إحتضنت القاعة الكبرى لدار الثقافة مولود معمري بتيزي وزو، مساء أول أمس، عرض الفيلم الوثائقي بعنوان ''لغة زهرة'' للمخرجة السينمائية فاطمة سيساني، عالجت فيه وضعية الأم الأمازيغية التي تجد نفسها في المهجر ولا تتقن إلا لغتها الأصيلة، وترفض عادات وتقاليد المجتمع الآخر. كان الجمهور القبائلي، أول أمس، على موعد مع فيلم وثائقي مدته 93 دقيقة بعنوان ''لغة زهرة'' يترجم الواقع الذي تعيشه أم أمازيغية أمية تسافر إلى فرنسا لتعيش مع عائلتها، لكن عائق اللغة يقف أمامها ويجعل حياتها صعبة، ورغم أنها تتواجد بين أحضان بناتها وأحفادها، إلا أن الحنين إلى قريتها بمنطقة القبائل يجعلها تعيش صراعا نفسيا فترفع تحدي بقائها وفية للغتها وتقاليدها الأمازيغية، رغم صعوبة التواصل حتى مع بعض بناتها اللائي لا يتكلمن إلا الفرنسية، وحرمت من الاستمتاع مع أحفادها بلغة أجدادهم، بسبب اللغة والثقافة الفرنسية التي لا يتقنون غيرها. وأظهر الفيلم طبيعة المرأة القبائلية التي تستطيع أن تفرض نفسها في مجتمع غريب وتنجح في نقل المفاهيم القبائلية بعيدا عن اللغة لكن عن طريق السلوك في تفاصيل الحياة اليومية. كانت لغة ''نا زهرة'' في حد ذاتها مفعمة بالأشعار والحكم والأمثال، وهي الطريقة التي تعرف بها المرأة القبائلية. وهي داخل منزل عائلتها بفرنسا تسترجع ذكرياتها في قريتها ولقاءاتها مع عجائز القرية وهن يتبادلن الحديث عن الحياة والأسرة، ومن حين لآخر تأتي بقصيدة شعرية تطلق عبرها أوجاعها وآلامها وهموم الحياة، وهي الوسيلة الوحيدة التي تقلل من معاناتها داخل المجتمع الفرنسي. وظهرت ''نا زهرة''، وهي والدة المخرجة فاطمة سيساني، عندما كانت في فرنسا بملامح حزينة ومستاءة، لكن تلك الصورة تغيرت جذريا عندما عادت إلى قريتها بأعالي إفرحونان، ولم تكن الابتسامة والضحك يفارقان وجهها، وكانت ملامحها تبدو سعيدة كونها على طبيعتها. ونقلت المخرجة التي أقحمت في الفيلم عدة نساء وعجائز من القرية، العلاقة الحميمية التي تربط النساء القبائليات فيما بينهن، لتظهر ذلك الشوق والحنين الذي سكن صميم زهرة بين الحكي والمرح والمرافقة إلى مقرات أولياء الصالحين لممارسة الطقوس المعروفة. وأثبت الحوار أن تواجد النساء الأمازيغيات في الريف وقمم الجبال مرتبط أساسا بالقوة والتحدي لعيش حياة ريفية سعيدة رغم الصعاب وغياب الإمكانيات، وتعبّر العجائز والنساء بلغة الشعر والغناء عن مكنوناتهن، وهو ما تفتقده المرأة القبائلية في المهجر. هذه المفارقة بين وجود أصيل مرتبط بالإبداع اللغوي والشعري، وبين وجود مستلب يختزل المرأة الأمازيغية في سلسلة الإنتاج المادي جعلت ''نا زهرة'' تعاني بفرنسا. يذكر أن الفيلم الوثائقي ''لغة زهرة'' للمخرجة فاطمة سيساني، فاز شهر أكتوبر المنصرم بالجائزة الكبرى في المهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي ''إسيني ن ورغ'' بمدينة أغادير المغربية، مناصفة مع فيلم ''همسات أعلى الشجرة'' للمخرج المغربي الشرقي عامر.