تزامنا واحتضان الجزائر المهرجان الوطني للمسرح المحترف تحت شعار "القدس عاصمة أبدية للثقافة العربي " إلتقت صوت الأحرار بنخبة من المسرحيين الجزائريين والعرب لمحاولة مقاربة حضور القضية الفلسطينية على خشبات المسارح العربية فهل ثمة حضور للقضية الفلسطينية في مختلف الأعمال المسرحية العربي القطرية ؟ وهل تأثر النص والإخراج ومختلف عناصر العملية المسرحية بالراهن السياسي العربي بمختلف توجهاته وهل تأثر مشروع المسرح العربي ومحاولا تأصيله بنكوص وضمور المشروع القومي العربي وشعاراته ***فرحان بلبل : سوريا منذ النكبة اهتم المسرح العربي بالقضية الفلسطينية وخاصة في الأقطار العربية المحيطة بها لاسيما سوريا و الأردن كما تزاوجت القضية الفلسطينية مع الثورات العربية في الأقطار التي كانت تحت الاحتلال على غرار الجزائرتونس والمغرب، ولما استقلت هذه الأقطار انشغل المسرح العربي بالقضية الفلسطينية تماما ودارت الأعمال المسرحية في الوطن العربي حول محورين رئيسيين هما أولا تصوير المقاومة الفلسطينية بالأرض المحتلة و المحور الثاني ،وهو الأهم، تصوير علاقة الدول العربية بالقضية الفلسطينية ،ويمكن القول أن المسرحيون العرب في هذه الفترة كسبوا بكل جدارة شرف الدفاع عن القضية الفلسطينية، حيث هاجموا الأنظمة العربية المتخاذلة ودفعوا أبناء العرب للدفاع عن اخطر قضية واجهوها في القرن ال20 ومايزالون يواجهونها. ومن خلال متابعتي لكثير النصوص العربية في المغرب والمشرق لا أعرف كاتبا عربيا لم يتناول القضية الفلسطينية بأي شكل من أشكال التعبير الفني. لكن بالمقابل هناك بعض المسرحيون العرب حاولوا تبرأت الانظمة العربية من الهزيمة ووضعوا اللوم على الشعوب العربية ،وهذا النوع من الاعمال قابلها القراء والمشاهدون في الوطن العربي بالهجوم والنقد عكس المسرحيين –وهم الاغلبية- الذين هاجموا الأنظمة العربية بعنف وشدة الذين لقت أعمالهم تأيد واقبالا من طرف المشاهد العربي. وقد تعددت الأساليب التي تناول من خلالها المسرح العربي القضية فهناك من اختار الأسلوب الملحمي المباشر وهناك من فضل استعمال الأسلوب الرمزي والإيحائي في حين اختار فريق ثالث تصوير المجتمع بشكل عام ومن ضمنه القضية الفلسطينية وكان هذا النوع أهم الأنواع لأنه ربط تحرير الأرض المحتلة بتحرير المجتمع من الاستغلال والظلم وقهر المراة . لكن لابد من الإشارة في هذا السياق لنقطة مهمة كثيرا ما تم إغفالها وهي علاقة القضية في المسرح بالشعر في الوطن العربي، لأنه وحسب رأي لا نستطيع أن ننظر إلى تواجد وتطور القضية الفلسطينية في المسرح العربي دون أن ننظر إلى وجودها وتطورها في الشعر، فالشعر والمسرح ترعرعا معا في المعالجة والدفاع والهجوم ولن يستطيع الناقد المسرحي أن يفهم الدروب التي سار فيها المسرحيون دون العودة للشعر خاصة في الفترة الممتدة بين 1967 إلى 1973 والعكس صحيح. وأحب هنا أن أؤكد على نقاد الشعر و المسرح ضرورة الانتباه إلى هذه النقطة خاصة وأن الجمهور العربي في سوريا على الأقل كان يقارن دائما بين القصائد و المسرحيات . لكن المسرح