ناقش خبراء وباحثون عرب في ''عشاء ثقافي مع ''الخبر'' بفندق ''الجزائر''، وحضره باحثون جزائريون كمصطفى ماضي وزبير عروس ومحمد هناد والشاعر عمر أزراج، موقع الإسلاميين في ثورات الربيع العربي وفي مستقبل الحكم في الدول العربية، خاصة مع بروز دور محوري لتيار الإخوان في كل من تونس ومصر، وانتقال التيار السلفي من مرحلة تكفير العمل السياسي إلى تأسيس أحزاب، وكذا المخاوف من أن تنتج هذه الثورات طغاة جدد مثلما أنتجت ثورات الستينيات أمثال القذافي ومبارك والأسد، إضافة إلى دور المثقف في صنع الثورات العربية وموقعه في مواجهة الثورات المضادة، وتأثيرات الربيع العربي المفصلية على القضية الفلسطينية. ثورات الستينيات أنتجت القذافي ومبارك وبشار والأسد وصالح السياق التاريخي لن يسمح بظهور طغاة جدد يطرح السؤال نفسه في أفق مستقبل الثورات العربية، هل يمكن أن تنجب هذه الأخيرة طغاة جدد ودكتاتوريات محاطة بالدعم الأجنبي، مثلما أنجبت ثورات الخمسينيات والستينيات طغاة ودكتاتوريات على غرار القذافي وصالح ومبارك الذي هو نتاج ثورة 1952 والأسد في سوريا وغيرهم. يرى الأكاديمي المصري عبد الغفار شكري أن السياق التاريخي لن يسمح بظهور طغاة جدد في الدول العربية، معتبرا أن السياق الذي سمح بتحول الثورات الوطنية إلى نظم دكتاتورية كان سياقا تاريخيا مختلفا، اضطرت فيه الشعوب العربية إلى التضحية بالديمقراطية مقابل الاستقلال والتخلص من بقايا الاستعمار وللامبريالية، غير أن الظرف الحالي يتسم بسياق تأخذ فيه الديمقراطية والحريات السياسية والمدنية الرهانات الأول بالنسبة للشعوب العربية، ويؤكد شكري أن أمام ثورات الربيع العربي نهاية تاريخية واحدة هي تحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية والحريات المدنية، وأي تخلي عن إنجاز هذه المهمة هو فشل سيقود إلى ثورات داخلية أخرى. ويشدد حلمي الشعراوي على أن التحرك السياسي والشعبي الأخير في مصر كما في تونس ضد ما يعرف ب''الثورة المضادة'' يدخل في سياق منع أي عودة للواجهات السياسية للأنظمة السابقة، ومنع إعادة إنتاج نظام حكم يسير بالاتجاه نفسه الذي سارت فيه أنظمة مبارك في مصر وبن علي في تونس وصالح في اليمن. ويشكك في ذات السياق في مسألة عدم قدرة الحكومات العربية مستقبلا على ممارسة ذات الأساليب التي كانت تمارس في وقت سابق، معتبرا أن التحديات الداخلية المطروحة على أرض الواقع ليست نفسها التي كانت مطروحة في فترة الستينيات والسبعينيات، وإذا كانت النظم السابقة نجحت في تهميش الشعوب تحت دوافع المعركة مع إسرائيل والاستعمار والإمبريالية، عندما ادعت أنها تقاتل من أجل تحرر الشعوب وتوجه كل جهدها الوطني إلى ذلك، فإنها لا تستطيع فعل ذلك الآن، وليس لها قضية وطنية تقنع بها الشعوب لتأجيل طموحات ومطالبها الديمقراطية. ويعتقد محسن بوعزيزي إنه من غير الممكن العودة في كل الدول العربية إلى ما قبل الربيع العربي، بدليل أن الكثير من الدول العربية التي لم يشملها الربيع العربي بالصورة المصرية أو التونسية أو الليبية، سارعت إلى إقرار إصلاحات سياسية وتعديلات على القوانين ذات الصلة بالحياة السياسية، وأطلقت مزيدا من الحريات. وتعتبر الباحثة المصرية رباب المهدي أن تطور مستوى الوعي السياسي الشعبي، وارتفاع