''بسرعة..''، يطوي الشاعر الجزائري المسافات، ويتجاوز تجاربه السابقة التي انطلقت من الكلاسيكية، يدخل رحاب التجريب من أبواب متعددة، وبسرعة أيضا تفقد القصيدة عنده اليقينيات القديمة من إيقاع وطول، لتعانق القلق النثري. إنها السرعة التي أنجبت هذه المجموعة الصادرة أخيرا في طبعة مشرقية عن دار العين المصرية وبالتزامن في طبعة مغاربية عن دار الحكمة في الجزائر. ولأن القصيدة الجديدة عند بوزيد تجاوزت الحدود الجغرافية، فإن الطبعة المغاربية التي بين يدينا لا تخلو من لمسة مشرقية، والذي يقرأها بصريا من الخارج يعتقد أنها من منشورات إحدى دور النشر الأردنية والسر يكمن في أن المصمم هو الشاعر الأردني زهير أبو شباب. ومع أن ''الشيطان يسكن في التفاصيل'' كما يقال، إلا أن هذه التجربة تحاول إيهام القارئ أنها تخلصت منها، لكلها لم تتخلص - في الواقع- إلا من تفاصيل الشكل الخارجي، وكانت أولى الثورات ''الشكلية'' على قالب الشعر وعموده، وهي الثورة الواعية بحكم أن بوزيد حرز الله واحد من أهم الشعراء المتحكمين في الشكل الكلاسيكي، ومع أن ''الثورة'' بدأت ضمنية منذ بداية المتن، إلا أنه أعلنها صراحة بعد ذلك في المقطع ''المهدى'' إلى ''الخليل بن أحمد الفراهيدي'' (حارس القوالب الشعرية الكلاسيكية) وهو يقول له: اختصارا للكلام- الشعر- يريد- إسقاط- النظام· وتكتسب عنده القصيدة معنى جديدا، ويقول بشأنها: ''حين توقع بي- وتسلمني للبياض- ستعلن عن موتها''. ولا مكان هنا لموت ''المؤلف''، الذي يتجاوز الأشكال والقصائد ويعيش تجربة جديدة مع كل نص جديد يكتبه. تعانق القصيدة عند الشاعر بوزيد حرز الله تفاصيل أخرى، وهي تقرأ بالوعي الشقي من كتاب الحياة الواسع ومن كتاب الرحلة على وجه الخصوص، حيث تحضر التجربة الوجودية مستترة أحيانا وواضحة في بعض المفاصل، ونقرأها أيضا في أسماء الكثير من أصدقاء الشاعر وقد أهدى لهم نصوصه أو كانوا حاضرين بأسمائهم في بعض المتون وهم من شهود التجربة الشعرية بكل تمردها وقسوتها وحميميتها. وتزداد سرعة التجريب في هذا المتن الجديد ولا ينتهي إلا بكتابة عن أمكنة مختلفة بروح تتجاوز الشكل الخارجي لأدب الرحلة كما هو معروف، وبكلمات قليلة جدا نقرأ ''مستخلص'' بعض المدن والقرى، ومعها نقرأ أسماء بعض الأشخاص، مثل الشاعر المغربي اسماعيل غزالي ابن مدينة مريرت بالأطلس المتوسط، وفي مقطع باسم ''مريرت'' يقول بوزيد: فيها انهار من عسل- فيها أسرار الطين- فيها الوحش صديق للفقراء- فيها الإنسان تطهر بالصلصال- فيها آلهة الشهر- ونبي فيها- يدعى إسماعيل غزالي.