أحزاب إسلامية تقبل التعايش مع الآخر، لكن هناك توجه مناقض يتم الترويج له بالتزامن مع الثورات العربية، وهو ضرورة تعزيز التيار الوطني الداخلي كبديل سياسي جديد، كيف يتم التوفيق في نظرك بين هذا وذاك حتى لا يتم إهمال أية جهة؟ الجزائر كانت سباقة للتعامل مع السلطة والانتقال الديمقراطي، وما لاحظناه في خضم التحول الديمقراطي في بلادنا هو أن التيار الإسلامي الذي انتشر كان شعبويا ولكن بمجرد الشروع في الاستحقاقات، وقع الصدام مع المؤسسات السياسية والأمنية القائمة· والصدامات أفرزت خريطة سياسية للأحزاب الإسلامية الجديدة، وكانت منقسمة إلى محلية وأممية، ولقد انشطرت من الداخل نتيجة عدم القدرة على التكيف جيدا مع الحسابات السياسية والسلطة ومغانمها، وهو ما ساهم في إضعاف الحركة الإسلامية في الجزائر، ابتداء بالعامل الكارزماتي للمؤسسات الإسلامية المعروفة بقوة شخصيتها وثانيا التجربة المأساوية الدموية السابقة للإسلاميين جعلت الحركات تتراجع· لكن هناك رأي يقول أن تلغيم الحركات الإسلامية لم يكن بإرادة هذه الحركات بل مخطط له من جهات غيرها؟ في تقديري أن نقص الخبرة هو العامل الرئيس في تراجع تلك الحركات، ونعود دوما للنموذج التركي، فحزب الرفاه عندما وصل إلى السلطة تم اقصاؤه من طرف المؤسسة العسكرية، ولكن الحركات الإسلامية لم يكن خيارها المواجهة المسلحة بل إعادة تنظيم الصفوف سريا، والانتشار اجتماعيا لتتكيف ضمن نخب جديدة في إطار حزب العدالة والتنمية. أما الذي حدث في الجزائر الايمان بالسلاح كخيار للوصول إلى السلطة، وهو ما جعلها فاقدة للعمل السياسي والخطاب المطمئن للرأي العام· سأله: عبد اللطيف بلقايم ---------------------------------------------------------- الدكتور عبد القادر محمودي ل ''الجزائر نيوز'':ليس مهما استلام الإسلاميين للسلطة بقدر استفادة الشعوب من هذا التحوّل ما يحدث حاليا في دول عربية، هل هو ''ربيع عرب'' أم ''ربيع إسلامي''، أم هو ''ربيع غربي'' كما يقول دعاة المؤامرة؟ لا هذا ولا ذاك، هي نزاعات داخلية يمكن أن تتطور إلى ربيع، كما يمكن أن تتطور إلى انتفاع خارجي، الأمر متوقف على سلوك الحاكم العربي والمحكوم العربي، إلى أي مدى يدرك الحاكم والمحكوم· أهم شيء هو التعامل في إطار علاقة ثلاثية، تهم الحكام والمحكوم وتهم أيضا النظام الدولي، فالتطور يحتاج إلى عقلانية في السلوكات السياسية، لأن الصراع الداخلي في إطار العولمة لا يحسم لصالح أحد الطرفين المتصارعين، بل عادة ما يحسم لصالح النظام الدولي وعلى حساب الطرفين المتصارعين، لذا يجب على الحاكم والمحكوم العربيين أخذ المعطى الجديد هذا بعين الاعتبار· عندما قلت ''ربيع إسلامي''، كنت أقصد أن هذا ''التمرد'' الشعبي سيجني ثماره الإسلاميون، لأنهم يسيطرون على صناديق الانتخابات دون غيرهم، إلى أي مدى توافق على هذا؟ هناك تيارات إسلامية متعددة وليس تيارا واحدا، والقضية ليست فيمن يسيطر، إنما التساؤل الرئيسي هو هل الشعب الذي يريد سيكون هو المستفيد؟ مهما كان الذي يمثل هذا الشعب في السلطة· محمد البوعزيزي حرق نفسه لأسباب اجتماعية تتعلق بالكرامة، وأتى راشد الغنوشي يجني ثمار ما حدث بعد ذلك، ألا ترى أن هذا مثال صارخ لما أقول؟ * أنا لا أقول هذا، هناك مظالم ومشاكل كثيرة في العالم العربي، والعلاقات بين الحكام والمحكوم معروفة· كيف يدرك أن اللعبة دولية، وبالتالي فهو مطالب بإيجاد صيغة للتوافق مع المحكوم، والأحداث الجارية ستتطور إلى ربيع عربي إذا أدرك الطرفان المتصارعان داخل كل بلد أهمية دور النظام الدولي، وبالتالي سيتجهان إلى نوع من الحل الوسط لمواجهة التحدي الدولي· أنت تستعمل مقولة ''الشعب يريد، والغرب يستفيد''، هل تحكم على أحداث الربيع العربي بالفشل مسبقا؟ أنا لا أقول هذا، قلت ''الشعب يريد والغرب يستفيد'' في المرحلة الحالية، وأنت لو تتأمل حالات ليبيا وسوريا وغيرها، فستلاحظ أن هذه الدول ستخرج من هذه الأحداث ضعيفة والمستفيد في النهاية هو النظام الدولي، لذا أنا أقول إن المرحلة حرجة، وأملي كجزائري ومن العالم العربي الإسلامي أن الشعب الذي يريد هو الذي يستفيد في النهاية، فكيف يستفيد الشعب؟ إذا أدرك الحاكم والمحكوم أنهما في سفينة واحدة وإذا غرقت فسيغرق الجميع·