سقف مطالب الحريات السياسية والمدنية، لن يتيح مستقبلا لأي من النظم العربية تجاوز مطالب الشعوب أو محاولة التضييق عليها، مشيرة إلى أن أمثال مبارك وبن علي وغيرهم غير قادرين على إعادة إنتاج أنفسهم، رغم محاولات ما يعرف بالثورات المضادة. موقع الإسلام السياسي في ربيع الثورات العربية الخوف على الثورات العربية من الإسلاميين فزاعة يستعملها الغرب أجمع الأساتذة المشاركون في ندوة ''الخبر'' على أن الخوف على الثورات العربية من الإسلاميين، فزاعة استعملها الغرب لتحقيق أجندات تخدم مصالحه، لكنهم أبدوا تخوفهم من تحالفات إسلامية-إسلامية للسيطرة على الساحة. يعتقد عبد الغفار شكري بأن الإخوان المسلمين في حالة الثورة المصرية، أدوا دورا محوريا في تأمين الشارع وإدارة الثورة وصنع شعاراتها، مشيرا إلى أن تراكم خبرتهم السياسية وكونهم الأكثر تنظيما من منطلق مرجعية الولاء والسمع والطاعة التي يتمسكون بها، تجعلهم القوة السياسية الأولى في البلاد، لكنهم مع ذلك يتحركون بذكاء، وأعلنوا عدم ترشيح أي منهم لرئاسة الجمهورية وعدم منافستهم على أكثر من 30 بالمائة من مقاعد المجلس، مشيرا إلى أن هذا يعني أن الإسلاميين بدأوا في استيعاب قواعد اللعبة السياسية، وأرسلوا إشارات مطمئنة للداخل والخارج، لكنه يشير إلى خروج السلفيين وانتقالهم إلى العمل السياسي بالسرعة القصوى عبر تأسيس أحزاب سياسية، موضحا أن التخوف يكمن في إمكانية أن يحدث تحالف إسلامي- إسلامي للسيطرة على الساحة والمؤسسات. ويرى حلمي الشعراوي أنه ثبت في الفترات الأخيرة أن الغرب يخاف الإسلام السياسي، لأنه ينافس مشاريعهم في المنطقة قائلا ''إنهم لا يخشون من التيارات الصوفية المحافظة، وكانوا مع السلفية وهي تؤيد الحكومات الاستبدادية''. ويعترف أعلية علاني في هذا المقام بأن وجود التيار الإسلامي في تونس سيكون محدودا، لأن النظام التشريعي لا يسمح لأي طرف أن تكون له الأغلبية وتحالفه مع تيارات أخرى مستبعد، نظرا لاختلاف برنامجه السياسي. ويبقى مؤكدا حسب المتحدث أن الشعب التونسي تعوّد على الحداثة والتحرّر والعقلانية، وهذا لا يجعله ينخرط كثيرا في تجربة النهضة كما يعتقد، خاصة وأنها تتبنى خطابا مزدوجا لجمع أكبر عدد من المؤيدين، كما أن الأحزاب الإسلامية -يضيف المتحدث- على قلّتها في تونس، لم تحسم أمرها في قضية الفصل بين الدين والسياسة، مشيرا إلى أن النهضة وهي أكبر تمثيل إسلامي، قد غيرت من إستراتيجيها، فخطابها منذ سقوط بن علي أصبح يحمل مؤشرات عن تقبل للنظام المدني والجمهوري والتداول على السلطة. وبالمقابل لا يبدي أعلية قلقه من أن تحكم النهضة تونس، بشرط أن تكون هناك مؤسسة قوية تحافظ على الديمقراطية، إما الجيش أو الرئاسة، معتبرا أنها ليست بالغباء لتحكم تونس وحدها في هذه الظروف. وعكس مواطنه يعتقد محسن البوعزيزي بأن تونس ليست بحاجة إلى وجود حركات إسلامية، رغم أن هذا لا يعني إقصاءها، لأنها تمثل قوة اجتماعية جاءت نتيجة التوجه الراديكالي للنظام البورقيبي وعلمانيته الجامحة، ولم تكن نتيجة صيرورة تاريخية ثقافية اجتماعية. ويدعو محسن إلى عدم تضخيم التواجد التيار الإسلامي في تونس وتهويل هذا الجانب داخل المجتمع، ''مما قد يعطيه غلبة ويصبح فرض أمر واقع ''. أسئلة عن تأخر النخبة