العربي اليوم وعلى امتداد العشر سنوات الاخيرة نسيا القضية الفلسطينية تماما ،وكأنهم اداروا ظهورهم للقظية الام باستثناء قلة منهم، وهذا يعني ان الشعب العربية اليوم يتصف باليأس والهزيمة، لكن في الحقيقة هؤلاء المسرحيون هم مهزومين من داخلهم. الغريب في الامر ان في الوقت الذي بدأت فيه المقاومة الفلسطينية تكبر وتتسع أخذ المسرحيون ومعهم الشعراء يتجاهلون القضية الاصل، ويديرون ظهورهم في الوقت ذاته للواقع الاجتماعي بكل ما فيه من ظلم وفساد. ذلك لأنه لم يعد لديهم هدف فكري والنتيجة ان المسرح اليوم اتجه في اغلب أقطار الوطن العربي إلى لعبة الشكل والإبهار البصري ولم يعد المسرح يتجه إلى عقول وقلوب المتفرجين لان عقول وقلوب أولئك المسرحيين فارغة وعندما يفرغ القلب والعقل نلجا إلى الزينة تماما مثل العجوز التي تلجأ إلى المساحيق لاخفاء تجاعيد وجهها فلا هي اصبحت جميلة ولا احترمت شيخوختها . فيا ايها المسرحيون العرب آمنوا بأنفسكم وبقدرت تأثيركم في الناس ووعودوا للدفاع عن كل ما هو جدير وشريف وعن كل ما يرفع كرامة العربي وإذا لم تفعلوا ذلك فلسوف يصبح ما تنتجونه في هذه المرحلة لا قيمة له لا على المستوى النص ولا على مستوى العرض ولا حتى على مستوى التمثيل وستظل هذه المرحلة من غير كتاب ولا مخرجين ولا حتى ممثلين. ***أنور محمد: سوريا ان المسرح العربي لم ينصف القضية الفلسطينية من الناحية الرسمية بمعنى أن المسرح الرسمي في العديد من دول وطننا العربي كانت مجحفة في حق القضية ،لكن المسرحيون العرب أمثال سعد الله ونوس و ألفرد فرج و فرحان بلبل.... اخذوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن القضية وانصافها وقدموا أعمال كثيرة تسبب بعضها في ردات فعل قوية وأحرجت الحكام وكشفت عن تواطؤهم وتخاذلهم. ومن تم كانت القصية ولا تزال أحد هموم المسرحييين العرب وما زال هذا المسرح يمثل اداة تاثير قوية قادر على التغير ، لكن يبقى المسرح عقل الأمة و المحافظ على تاريخها. لخضر منصوري: الجزائر أعتقد للأسف أن الكتابات و الأعمال المسرحية التي تمس وتترجم أعمال وخيبات القضية الفلسطينية في الساحة المسرحية العربية خاصة الأعمال الإبداعية التي تلامس الواقع المعيش، ربما تكون محدودة وغير معروفة بشكل واسع، مقارنة بما أنتج في "سنوات الالتزام العربي" و بما يبث على شاشات الفصائيات يومياً من صور وتعليقات تشد الناظر لها، وكذا الكتب التاريخية ، وما ينشر في المجلات و الجرائد من مواصيع تخص القضية. تعاني الساحة المسرحية العربية حقا فقرا شديدا في تناول موضوع القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، لكن هناك نوافذ جيدة منها الإحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 ، كجهدٍ يسعى لدفع القضية الفلسطينية لتحتل الأولولية في وعي القارئ و المشاهد العربي، وتنفض غبار الاعتياد الذي رُوِضت مشاعره عليه. وتأتي إيماناً بالدور الذي يؤديه المسرح للقضية الفلسطينية والذي وقف جنباً لجنب مع المقاومة العسكرية في صمود تاريخي واستثنائي. من خلال أعمال كبار الشعراء والمسرحيين