يجري تشريد بدو صحراء النقب، في إسرائيل، على نحو يستهدف ذوبانهم أو تلاشيهم في إطار تهويد الأرض، لأن بقاءهم يعني تهديداً لدولة إسرائيل، حسب أحد بدو النقب الذي التقت به جريدة '' الجزائر نيوز''، مؤخراً، في باريس· '' في صباح هذا اليوم الذي أحدثكم فيه، أقدمت عناصر الصندوق القومي الإسرائيلي مدعومة بالشرطة على تدمير بيوت سكان قرية ''العراقيب'' بالنقب، بجنوب إسرائيل، وهذا للمرة الثانية والثلاثين···''· بهذا الخبر المفجع بدأ لقاؤنا ب ''عزيز صيَّاح أبو مدغم الطوري''، شاب في السادسة والثلاثين من العمر ووالد خمسة أطفال، من سكان قرية ''العراقيب''، إحدى قرى البدو العرب الذين يشكلون 25 في المائة من سكان النقب· ولكن هذا الخبر أصبح مألوفاً لدى ''عزيز'' فأول مرة جرى فيها تهديم القرية كان··· في ,''1948 سنة إنشاء دولة إسرائيل· وعندما جرى التهديم ما قبل الأخير، في صيف ,2010 كان عدد سكان ''العراقيب'' 557 شخصاً موزعين على 65 عائلة· في ذلك اليوم، تم تهديم جميع بيوت العائلات وحظائر الخيل وقلع 4500 شجرة زيتون وما بين 700 و800 شجرة فواكه''· ثم يذكِّر ''عزيز'' ببديهية كررها سكان ''العراقيب'' منذ عقود وهي أنهم ''أصحاب الأرض؛ فهم يعيشون فوقها منذ حوالي قرن؛ إذ لهم بها مقبرة أقيمت عام ,1914 في عهد الأتراك''، أي قبل إنشاء دولة إسرائيل، وحتى قبل إطلاق وعد '' بلفور'' (2 نوفمبر 1917) الذي بموجبه منحت بريطانيا حقا لليهود لإقامة دولة في فلسطين· جُرجِرَ بدو العراقيب إلى المحاكم بعد أن ادعت السلطات الإسرائيلية أن تلك الأرض بدون ملاك وقررت ضمها إلى أملاك الدولة؛ والقضية، الآن، بين أيدي قضاة المحكمة العليا التي طلبت من الطرفين تقديم أدلة إثبات ما يدعيان، قبل البت في الأمر، حسبما يضيف ''عزيز''· معاناة تعود إلى 1949 يذكر ابن قرية ''العراقيب'' أنه في ,1949 قتل الإسرائيليون 22 شهيداً من سكان القرية لأنهم كانوا يحرثون أرضهم··· وفي ,1951 طلب الإسرائيليون من أهالي القرية مغادرتها لمدة 6 أشهر بدعوى استعمالها في تدريب الجيش، ولكن السكان ابتعدوا بنحو 500 متر من أرضهم· وقد جاء محضِّر قضائي ليعاين شغور الأرض· لقد تم خداع الناس، ولكن جدي قرر الرجوع إلى أرضنا· ورجعنا··· وفي ,1973 قررت الحكومة إجراء إحصاء عام للبدو فبيَّن جدي ملكيته للأرض مستعملا المستندات وحتى الصور الجوية التي بينت أن 75 في المائة من أرضه كانت مزروعة···''· ومرة أخرى، يضيف ''عزيز'' عادت المصلحة المسماة ''دائرة أرض إسرائيل'' (مصلحة أملاك الدولة) لتقول بأننا متواجدون فوق أرض ليست ملكنا فبدأت سلسلة المحاكمات والتدمير''· وهنا يوضح محدثنا بأن الصندوق القومي الإسرائيلي هو الذي يهاجم البدو ويدمر بيوتهم بشكل شرس ولكن عناصر هذا الصندوق يأتون وهم مدعومين برجال البوليس''، مضيفا، أنه تعرض شخصياً للتوقيف ست مرات وأطول مدة توقيف دامت يومين، وكل مرة أفرج عنه بأمر من المحكمة· ولكن هذه الأخيرة، أمرتنا بدفع غرامة قدرها 8,1 مليون شيكل ( 000,360 يورو )·· إنهم يهدمون البيوت ومصاريف التهديم علينا نحن المالكين· إن هدفهم هو الاستيلاء على الأراضي، وهم يقولون لنا إذا كنتم ستبيعون الأرض فإننا سنقول أنها ملككم···''· ويتذكر هذا العربي من عرب 48 مصير عدد من البدو الذين باعوا أرضهم فيقول أنهم ''يعيشون، الآن، في حالة يرثى لها بعد أن فضلوا الإقامة في سبعة قرى أعدتها إسرائيل لهذا الغرض، حسب خطة ''برافر'' التي تستهدف جمع 000,30 بدوي في سبعة قرى···''· هل نقول لكم أن قرى البدو الرافضين للتخلي عن أرضهم لا تعرف متطلبات الحياة العصرية، لأن السلطات لا تريد تحفيز هؤلاء البدو على البقاء؛ فلا ماء شروب، سوى ماء الآبار، ولا صرف صحي ولا طرق، ولا أدنى متطلبات الحياة···· مأساة ''سيزيف'' الذي تناسخ في عشرات الآلاف من السكان مِثْل ''سيزيف'' الذي تقول الأسطورة اليونانية أن الآلهة حكمت عليه بحمل صخرة كبيرة إلى قمة الجبل ولكن ما أن يكاد يصل حتى تتدحرج الصخرة فيعود المسكين لحملها، يصر بدو النقب، مثلما يواصل ''عزيز''، على ''التمسك بأرضهم أو الموت فيها؛ اليوم، أنا وعائلتي و 2 عائلة أخرى نسكن داخل مقبرة العراقيب···'' وما يستحق الذكر، في هذا المقام، أن قرية ''العراقيب'' أفضل حالاً من قرية ''أبو جرول'' التي تسكنها عشيرة الطلالقة، التي هُدِّمَت أكثر من 50 مرة · وبعد كل تهديم يجري بناؤها من جديد، حسبما يقول ''عزيز'' المواطن الإسرائيلي، الذي تخلى عن عمله كمقاول ليكرس وقته للدفاع عن أرض عائلته وقريته· المعركة، إذن، غير متكافئة بين دولة عسكرية الطابع ومجموعة سكانية لا يتعدى عددها 000,300 شخص، حسب العديد من الإحصائيات، وهذا بهدف دفعهم إلى مصير أسوأ من مصير الهنود الحمر· والمثير للضحك المبكي في الأمر أن ساسة إسرائيل اليمينيين يقلبون الحقائق حتى يظهروا في مظهر الضحية ويبرروا تصرفاتهم الرعناء· وفي هذا الصدد، كتب ''أرييل شارون''، في مجلة ''الأرض'' الإسرائيلية، في عدد ديسمبر ,2000 يقول: ''وفي النقب، نواجه مشكلا جدياً؛ إذ أن حوالي 000,900 دونم (حوالي 000,90 هكتار) من الأرض ليست ملكا لنا وإنما هي في يد السكان البدو· أنا نفسي، كأحد سكان النقب، أواجه هذا المشكل كل يوم ( ···)، فالبدو يستولون على أراضي جديدة· وهم يقضمون احتياطات البلد، ولا أحد يفعل شيئا ذا بال في هذا الصدد''· وهذا ما يلخصه ''أورن ييفتاشيل، أستاذ الجغرافيا بجامعة بئر السبع، بالنقب، عندما قال: ''إن هدف الدولة، على الدوام، هو أن تحصر، بقدر الإمكان، البدو في مناطق ضيقة وتهويد الباقي؛ تهويد الأرض، تهويد الموارد، تهويد السلطة، واعتبار أصغر ظل مطلب بالمساواة يشكل تهديداً أمام بناء دولة يهودية''· ولحسن الحظ، فإن بدو النقب ليسوا وحدهم في هذه المعركة؛ وفي هذا الصدد يذكر ''عزيز'' الدعم الذي يلقاه من أطراف كثيرة في اليسار الإسرائيلي من ذلك ''مركز التعايش'' وهو جمعية عربية يهودية، والاتحاد اليهودي الفرنسية من أجل السلم الذي دعا ''عزيز '' إلى باريس، ليعرض على الفرنسيين ما يكابده بدو النقب·