وموقعها من الربيع العربي المثقف غاب في تونس وانشغل في مصر ب''التوك شو'' دافع محمد حلمي شعراوي عن المثقف العربي على العموم والمصري بالأخص، وقال إن اتهامه بالغياب عن الحراك الشعبي في الثورات العربية ''مبالغ فيه ونوع من جلد الذات''، مذكرا بالتاريخ المشرّف للمثقفين المصريين منذ حكم جمال عبد الناصر إلى السادات، الذي واجه ضغطا كبيرا من المثقفين، الذين رفضوا معاهدة ''كامب دايفيد'' عبر بيان ''لجنة الدفاع عن الثقافة القومية''. لكنه بالمقابل انتقد دور المثقف في عهد مبارك، الذي أعطى -كما قال- ''حريات صورية''، فانقسم المثقفون إلى معسكرين: الأول اندمج مع السلطة وأصبح صوتا وبوقا لها، وآخر معارض ظهر من خلال الصحافة الحرّة. ويقف الشعراوي عند حال المثقف المصري حاليا، قائلا ''لقد انشغل المثقفون بعد الثورة بالإعلاميات ''توك شو'' أكثر من الفكر السياسي لثورة يناير وابتعدوا عن حركة تشكيل أحزاب أو تنظيمات نقابية''، إذ يعتبر أن حماية الثورة من أي انحراف أو استغلال مسؤولية الأحزاب والتنظيمات وليست مسؤوليته. ويعتبر إياد البرغوثي أن لمثقفين انقسموا إلى قسمين: الأول مثقف مرتزق اشتغل مع السلطة ولأجلها، والثاني مثقف أصولي لديه هموم أخرى بعيدة عن المجتمع. أما المثقف الحقيقي فهو موجود، لكن ليس في تنظيم جماعي أو حركة جامعة، بل على شكل أفراد وفي بعض الأحيان يوجد كرمز فقط، لكن يبقى غير مؤثر في المجتمع. أما المثقف الأصولي فهو بعيد عن طرح المواضيع المتصلة بحياة الناس، فهي ليست من أولوياته، مشيرا إلى أنه متفائل بعودة المثقف إلى الواجهة الاجتماعية مع فتح مجال الحرية للتعبير والنقد البناء. ويختلف موقف محسن البوعزيزي، عن سابقه، حيث انطلق من قوله ''لقد تحولت الطليعة إلى عامة والعامة إلى طليعة''، ويسجل غيابا تاما للمثقف في مختلف مراحل الثورة، بل يرى أن ''الحد الأدنى لدوره التقليدي والمنتظر منه كان ضعيفا''. ويبرر البوعزيزي هذا الانكماش في الدور الطلائعي للمثقف بحالة الخنق التي تعرض لها أثناء حكم الأنظمة السابقة (23 سنة بالنسبة لتونس و30 سنة لمصر). وأوضح أستاذ علم الاجتماع أن دور النخبة الجامعية والمثقفة تقلص في المجتمع وقدرتها على الانفتاح على محيطها الاجتماعي، وانحصر اختصاصها في البحث الأكاديمي التقليدي، بعيدا الحياة العامة. وخلص البوعزيزي إلى أن الحراك الشعبي فاجأ المثقف الذي ''لم يكن مهيأ ولم تكن له القدرة على استيعاب اللحظة''. ومع ذلك لم ينف المتحدث الدور الريادي للجامعيين في الحراك الشعبي، لأن أغلب قادة الثورة من الشباب خريجي الجامعات من البطالين. وعلى خلاف ذلك يعتقد عبد الغفار شكر بأن المثقف العربي لم يكن سلبيا تجاه الثورات التي جرت وتجري في عدد من الدول العربية، موضحا أن المثقف المصري كان عمود الثورة المصرية، وهو من صنع شعاراتها منذ البداية، كما أنه العامل الأبرز في صناعة وعي الشباب واستدل شكري بتصريح للمفكر المصري فهمي هويدي الذي رد عندما سئل عن عدم نزوله إلى ميدان التحرير خلال الثورة، أنه ظل في ميدان التحرير منذ 30 سنة، عبر مقالاته التي تدفع باتجاه الثورة على الأوضاع. مشيرا إلى أن العديد من الكتابات والمقالات التي نشرت في الصحف في أكتوبر 2001 تمهد لثورة الشباب، واعتبر أن السؤال الأبرز