واللأدباء في مساندة الشعب الفلسطيني. كان المسرح العربي منصفاً للقضية الفلسطينية و واقفاً إلى جنبها من خلال الانتاجات المسرحية والاوبيرالية التي أنتجها الكثير من المسرحيين العرب في حقب مختلفة ومتفاوتة، لكن خلال السنوات الأخيرة يبدو للمتتبع أن القضية الفلسطينية لم تأخد حقها في الإبداع المسرحي العربي تأثراُ بالأزمات الممتالية التي يعيشها هذا المسرح من نقص في التمويل وغياب إستراتيجية للتصدي والالتزام. ومن جانب سياسي تخلف التياراليساري بالخصوص و التيارات السياسية الأخرى التي ساندت القضية في مراحل، السستينات والسبعينات وحتى نهاية الثمانينات فبعد سقوط جدار برلين، تغيرت أمور كثيرة في الخطاب المسرحي العربي الذي كان ملتزماً بالقضية في فنون متنوعة كالموسيقى والأدب والسينما ..وغيرها من الفنون وأصبح شبه صامت ويتابع مايفعله الساسة في المؤثمرات والندوات الدولية. لكن مع بروز الوسائل التكنولوجية صارت القصية الفلسطينية على كل لسان في الشارع العربي من خلال ماتبته الفصائيات العربية و ما يبث في شبكة الانترنيت ، فأنصف الشارع العربي القضية الفلسطينية أكثر مما أنصفها الساسة و المثقفون طوال عقود من الزمن. نوال ابراهيم : الجزائر مهما بلغ حجم الاجتهادات المتواصلة التي قام بها المسرحين العرب فان القضية لم تاخذ حقها في العروض والانتاجات الفنية في هذا الميدان إذ ما نظرنا إلى الحرب الايديولوجية التي نظمتها وخططت لها اسرائيل عبر كل وسائل الاتصالية والفنية (المسرح ، السينما ، القنوات التلفزيونية....) ،وبناء على تجربة الجزائر كوطن وكشعب قدم العديد من التضحيات وادرك أهمية الفن في التحرير والاستقلال سواء من خلال الكلمة الجميلة أو الايقاع أو الفرقة المسرحية التابعة لجبهة التاحرير الوطني التي عرفت بالقضية الجزائرية على المستوى العالمي من خلال جولتها في البلدان العربية من العراق إلى تونس مصر وكذا البلدان الصديقة الصين ،الاتحاد السوفياتي ،يوغسلافيا...)، كل ذلك فتح ابواب للتأمل والتأكيد على ضرورة استغلال كل الطرق وكل الفنون وتوضيفها للمطالبة بحق الشعب الفلسطيني والقضية الاصل. لذلك على من المثقفين والأساتذة الجزائريين والمدعوين لهذا للمهرجان و الملتقى المنظم في إطاره، أن يدركوا أن الحرب لم تعد بالسلاح الكلاسيكي ولا بالرشاش وانما بالكلمة والجماليات التي تنبع من الركح، من حناجر الممثلين والممثلات التي لابد أن تكون صوت وصدى يحتل كل الفضاءات لتصبح القضية الانسانية من أجل الحرية واسترجاع الارض المقدسة موضوع اهتمامنا المتواصل حتى الانتصار ولنبني من الجزائر "فرقة فنية" تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية . كما لابد أن يجتاز الواقع الفني في الوطن العربي كل المآسي التي تعيشها الامة العربية من اختلافات وتمزق الذي لا يخدم إلا العدو الصهيوني ليكون الإنتاج الفني قاطرة تدفع كل المجتمعات العربية للتساؤل والتأمل و الإحساس بما يعيشه الاطفال وألام والبنت.. الفلسطينية ،وبهذه الأعمال الجمالية التي تخاطب القلب والوعي سننتصر ليس ضد العدو