هناك فكرة غير سليمة ومضللة تم تداولها منذ نهاية الثمانينيات إلى يومنا هذا في الجزائر، ومفادها أن السياسة أفسدت المسرح الجزائري خلال فترة السبعينيات وقادته إلى طريق مسدود، ومن هنا فإن الخروج من هذا الطريق المسدود يتمثل في إعادة الإعتبار إلى المسرح باعتباره فن راقٍ لا تشوبه السياسة ولا تعكر رونقه وصفوه قضاياها، ولقد روج لمثل هذه الفكرة الزائفة العديد من المتطفلين على النقد المسرحي ومن أشباه الأكاديميين ومن الكتّاب والممثلين والمخرجين من ذوي النظر القصير والأفق المحدود، وما زاد الأمر غموضا وتشويشا في أذهان الكثيرين خاصة على أعمدة الصحف وفي مذكرات خريجي الجامعة من طلبة النقد المسرحي والأدبي، هو إستيلاء هؤلاء على مناصب حساسة واستراتيجية مكنتهم من التأثير على عقول الشبان ومحبي فن المسرح من الهواة، بل وعلى عقول بعض الجمهور الذي راح يردد شذرات طروحاتهم بشكل ببغائي ومبتذل بحيث تحولت مثل تلك الشذرات السطحية إلى يقين وبداهة، والأدهى من كل ذلك أن حتى بعض الناشطين المسرحيين من ممثلين ومخرجين وكتاب الذين كانوا منخرطين في تيار المسرح الدعائي في فترة سابقة تحولوا إلى مبشرين جدد لهذه النزعة المعادية للسياسة، وفي الوقت ذاته مشوهين عن وعي أو غير وعي لبعض التجارب المسرحية النقدية ذات الطابع الريادي·· هل فعلا قامت السياسة بإفساد المسرح الجزائري؟ أجيب بالنفي لأن المسرح الجزائري في الستينيات والسبعينيات أقرب إلى النقدية الإجتماعية والواقعية الإشتراكية منه إلى المسرح السياسي باستثناء محاولات نادرة قدمها كاتب ياسين وبعض فرق مسرح الهواة، مثل البروليكوت في سعيدة وفرقة الغاك في قسنطينة، وفرقة الدرسة في سطيف، وفرقة مسرح البحر التي كان يقودها المخرج قدور النعيمي، بل إن مشكلة المسرح الجزائري تكمن أساسا في ابتعاده عن السياسة·· ويدّعي أولئك الذين انخرطوا في المسرح المناسباتي الذي طفى تياره على الساحة المسرحية خلال العقدين الأخيرين والمتجنب طرح الأسئلة الجوهرية على الصعيدين السياسي والثقافي أن الأحزاب السياسية وميلاد الصحافة الخاصة بعد انهيار نظام الحزب الواحد وظهور التعددية إستعادت خطابها الأصلي وهو الخطاب السياسي الذي كان مستولا عليه من طرف المسرح في وقت سابق، وهذا أيضا ادعاء ملفق وغير صحيح، بل إن المسرح اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى وبالطبع إنطلاقا من خصوصية خطابه ورؤيته وبنيته الجمالية والفنية الإقتراب بشكل أكثر قوة وحميمية من الشأن السياسي ومن السياسة نفسها التي تعرضت للإبتذال وجردت من كل معانيها الإنسانية ومن قيمها الخلاقة من طرف الأحزاب السياسية وقادة هذه الأحزاب بل ومن طرف الطبقة السياسية بشكل عام التي أفرغت السياسة من كل محتوى أخلاقي وجمالي ومثالي بالمعنى الإيجابي والخلاق للمثالية· إن المسرح مطالب بإعادة امتلاك السياسة لتكون مكونا أساسيا من مكونات الخطاب والعرض المسرحيين، وهذا هو البرهان الأكبر لأن يصبح المسرح الجزائري أكثر حيوية وأكثر نضارة واقترابا من انشغالات الناس وهمومهم اليومية والحياتية وأكثر تعبيرا على الدلالات الكامنة بوجهة التاريخ الجديد الذي تصنعه قوى اليوم الصاعدة وقوى الغد·