الآن هو ما إذا كان المثقف العربي قادرا على الحفاظ على دوره الطلائعي في مرحلة التحول الديمقراطي من أجل هزم أي ارتداد سياسي مضاد للثورة. مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان إياد برغوتي ل''الخبر'' ''نحن متخوفون من دور سلبي لليبيا بعد التدخل الأجنبي'' يشير إياد برغوثي إلى جملة من المخاوف حول مستقبل القضية الفلسطينية تأثرا بالربيع العربي، وكذا عن نجاح الضغوط الأجنبية في لجم وتحجيم دور الدول العربية التي نجحت فيها الثورات العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. بماذا تفسر غياب التنظيمات والحركات السياسية في الوطن العربي عن الحراك الشعبي؟ لقد قدمت تدخلي في ملتقى الجزائر حول الثورات في هذا الإطار، فالأنظمة العربية قضت على أي عملية سياسية جادة وأصبحت الأحزاب السياسية مجرّد هياكل فقط، لا تقدم أي نشاط على مستوى القاعدة الشعبية ولا تملك برامج حقيقية لتحقيق أهداف قريبة أو بعيدة. لذلك نجد أن الثورات في مصر وتونس قادها عامة الشعب، أفراد من فئات وطبقات اجتماعية مختلفة، وهو ما باغت الأنظمة، لأن من قام بالحراك غير محدّد، لا يمكن حصره ولا التنبؤ بتصرفاته ولا توقع مداه أو قوته، وأرى أنه من أسباب نجاح هذه الثورات. وفي هذا الاتجاه فمن الأفضل لأي نظام سياسي أن يحرص على وجود معارضة حقيقية يمكن أن يتحدث إليها أو يفاوضها، لأنه من الصعب أن يجد حلا مع جهة مجهولة وغير محدّدة، فالأنظمة بعملية قضائها على المعارضة قضت على نفسها. بالنسبة إليكم أين تتموقع القضية الفلسطينية داخل كل هذه التحولات الإقليمية والدولية؟ وصلت القضية الفلسطينية في ظل الأنظمة السابقة إلى الحضيض، وكانت هذه الأنظمة متحالفة مع إسرائيل وعملت في غير صالحها، بل وصلت إلى درجة حصارها ومساومتها، مثلما حدث مع نظام حسني مبارك في غزة، كما أنها أدت دورا سلبيا في عملية المصالحة بين الفصائل. وبالتالي أرى أن أي اقتراب من الديمقراطية والعودة إلى الشعوب عمليا في صالح القضية الفلسطينية، خاصّة وأنه لا يمكن إنكار تعاطف الشعوب العربية مع القضية الفلسطينية. فلا خوف على فلسطين في تونس ومصر لأن الشعب مصمم على أن يكون له الدور الأول، لكن يبقى الإشكال مع ليبيا، قد يكون لها دور سلبي بحجم التدخل الأجنبي وتأثيره في القيادة الليبية. وماذا عن تأثير الأوضاع في سوريا على القضية الفلسطينية، خاصة وأنها رقم مهم بالنسبة إليكم؟ بالتأكيد الوضع في سوريا يؤثر في القضية الفلسطينية بشكل كبير، وحتى نوعية التغيير سواء تم أو لم يتم سيؤثر سلبا أو إيجابا. عمليا نحن لا نشك في عروبة الشعب السوري ومواقفه، لكن إذا ما تم التغيير على شكل انقسامات طائفية أو ''بعيد الشر'' حروب أهلية، سيكون سلبيا للغاية بالنسبة إلينا. من ناحية ثانية حتى لو بقي النظام الحالي ''نظام بشار الأسد'' فلن يكون بنفس القوة وستصبح الورقة الفلسطينية الأكثر صعوبة بالنسبة إليه. أنتم كفلسطينيين ما زلتم تعانون من الاستعمار، كيف ترون طلب التدخل الأجنبي في أي بلد عربي؟ أمر مزعج أن نستعين بقوى أصلا كانت تستعمرك. بالمقابل هو مؤشر على مدى الظلم الذي عانت منه بعض الشعوب العربية إلى درجة الاستنجاد بالعدو القديم من أجل الحماية. لكنه أيضا عودة إلى استعمار قديم جديد.