فقط ولكن ضد اختلافاتنا بوسائل ثقافية وحضارية ويسمع العالم لاخطابات سياسية صماء لكن خطاب فكري يستلهم ويلهم كل القضايا الانسانية و التحررية . لكن قبل كل ذلك لابد ان يعيي هؤلاء المسرحيون أهمية عملهم ويضلوا يؤمنون بقدرة الفن الرابع كسلاح وكمادة تواصل قادرة على التأثير والتغير والاقناع كل القوات الفكرية والفاعلين هذا بالاضافة إلى مهمته الاجتماعية والجمالية، وإلا فان انهيار الأمة العربية سيكون مصيرنا ليس في فلسطسن فحسب بل على امتداد وطننا العربي. **عبد الكريم برشيد: المغرب وجود ندوة في اطار مهرجان المسرح المحترف بالجزائر حول المسرح الفلسطيني شيء جميل ومهم خصوصا في هذه السنة التي عرفت العدوان على غزة، ذلك لانني أعتبر القضية الفلسطينية هي جوهر كل القضايا الفكرية والسياسية في المجتمع العربي، وطرحها للنقاش يمكن أن يدعم اهتمام المسرح العربي بالقضايا الحيوية والأساسية خصوصا بعد أن عمل مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي على الابتعاد عن القضايا المصيرية والاهتمام بالشكل الفني وذلك على حساب المضمون الفكري والسياسي وشخصي. ومهما قدمنا من اعمال مسرحية للقضية الفلسطينية سنبقا مقضرين، والواقع أن كل المجهودات التي بذلت في هذا الاتجاه وكل الاعمال التي تم انجازها على كثرتها، لم ترق لعظمة هذه القضية. ورغم أن المعروف أن الإبداع الكبير تصنعه دائما المعاناة الكبرى، لكن وعلى امتداد 60 سنة من المعاناة لشعب باكمله التي كان من المفروض ان تنجب إبداعا كبيرا يتجاوز الإطار الإقليمي والقومي أن يكون إبداعا إنسانيا في مستوى الإبداعات العالمية الكبرى، لكن حرارتنا وانفعالنا الزائد حول الكثير من الأعمال إلى خطب ومرافعات تفتقر للناحية الدرامية والجمالية. صحيح أنه بعد النكسة كان هناك منعطف هام وخطير في الساحة الثقافية العربية حيث ولد هناك إحساس بحاجة إلى التغير فنشأت حركة نقدية قوية للذات ولسياسة السياسيين وللتوجهات الفكرية ، وقد انجب هذا الوعي مسرح تاصيلي اتجه للاهتمام بالتراث واستعادة شخصيات من التاريخ و الحكايات والامثال و القرآن الكريم وحاول أن يعبر من خلالها عن الراهن، لكن هذه المرحلة اضمحلت ولم يعد لها وجود بسبب تغير البنية السياسية العالمية مع زوال الناصرية وحزب البعث في العراق و زوال القطب السوفياتي ودخول بعض الدول في اتفاقيات صلح مع العدو وبالتالي لم تعد المقاومة موجودة إلا في سوريا ولبنان ...كل ذلك كان له تأثير على العمل المسرحي . ما نراه اليوم هو اتجاه إلى الشكل على حساب المضمون وتفضيل الاقتباس على التأريخ والترجمة على الكتابة و الإتباع على الإبداع، فالمسرحيون العرب اليوم اتجهوا إلى بجماليات البصرية والأداء المبهر وابتعدوا عن اللب لأنهم يخافون من طرح القضايا الحارة، لذلك كنت في خلاف دائم مع أولئك الذين يهتمون أكثر بالكتابة بالجسد عوض الكتابة الصادقة والمضمون الجدي. أتمنى أن نستعيد وعينا النضالي الضائع وتكون لنا الجرأة أن نطرح القضايا الوجودية الكبرى وان نواجه مشاكلنا بوعي فكري مسؤول ولا نهرب للقتباس و الترجمة .