''القصور للأغنياء والأكواخ للفقراء، ثروتي تحركها قوى خفية، أجرّ الفقر، أجرّ الأزمنة، أجرّ عالما كاملا ورائي، ليس بعد الفقر والجوع إلا الغضب، سادتي نحن في عصر الفقراء، فأنا الليل والظلام، أنا العود والناي''... هي مقاطع لمشاهد مختلفة من مسرحية ''ابن الرومي في مدن الصفيح'' لتعاونية ''الملقى'' بتندوف، عرضت أول أمس على ركح سيدي بلعباس، تزامنا ومهرجان المسرح المحترف في دورته السادسة. يعود تأليف مسرحية ''ابن الرومي في مدن الصفيح'' للكاتب المغربي عبد الكريم برشيد، وإخراج بومدين بلا، في حين تقمص البطولة في التمثيل نخبة من النجوم المسرحية من الجيل القديم للجنوب الكبير بمدينة تندوف، إلى جانب وجوه جديدة ولجت لأول مرة عالم التمثيل. تدور أحداث المسرحية ذات الطابع الاجتماعي التاريخي حول عالم تداخلت فيه الأزمنة بشكل غريب، ويعيش في الماضي بالحاضر ليصبح هذا الحاضر متضامنا مع كل الأزمنة المختلفة، وخلالها تتعدد العوالم في هذا العالم، ما يتشكل عن ذلك اصطدام وتقاطع كبيرين يؤديان إلى تولد صراعات خفية بين عالم الشرق والغرب، وكذا حدوث صراعات أيضا بين عالم الأغنياء والفقراء، وبين عالم المرأة والرجل، وعليه أصبح هذا العالم يعرف بالمتناقضات ويجسد بدوره كل مظاهر الصراع، وتتجسد تلك الصراعات بين عالم الأضواء وعالم الظلال وبين عالم الأشباح وعالم الأجساد وبين عالم الأحلام وعالم الأقنعة، لكن في حقيقة الأمر لا وجود سوى لعالم واحد هو عالم الإنسان، هذا ما جسدته ركحيا تعاونية ''الملقى'' لتندوف حين أحدثوا بعض الإسقاطات على الواقع الاجتماعي المرّ الذي تتخبط فيه الطبقة الفقيرة من المجتمع، حيث قام الممثلون وهم يتجوّلون على الركح، بتعرية بعض المظاهر الاجتماعية التي لا تليق بالحياة الإنسانية الكريمة، فمشاهد العرض قادتنا إلى عالم مليء بالمتاهات، وذلك من خلال تغلغل الممثلين في الدهاليز العميقة حيث الفقر متربع عن العرش. الشيء المميز بالعرض أنه قدم باللغة العربية الفصحى، ما يجعلك تتخيل فعلا بأنك في عصر ابن الرومي. إلى جانب ذلك، فإن الممثلين أثبتوا حضورهم على الخشبة من خلال تقديمهم عملا جماعيا متناسقا. وبالنسبة لمشاهد العرض، كانت متسلسلة وثابتة في معظم الأحيان، هذا ما جعل المشاهد لا يعيش الملل. وحسب ما أكده لنا (ف. ع)، فإن العرض يحتوي على مادة دسمة، غير أنها لم تستغل بطريقة جيدة. أما بالنسبة للديكور، فتميز بالبساطة والإثارة، خاصة حين اكتفى الممثلون بارتداء أزياء بسيطة.