العنف المرتبط بالفكر الديني المتطرف ليس جديدا، الجديد أنه يعود للواجهة بعد وصول جماعات الإسلام السياسي للحكم، وفي أعقاب تبدلات تاريخية غيرت خريطة الحكم في العالم العربي. ويثبت للجميع الآن أن الجماعات الإرهابية لم تكن من اختراع الأنظمة العربية أو الغربية، كما كان يحلو لمنظري المؤامرة تفسيرها. لم يعد موجودا مبارك ولا العادلي في مصر، ولا بن علي في تونس، ولا صالح في اليمن، ولا القذافي في ليبيا.. وها هو الإرهاب يعود للواجهة. قتل العديد من الجنود المصريين في سيناء، والسلطات التونسية منشغلة بملاحقة جماعات مسلحة بالقرب من حدودها مع ليبيا، وارتفعت وتيرة الهجمات جنوبالجزائر، وعادت التفجيرات للمغرب رغم أن الإسلاميين يرأسون الحكومة لأول مرة. وشهد اليمن حديثا أكبر عمليات إرهابية في تاريخه نفذتها جماعات متطرفة راح ضحيتها مئات الجنود والمدنيين.. كل هذا سيعيد الجدل إلى الساحة، خاصة أن المهتمين اكتشفوا أن التطور السياسي وتبوء جماعات الإسلام السياسي لم يفلحا في وقف الفكر والنشاط المتطرف.. فهل ستقبل هذه الأنظمة الجديدة بخوض معركة فكرية وأمنية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة؟ في مواجهة الوضع المستمر، تخيلوا لو أن الحكومات العربية قامت بمعاقبة النشطين على مواقع الأنترنت بالإرهاب والتطرف وبث الكراهية والمترددين عليها، والمنخرطين في نشاطات خارجية مرتبطة بها، النتيجة أنها لن تجد مكانا يكفي لملايين المتورطين لسجنهم فيه. بالنسبة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي هدد المترددين على المواقع التي تروج للعنف بأنهم سيواجهون عقوبات شديدة، هو الآخر سيواجه مشكلة إن ثبت أن التطرف حالة منتشرة بين شباب مسلمي فرنسا، حيث تنتشر مواقع دروس العنف المرتبطة بالإسلام في الأنترنت، وعلى حسابات ''اليوتيوب'' و''الفيس بوك'' و''التويتر''.. فكيف يمكن له أن يزج بهذا العدد الكبير من الصغار في السجون لمجرد ترددهم على مواقع تحريضية على الأنترنت؟.. إنها مهمة صعبة والسجون ليست حلا، الحل يكمن في الفكر، وإشاعة الإسلام المتسامح والفكر الوسطي. الفرنسيون، مثل الهولنديين والبريطانيين وغيرهم من الأوروبيين، يتحدثون منذ زمن عن وباء التطرف الذي ينتشر بين أبناء الجاليات من أصول عربية ومسلمة، وبين المهاجرين. وخشية الحديث عن قوانين يقال إنها تستهدفهم اكتفت الحكومة الفرنسية بجملة نشاطات أقل تصادما، مثل تنظيم إدارة المساجد والأئمة وتنشيط حلقات الدعوة للتسامح. وهذه المبادرات والبرامج التي تقدمت فيها فرنسا على بقية الدول قد لا تكون كافية، فالمشكلة أوسع من دائرة المساجد والمدارس الحكومية. ماذا عن الجماعات الإسلامية التي صعدت إلى مواقع الحكم في مصر وتونس والمغرب؟ هل تريد أن تكون لاعبا أساسيا في الحرب على الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، أم أنها تريد الإمساك بالعصا من وسطها؟ الوقت مبكر، لكن ستأتي الساعة التي لا يمكن حينها التهرب من المسؤولية.