اختيار نص سمير مفتاح، لإخراجه كان موفقا، ماذا وفرت لك المادة الدرامية المكتوبة، خاصة وأن المسرحية تتطرق بشكل مميز إلى واقع العالم العربي في الآونة الأخيرة؟ اعتمدت على نص سمير مفتاح، بنسبة 80 بالمائة، فهو متن قوي استحق جائزة علي معاشي في ,2008 إلا أنني عملت أن يكون العمل متوافقا ومنسجما مع أحداث الشارع العربي، حيث قررت أن أجعل من المريضين ''يحي'' و ''سعيد'' شخصيتين وهميتين تعيشان في مخيلة الدكتور يوسف فقط، بينما في النص الأصلي هي شخوص حقيقية وجدت فعلا على أرض الواقع. وقد سمحت لي هذه الطريقة، أن أعكس الأسئلة الكبيرة برأس الدكتور، بعد تجربة عصيبة في غزة وبغداد. لماذا توجد النقيضين (''يحي'' المتفاءل و''سعيد'' المتشاءم) في المخيلة فقط وليس في الواقع؟ للضرورة الدرامية التي تخدم العرض، كان لزاما علي أن ألعب على هذا الوتر دون غيره، كان لا بد من نسج حبكة ذكية تشد المتفرج إليها، وتبقيه متابعا لمجريات العرض، مستمتعا بتطور الأحداث. إلى أي مدى يحتاج المخرج الجزائري إلى مثل هذه النصوص ليبلغ مستوى الإكتفاء والرضا، وعلى ضوء ما يثار حول أزمة النص عندنا؟ أنا ممن يؤمنون بأن أول خطوة للمخرج من أجل عرض ناجح هو نص جيد، في السابق كنا نقول أننا لا نملك كتابا للمسرح، خلافا للفنون الأخرى كالرواية والشعر والقصة، لكني فوجئت بنصين جزائريين جميلين، الأول في 2009 بعنوان ''مسرى'' للكاتب محمد حمداوي، والثاني ''المرآة'' لسمير مفتاح. ما أشعرني أن مشكلة النص بدأت تضمحل، بوجود كاتبين مثلهما وآخرون موجودين أكيد. قد تطرح المسألة على مستوى الكم، لكن في المستقبل سيكون فيه زخم ذو نوعية. من أسباب نجاح عرضكم هو التفاهم الحاصل بين السينوغرافيا والإخراج، خلافا لما هو سائد، حيث الطرفان يشدان على طرفا الحبل لصالحهما؟ كنت مصر على حدوث التجانس الذي ظهر على الخشبة، لم أشعر أني غريب عن السينوغرافيا، بل أنا شريك فيها، أعمل بطريقة حوارية حتى أبلغ نقاط تفاهم ووفاق. لكني سمعت أن عبد الله كبيري، أرسل تصميمه عبر الأنترنت ولم يحضر المرحلة التحضيرية؟ جمعتني بكبيري، ثلاثة جلسات متتالية في معسكر ومستغانم، تناقشنا في النص وحللنا مغزاه جيدا، وتبادلنا وجهات النظر فاستوعبنا النص جيدا، وتقاربت خطتنا في التطبيق. بعدها اشتغل كبيري وحده على السينوغرافيا، هناك في سويسرا، وأرسل بتصوره إلينا، حتى يسهل على المعنيين تجسيده، بينما كنت على دراية ووفاق بفكرة المكعب الملون، والكرة التي تخرج من وسطه، وكأنها عقل المريض وما يدور في داخله من صراع. إلا أني كنت أفضل أن يكون عبد الله كبيري، حاضرا معنا، خاصة في مسألة الأزياء حيث لم نعثر على خياط يساعدنا في تكوين الفكرة، فاكتفينا باللباس الجاهز. مسؤولية العرض ألقيت على أربعة أسماء شابة واعدة، تقاسمت البطولة، كيف استقر رأيك على هؤلاء؟ كنت أعرف بن واري وجريو وبن إبراهيم ولا أعرف فتحي كافي، وقد نصحني مساعدي وآخرون بقدرة كافي على الأداء، وهو ما لاحظته من أول وهلة بدأ يقرأ فيها النص أمامي. لهذا لم أجد صعوبة في اختيار الممثلين، حيث استجاب بروفيل كل واحد منهم إلى الشخصية التي أردتها. إلا أنني كنت قد اخترت عبد القادر جريو لدور ''سعيد'' وعينت فوزي بن إبراهيم ل ''يحي'' إلا أن مساعدي نصحني بإبقاء فوزي في دور ''يحي''. وصل العرض إلى نهاية جولته الوطنية، أليس إجحافا أن يبقى هكذا إنتاج دون جولات إضافية، وتعميم الفرجة والمتعة؟ في الإتفاق المبرم مع مسرح معسكر الجهوي، حددت الجولات بعشرين عبر الوطن، ونحن بلغنا اليوم آخر مرحلة من عروضنا، في انتظار العرض الأخير في المسرح الوطني الجزائري في إطار مهرجان المسرح المحترف. للأسف هذه إشكالية الأعمال المنتجة من قبل وزارة الثقافة، الجولات مربوطة بميزانية وأجندة. لهذا أفضل العمل في إطار الجمعية، التي تضمن لنا أكثر حرية في برمجة العروض، كما كان الحال مع مسرحية ''مسافر ليل'' منذ ,2006 التي بلغنا بها مشاركات عربية وفزنا بجوائز وطنية أيضا. بصراحة أتمنى أن نستمر في عرض ''المرآة''، فهي تستحق أن تلعب أكثر من مرة، واقترحت على المدير جرورو، أن تلعب المسرحية من قبل عناصر أخرى، حتى نضمن استمراريتها.باختصار، أريد ل ''المرآة'' أن تنال حظها في المهرجانات العربية والدولية، فهي مؤهلة لحصد الجوائز.