لم تمر إلا ثلاث سنوات على آخر موعد انتخابي في الجزائر (رئاسيات 2009) حتى زادت الكتلة الناخبة ب 4 ملايين صوت، المتمثلة أساسا في ''جيل إلغاء المسار الانتخابي''، فهل يقلب هذا المعطى الخارطة السياسية؟ رقم كبير من شأنه أن يقلب المعادلة الانتخابية ويحقق مفاجأة لم تكن في الحسبان، غير أن الواقع يضيف هذا الرقم للكتلة الكبيرة التي بدأت تعزف عن المشاركة وبلغ ذلك أمده (وفق الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية) التشريعيات الأخيرة نهاية ربيع 2007 عندما لم تتعد نسبة المشاركة ال35 في المئة وجاء التبرير الذي قدمه وزير الداخلية السابق غريبا ومفاده أنه في ذلك اليوم الحار ذهب فيه عدد كبير من الناس إلى الشواطئ دون أن يمارسوا حقهم في الانتخاب، لكن الواقع يؤكد أن نسبة الامتناع كانت مرتفعة أصلا منذ سنين وجاء ذلك الموعد الانتخابي يؤكد القاعدة لا لينفيها، فهل سيغير رقم الأربعة ملايين شيئا في المعادلة؟ عندما نتكلم عن الناخبين الجدد، فنحن بصدد الحديث عن شباب بين ال18 وال21 سنة، المولودين سنوات 1992 و,1993 و,1994 وهي على التوالي، السنة التي ألغي فيها المسار الانتخابي الذي كاد يقود الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الحكم بمناسبة الانتخابات التشريعية حينها، ثم السنة التي أصبحت فيها الأزمة الأمنية واقعا بعد أن كانت مجرد حوادث تبدو متفرقة وأخيرا السنة التي تحول فيها العنف إلى مجازر جماعية وشرعت السلطة في البحث عن مخرج سياسي يتمثل في سلطة بديلة عن المجلس الأعلى للدولة الذي عوض منصب رئيس الجمهورية وبالفعل تم تعيين الجنرال اليامين زروال رئيسا للدولة تمهيدا لانتخابه رئيسا للجمهورية سنة .1995 إنه الجيل الذي ولد وترعرع في كنف الأزمة الأمنية الكبيرة التي غيّرت كثيرا من بنية تفكير المجتمع وجعلت الآلاف من النخب الفكرية والثقافية تهاجر، وهو الجيل الذي ولد زمن الانغلاق السياسي الذي أعقب تلك الأحداث المأساوية التي راح ضحيتها أكثر من 200 ألف ضحية حسب إحصائيات شبه رسمية، والذي لا يكاد (من خلال نقاشاته على الشبكات الاجتماعية الإلكترونية) يعرف شيئا عن الخارطة السياسية للبلاد والمتمثلة في كثير من الأحزاب لم يعد لها وجود إلا على الورق، ثم هي لا تجيد (الأحزاب) النشاط السياسي وفق الآليات الجديدة التي حملتها الثورة الرقمية التي اكتسحت البلاد منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وما زالت في كثير من حالاتها تعلن عن وجودها ببيانات ترسل إلى الصحافة عن طريق الفاكس، وعادة ما تكون تلك البيانات مكتوبة بخط اليد· وبدا أن الشرخ الحاصل بين الطبقة السياسية والكتلة الناخبة في اتساع مستمر، والمعطيات الجديدة تقول بأن الأمر سيزداد سوءا مع وصول جيل ''إلغاء المسار الانتخابي'' إلى السن المدعو فيه للانتخاب، اللهم إلا إذا ما حملت الخارطة السياسية الجديدة، جيلا جديدا من السياسيين يتمكن فيه من إحداث قطيعة مع الخطابات السابقة التي تخطب ود الناخب المفترض دون أن تستطيع فهم عقليته، وعدد الأربعة ملايين ناخب جديد من شأنه قلب المعادلة بشكل جذري، إما المزيد من العزوف عن الانتخاب لصالح الفردانية والخلاص الفردي الذي جاء نتيجة الثقافة المكتسبة من الوسائط الرقمية الجديدة ومعنى هذا أننا بصدد نسبة مقاطعة قياسية، وإما ميلاد نخبة سياسية جديدة تنقذ الموقف على أن المؤشرات الحالية لا توحي بترجيح الاحتمال الأخير·